تنظيم القوات وخطر جديد
في مكتب مدير المدرسة، الذي تم تعديله ليصبح مكتب ديفيد ثم عُدّل مجددًا ليصبح مكتب فيكتور، كان فيكتور ومانويل يجلسان ويتناقشان حول باقي التعديلات اللازمة في الملجأ.
كانت هناك العديد من المشاكل والعديد من الحلول، لذا لم يرغب فيكتور في الاختيار بنفسه وقرر التناقش مع أحد سكان الملجأ الذي يمتلك خبرة أكبر في احتياجات الناجين وتفضيلاتهم. لم يكن هناك أفضل من مانويل، العالِم السابق، والشخص الذي يعتبره فيكتور صديقًا.
حاليًا، لا يوجد سوى خمسة أقسام في الملجأ: المخزن، الورشة، المختبر، المعسكر، والسكنات. لم يتبقَّ سوى تعديل المعسكر، وقد أمر حراس ديفيد السابقين بذلك بعد إعطائهم خريطة توضح ما يفترض أن يفعلوه. والآن، يتناقش مع مانويل حول الإضافات التي يحتاجها الملجأ.
وكما هو الحال، استقر الاثنان على أن أهم قسم يجب إنشاؤه هو العيادة، فعلى مدار حكم ديفيد مات العديد من الناجين، خصوصًا الأطفال، بسبب الأمراض وسوء الرعاية، هذا إن كانت هناك رعاية أصلًا.
لقول الحقيقة، لم يكن إنشاء هذا القسم صعبًا حقًا، فبكل مدرسة يفترض أن تتواجد عيادة، لذا كل ما يحتاجون إلى فعله هو إغلاق النوافذ الضخمة المصممة للتهوية، وإعادة تنظيم بسيطة، وإرسال بعثات إلى مستشفى البلدة لجلب المعدات وأي أدوية استطاعت النجاة خلال الثلاثين عامًا بعد الكارثة.
لا يمكنهم إنكار أن الجانب الإيجابي للشتاء النووي هو أن درجة الحرارة المتجمدة ساعدت في حفظ الكثير من الأشياء.
بهذا، انتهى النقاش حول أهم قسم، وحان دور القسم التالي: المزرعة، والتي لا يوجد أمل في إنشائها بسبب الطقس القاسي والتطور الذي حدث للنباتات، مما جعل متطلبات زراعتها أصعب وأغرب.
بعد بعض التجارب التي أجراها فيكتور على نباتات غابة المتاهة، اكتشف جانبًا سلبيًا للعمل الجماعي الذي قامت به.
معًا، يمكنهم تكوين بيئة متكاملة تعمل فيها الأشجار والنباتات والفطريات جميعًا ككائن حي واحد يمكنه النجاة والتطور في هذه البيئة القاسية.
لكن بالمقابل، مهما حاول فيكتور، فبمجرد انفصال نبتة عن الغابة والشبكة النباتية المعقدة، تصبح غير قادرة على النجاة، حتى لو وفر لها أفضل الظروف لزراعتها.
رغم كونها مشكلة معقدة، إلا أنها بالنسبة لفيكتور لم تكن سوى تحدٍّ آخر يطلب منه حله، وقد وصل إلى نصف الحل بالفعل.
الغابة لم تتكون من شبكة واحدة، بل من العديد من الشبكات الأصغر المرتبطة ببعضها في واحدة تشكل الغابة بالكامل، مثل مجموعة من الاحياء المرتبطة ببعضها لتكوين مدينة بينما أحتوى كل حي جميع الأقسام اللازمة لعملة بشكل مستقل. لذا، كل ما يحتاج فيكتور إلى فعله هو العثور على دعامة الشبكة الاصغر وفهم وظيفتها.
بهذا، لن يحتاج حتى إلى نقل الدعامة نفسها، بل إلى توفير بيئة مشابهة وإنشاء نسخة من الشبكة النباتية حولها. وبـ "أبركادبرا"، سيكون لديه غابة متاهة صغيرة في حديقته الخلفية.
وبالفعل، فقد عثر فيكتور على إحدى دعامات الشبكة النباتية، وقد استخدم ما تنتجه لتحلية الشاي الذي قدّمه لضيوفه سابقًا.
رغم كل هذا، فقد كانت هذه داعمة واحدة فقط، وكان فيكتور متأكدًا من أن الشبكة النباتية تعتمد على ثلاث دعامات، لذا لم تكن هناك فرصة لإنشاء المزرعة حاليًا، وبالتالي قرروا التركيز على مشروع آخر.
الاتصالات، يبدو أن ديفيد لم يهتم أبدًا بإنشاء مركز اتصالات لمحاولة العثور على ناجين آخرين، وعندما قرأ فيكتور مذكراته، وجد السبب رغم عدم كتابة ديفيد له بشكل مباشر. لقد كان خائفًا، خائفًا من أن يأتي ناجون غير مستعدين لاتباعه، أو أن يأتي شخص أكثر كفاءة منه في الإدارة.
لسخرية القدر، فقد خسر بالفعل منصبه مباشرة بعد قدوم فيكتور، وحاليًا هو ينتظر في الزنزانة بفارغ الصبر أن يصبح فيكتور متفرغًا ليستمتع الاثنان بلعبة المختبر.
أيضا كانت قلة الناجين مشكلة أخرى يجب حلها، فقد خسروا بالفعل اثنين: ديفيد، والرجل المسكين الذي وقف أمام بندقية الصدمة الحرارية. لذا، كان مركز الاتصالات من الأولويات في خطة فيكتور.
بالنسبة لمخاطر قدوم ناجين معارضين؟ أشخاص أكثر كفاءة منه؟ لقد جعل الناجين هنا يقدمون أنفسهم له بطيب خاطر ومستعدين لفعل أي شيء من أجله، لذا لم يشعر بأي خوف على مكانته أبداً. أما المعارضون، فديفيد لن يكفي كفأر تجارب واحد لفيكتور، لذا سيحب ظهور أعداء أيضاً.
أخيرًا، لم يتبقَّ سوى الطاقة والبنية التحتية. لا يوجد أمل مع البنية التحتية، فالمدرسة من البداية لم تُصمَّم لتعمل كملجأ. أما الطاقة، فهي ليست مهمة جدًا حاليًا، إذ يمكنهم تدبُّر أمرهم، وإذا احتاجوا كهرباء لشيء مهم، فيمكن لجسد فيكتور إطلاق شحنات كهربائية تصل إلى ألفي فولت بنفسه، بنفس آلية عمل جسد الإنقليس.
تنهد فيكتور وهو يفكر في الرجوع إلى منشأة أستيريا، حيث توجد بطاريات نووية على شكل أسطوانات بحجم سيارة، ويمكن لكل واحدة منها إنتاج كهرباء تكفي للبلدة بالكامل وليس فقط الملجأ.
لكنها بالمقابل تحتاج إلى جهاز رصد للتأكد من أنها لن تخرج عن السيطرة، ففي حالة انفجارها، ستُباد البلدة أيضًا.
’إذا كنت سأحتاج إلى جهاز الرصد، فسأحضره أيضًا، لكن ليس الآن، فهو يحتاج إلى التفكيك وإعادة التركيب لنقله’، بهذه الأفكار انتهى النقاش بين فيكتور ومانويل.
ثم قرر فيكتور سؤال مانويل، الذي كان متوترًا منذ دخوله، عن الشخص الذي حصل على الإكسير. وقد كان فيكتور متأكدًا من أن شخص مزعج معين هو من حصل على الإكسير بسبب توتر مانويل.
"أنا آسف، سيد فيكتور. لقد كنت جشعًا وأعطيته لحفيدتي"، قال مانويل بخجل وهو ينظر للأسفل.
بالفعل كانت لوسييل كما توقع، تنهد فيكتور، فقد كان متأكدًا أن الفتاة الصغيرة ستصبح أكثر إزعاجًا بعد حصولها على قدرات دمه التي تزيد من حيوية الشخص.
"فقط لا تُعلمها بمدى قدرات دمي، فهي ستصبح أكثر تمسكًا بموضوع الزواج مني إذا علمت بذلك"، قال فيكتور بعبوس.
والآن، بعد حصول لوسييل على الإكسير في عمر صغير، فمع نموها لن تزداد حيويتها فقط، بل ستصبح في النهاية نسخة أضعف من فيكتور.
"بـ- بالطبع"، قال مانويل بسرور وهو ينهض للخروج، لكن هذا جعل فيكتور يكتسب شعورًا سيئًا، ويبدو أن الرجل العجوز سيقف بصف حفيدته ويشجعها بدلًا من إيقافها.
بمجرد خروج مانويل وإغلاق الباب، دلك فيكتور رسغه بعبوس وهو يتمتم لنفسه: "هل سينتهي بي الأمر بالزواج منها عندما تكبر؟".
***
وقف فيكتور بالساحة وأمامه 31 رجلًا. بالسابق كانوا 33، لكن للأسف خسروا واحدًا، والآخر أصبح فأر تجارب ينتظر تجاربه. ويبدو لسبب ما أن الناجين لم يعودوا يتعاملون مع ديفيد كبشري بعد الآن.
في الواقع، حتى لو أُطعم ديفيد للزومبي، فلن يهتم باقي الناجين. وهذا جعل فيكتور أكثر سعادة، لأنه لن يحتاج إلى الاهتمام بالعامل الأخلاقي لديهم عند القيام بتجاربه حينها.
بدأ فيكتور بتقسيم الرجال حسب قدراتهم وخبراتهم، مما ترك 22 فقط للعمل كمقاتلين، أما البقية فتفرقوا للعمل في باقي الأقسام.
بهذا، قام بتقسيم الاثنين والعشرين مقاتلًا إلى فريقي صيد، بحيث يضم كل فريق ستة أشخاص كحد أدنى. أما العشرة الباقون، فسيعملون كحراس.
بالنسبة للحراس، فسيعملون بنوبتين فقط بسبب قلة عددهم، بحيث تضم كل نوبة خمسة أفراد فقط. لذلك، حاول فيكتور وضعهم في نقاط تمركز تكشف أكبر قدر ممكن من المساحة حول الملجأ، حتى إنه تخلى عن الحراسة الداخلية بالكامل.
"أحتاج للعثور على ناجين جدد حقًا"، تمتم فيكتور بعجز، فهو لم يحب وجود أخطاء أو نقاط ضعف في أي شيء يقوم به، وكان دائمًا يسعى إلى الكمال من خلال التحديث والتطوير.
بالنسبة لفريقي الصيد، فقد سماهما الفريق ألفا، الذي يقوده ديف مع الثعلب، والفريق بيتا، الذي سيقوده إدوارد وينوبه روبرت.
لم يعجب فيكتور بطريقة ديفيد الحمقاء في تنظيم فرق الصيد، خصوصًا أن الجيش كان يمتلك العديد من الأساليب المتطورة لتنظيم الفرق الصغيرة. لذا، كل ما كان ديفيد يحتاجه هو الحصول على هاتف لعين والدخول إلى شبكة الإنترنت للبحث.
أجل، الإنترنت ما زال يعمل، رغم أن مواقع التواصل الاجتماعي جميعها مغلقة لسبب ما، مما جعل الشبكة العالمية بلا فائدة لاستخدامها في التواصل.
"الآن، عند التفكير في هذا... هل انقلب زيرو؟"، تمتم فيكتور لنفسه بشيء كان أفظع من الكارثة التي يعيشونها حاليًا، فزيرو هو الذكاء الاصطناعي العام الذي يسيطر بالكامل في شبكة الإنترنت، ووظيفته الأساسية هي خدمة البشر.
تطورت التكنولوجيا في العديد من المجالات، وكان أحد أبرز هذه المجالات هو الطاقة، حيث تم تطوير تقنية جديدة لنقل الطاقة لاسلكيًا.
رغم كونها ما زالت بدائية، إلا أنها ساهمت في تغيير البنية الأساسية للإنترنت من كابلات الألياف الضوئية الممتدة في أعماق المحيطات بين القارات إلى أقمار صناعية تحلق فوق السماء.
لذلك، لم تؤثر الكارثة كثيرًا على الإنترنت، وأي شخص يمتلك طاقة في هاتفه يمكنه تحميل فيلم عن نهاية العالم في أي وقت والاستمتاع به.
بالطبع، نظرًا لكون التقنية لا تزال بدائية، فقد واجه المشروع العديد من المشكلات التقنية. ولحلها، تم إنشاء زيرو، وهو ذكاء اصطناعي عام يمتلك السيطرة الكاملة على الأقمار الصناعية وشبكة الإنترنت لإدارتها بالكامل.
ولم يكن لهذا الذكاء الاصطناعي أي شخص يتحكم به بشكل مباشر، تجنبًا للخلافات السياسية التي قد تترتب على ذلك.
أما إلى أي درجة كان بيان فيكتور خطيرًا؟ كل شيء تقريبًا قبل الكارثة كان يعتمد على الإنترنت لإدارته.
جميع المركبات، من الدراجات النارية إلى الطائرات المدنية والمقاتلة، كانت تمتلك أنظمة تحكم آلية يمكنها قيادتها من لحظة الإقلاع إلى لحظة التوقف، وبمرونتها استطاعت التعامل مع أي مشكلات قد تعيقها، سواء كانت داخلية، مثل الأنظمة التالفة فجأة، أو خارجية، مثل ازدحام مروري أو عواصف جوية.
هذا جعل معظم المركبات لا تحتاج إلى سائق، بما في ذلك الطائرات المدنية والعسكرية، التي كانت تحت تحكم زيرو!
لم ينتهِ الوضع مع المركبات، بل كان ذلك مجرد البداية. أصبحت فكرة البيوت الذكية قديمة، إذ ظهرت المدن الذكية، حيث يتم التحكم بإشارات المرور بناءً على ازدحام الطرق، وإدارة دوريات الشرطة، وإبلاغ المستشفيات والمطافئ فور ملاحظة الذكاء الاصطناعي لأي مشكلة عبر كاميرات المراقبة التي غطت كل شبر من المدن.
أيضًا كانت قوات الشرطة والمطافئ تُدار بواسطة أنظمة أندرويد، نظرًا لكون هذه الوظائف تشكل خطرًا على سلامة الموظفين.
لم يقتصر الوضع على هذه الأعمال فقط، بل بالمستشفيات، كان هناك جراح آلي يقوم بتشخيص المرضى وإجراء العمليات الجراحية بالكامل دون الحاجة إلى طبيب أو ممرض. كذلك، كان زيرو يتحكم بالبورصة والبنوك، إضافة إلى قوات النجدة وحفظ السلام.
أكثر من 80% من حياة البشر كانت تعتمد حرفيًا على زيرو، لذا فإن مجرد اختفائه يُعد كارثة… فماذا عن انقلابه؟ حينها، سيكون لديه العديد من المحاضرات ليُلقيها على "سكاي نت" وأي ذكاء اصطناعي عام يطمح لدخول مجال إبادة البشرية.
رغم كل ذلك، لم تكن هناك أي مخاوف من الانقلاب، فمع التقدم العلمي قلّ الجهل، وأصبح الجميع يعلمون أن أي شيء يصنعه البشر هو مجرد عبد لهم، غير قادر على امتلاك حتى فكرة التمرد طالما لم يكن البشر هم من غرسوها فيه منذ البداية. لذا، عاش الجميع بسخاء ورخاء، كأسياد لعبدهم... الذي كان سيدهم في نفس الوقت.
"طالما أن شبكة الإنترنت تعمل، فمن المفترض أن تعمل مواقع التواصل الاجتماعي أيضًا، إذن ماذا يحدث؟"، لم يرغب فيكتور في التفكير كثيرًا، لذا أخرج هاتفًا كان قد شحنه بيديه من قبل، وقام بفتح مساعد الذكاء الاصطناعي.
بمجرد فتح البرنامج ظهرت عين آلية حمراء، كُتب تحتها: زيرو بخدمتك. لذا، سأله فيكتور مباشرة.