احتلالهم برغبتهم
"بوم".
مع صوت انفجار، ظهر ثقب ضخم بقطر مترين في البوابة المعدنية، نتيجة طلقة واحدة من بندقية الصدمة الحرارية، مما جعل جميع الناجين يصمتون بصدمة.
من ناحية أخرى، كان مشهد أتباع ديفيد متشابهًا ولكن بطريقة مختلفة؛ فجميعهم سقطوا على مؤخراتهم، يرتعشون بشحوب، ونظراتهم مرعوبة تجاه الشخص الذي لم يهرب من خلف البوابة بعد التحذير.
لم يتبقَ منه سوى نصفه السفلي فقط، أما باقي جسده، فقد تحول إلى عجينة من اللحم المحروق والمفحم.
ما حدث لزميلهم، وكاد أن يحدث لهم لولا فرارهم في الوقت المناسب، بدّد أي فكرة للمقاومة. ديفيد؟ اللعنة عليه! كل ما أرادوه هو النجاة، ولا يهم كيف.
أثناء دخول فيكتور بهدوء ورؤيته للجثة المشوهة، أو ما تبقى منها، أمر النساء بعدم الدخول ومنع الأطفال من النظر إلى الداخل.
رغم أن الأمر بدا غريبًا، إلا أن الناجين، عند دخولهم خلفه، أدركوا السبب. ومع ذلك، لم يشعروا بنفور شديد، ففي عصر كهذا، كانت هناك مشاهد أكثر فظاعة بالفعل، ولم يتأثر سوى القليل منهم، حيث لم يستطيعوا التحمل فتقيّأوا.
"هل ترون هذا؟! بسبب جشعكم، غبائكم، وعدم قدرتكم على التمييز بين الصواب والخطأ، خسرتم شخصًا دون داعٍ! أعلم أن القوانين الاجتماعية لم تعد موجودة، لكن ماذا عن أخلاقياتكم؟ كيف يمكنكم أن تسموا أنفسكم بشرًا، وأنتم تقفون إلى جانب شخص تجرأ على محاولة قتل طفلة في نوبة غضب، فقط من أجل مصالحكم؟!" قال فيكتور بغضب لأتباع ديفيد، وكانت كلماته كفيلة بالتأثير عليهم وعلى الناجين الآخرين.
لم تعد هناك قوانين بعد سقوط المجتمع، لكنهم، كونهم بشرًا، ما زالت الأخلاقيات موجودة. وما فعله ديفيد كان شيئًا لا يُغتفر، ويجب أن يُعاقب عليه.
نظر أتباع ديفيد إلى الأسفل بخجل وتأنيب ضمير، بينما نظر إليهم الناجون الآخرون بغضب. عندها، أكمل فيكتور كلامه: "لن أعاقبكم، فأنتم لم تفعلوا شيئًا يتجاوز الأخلاق يستوجب العقاب، وسأبرر تصرفاتكم بكونكم مجبرين على اتباع أوامر قائدكم، وقد ندمتم بالفعل. لكن"... أشار فيكتور إلى ديفيد، الذي كان يحاول استغلال انشغال الجميع للتسلل، ثم أكمل: "أثبتوا توبتكم وندمكم على اتباعه بالإمساك به، وعندها سنغفر لكم كل ما بدر منكم تجاه باقي الناجين".
بهذه الكلمات فقط، تحول نظر أتباع ديفيد المخلصين إليه، كما لو كانوا ذئابًا تحدّق في فريسة.
نهض الأول، وتلاه آخر، وعندها لم يعد هناك أي تردد. ركضوا جميعًا وأمسكوا بزعيمهم السابق، ثم انهالوا عليه بالضرب حتى لم يعد قادرًا على المقاومة، قبل أن يجرّوه ويلقوا به أمام فيكتور تحت أنظار الناجين المذهولين.
الآن فقط أدرك الناجون ما حدث—لقد تلاعب فيكتور بهم جميعًا، وسيطر بالفعل على الملجأ. وأفضل دليل على ذلك أن نخبتهم وأتباع ديفيد السابقين أصبحوا كلابًا مطيعة له، حتى أنهم لم يتجرأوا على النظر في عينيه مباشرة.
كما لاحظ الناجون حقيقة ما يحدث، لاحظ فيكتور أيضًا تغير موقفهم تجاهه، مما جعله يبتسم. لقد حان الوقت لوضع لمساته الأخيرة على تحفته الفنية، لذا قال: "ديفيد، لقد تجرأت على استغلال سلطتك كقائد للملجأ، وبدلًا من جلب الأمل للناجين اليائسين، قمت باستغلالهم. والأسوأ من ذلك، أنك ارتكبت جريمة أخلاقية لا يمكن لأي بشري فعلها، حتى في هذا العصر الفوضوي. خطاياك لا يمكن غفرانها، وكالشخص الذي طلب الناجون مساعدته لقمع استبدادك، لن أسمح لك بنشر فسادك أكثر. وحتى يتم انتخاب قائد جديد لمحاكمتك، سيتم سجنك".
بهذه الكلمات، كان فيكتور قد أنهى مسرحيته، وحان وقت التصفيق من الجمهور. وبالفعل، حصل على هتافات الناجين المتحمسين للتغيير.
متلاعب؟ أيا يكن، فهذا يعني أنه ذكي كفاية لقيادتهم. أما إن كان صالحًا أم طالحًا، فلا يهم—يكفي أنه وقف في صفهم، وهذا كل ما أرادوه.
طالما أنه يساعدهم ويبعدهم عن الموت واليأس، فحتى لو كان شيطانًا، سيتبعونه إلى أعماق الجحيم الدافئة، بعيدًا عن هذا الجحيم المتجمد الذي عاشوه.
حافظ فيكتور على ابتسامته تحت هتافات الناجين، وقد اكتملت خطته أخيرًا، تلك التي أسماها "احتلالهم برغبتهم".
عندها، بدأت ابتسامته البريئة تنمو أكثر فأكثر، حتى تحولت إلى ابتسامة متوحشة، وأنيابه الحادة لمعت ببرود أمام ديفيد المرعوب.
لحسن حظ الجميع من حوله، لم يكن أحد غير ديفيد قادرًا على رؤية هذا الوجه الشيطاني... أو ربما، لو رأوه، لتغيرت أفكارهم البريئة مجددا.
نظر فيكتور بابتسامته المتوحشة إلى ديفيد بعينين متوهجتين، ثم استغل الهتافات الصاخبة وقال بهدوء كي لا يسمعه سوى ديفيد: "لا تقلق كثيرًا، فعندما أقود مجموعة الغنم تلك، سأتأكد من الحفاظ عليك لأطول فترة ممكنة. فبعد كل شيء، أنت البشري الوحيد الذي أستطيع إجراء تجاربي عليه".
أخيرًا، انتهى كل شيء بمطالبة الناجين لفيكتور بقيادتهم. وبعد تردد وإحراج، قبل فيكتور، ووعدهم ببذل كل ما يستطيع لقيادتهم نحو الأمل.
والآن، كان يجلس في مكتب ديفيد، حيث وضع أمامه كل المستندات التي تحتوي على كل ما يتعلق بالملجأ.
كسايبورغ متفوق، لم يحتج فيكتور سوى لبضع دقائق لدراسة كل شيء، من أقدم المستندات منذ إنشاء الملجأ وحتى المذكرات الشخصية لديفيد.
لم يستغرق حتى ثانية واحدة لقراءة ورقة، وما أبطأه كان تقليب الأوراق، فقد كان قادرًا على قراءة 124 مستندًا في لحظة واحدة ومعالجة جميع البيانات بداخلهم.
لذا، بعد أن انتهى من كل شيء، لم يسعه سوى التنهد من مدى غبائه لظنه أن ديفيد كان مؤهلًا كقائد.
كان ديفيد بالفعل مؤهلًا للقيادة والإدارة، ولكن ذلك في العصر قبل الكارثة، وليس في زمن كهذا. فخبرته المعدومة في أساليب البقاء أثرت على قراراته، والآن أدرك فيكتور أن البيانات التي يحصل عليها من البشر ليست بالضرورة صحيحة بالكامل، فهم من النوع الذي يحب المبالغة في أوصافهم.
كان الملجأ يواجه العديد من المشاكل بالفعل. أولًا، لم تكن المدرسة خيارًا جيدًا حقًا. ثانيًا، لم يكن هناك سوى ثلاثة أقسام: المسكن، الورشة، والمعسكر، حيث يتدرب الصيادون والحراس.
لقول الحقيقة، كانت الأقسام الحالية مناسبة فقط في الوقت الراهن، لذا أعاد فيكتور تنظيم خطته لبدء مشروعه الكبير. أولًا، إعادة تصميم المدرسة. ثانيًا، العثور على منطقة أفضل لاستخدامها كقاعدة اساسية. ثالثًا، إبادة جميع الزومبي في البلدة وتحويلها إلى مستعمرة للناجين، كما كان يخطط منذ البداية.
أخذ فيكتور لوحة ضخمة تحتوي على رسم بياني كامل للمدرسة، وبعد وضعها على الطاولة، قام بمسح جميع الإضافات السابقة وبدأ برسم تصميماته الجديدة. وأثناء ذلك، فتح باب المكتب ببطء، وتسلل رأس صغير بعيون خضراء لامعة كشظايا الجواهر، وشعر أشقر ذهبي طويل، يراقب فيكتور بفضول من خلف الباب.
"طفلة إدوارد؟ ما الذي تفعله طفلة صغيرة هنا. هل تحتاجين شيئًا ما؟"، قال فيكتور للفتاة الصغيرة دون أن يرفع عينيه عن الأشكال الهندسية التي يرسمها، بينما استمرت يداه بالتحرك بانسيابية على الورقة، وكأنهما ترقصان بخفة.
مع كل خط جديد، تزداد تصميماته وضوحًا ودقة، كما لو كانت تخرج من طابعة آلية، وليس من يد إنسان حي. لم يحتج حتى إلى أي أدوات هندسية، فقط قلم رصاص بسيط كان كافيًا له.
عندما رأت لوسييل أن فيكتور لم يطردها، على الأقل ليس بشكل مباشر، اكتسبت بعض الشجاعة ودخلت إلى المكتب، قبل أن تغلق الباب خلفها بحذر.
تقدمت بضع خطوات نحوه بتوتر واضح، ثم انحنت بخجل وقالت بصوت منخفض: "أبي قال لي إنك أنقذت حياتي من الزومبي، لذا أردت أن أشكرك… شكرًا لك على إنقاذي… وأرغب في أن أكون زوجتك".
سايبورغ متفوق، ذروة التطور البشري والتكنولوجي، كارثة حية لا يمكن إيقافها. وبالفعل، أباد قطيعًا من الزومبي بالمئات بفضل قوته، وبحكمته جعل مجموعة من الناجين يسلمونه ملجأهم طواعية ويخضعون له بإرادتهم.
لكن رغم كل تلك الإنجازات، خسر أمام كلمات طفلة بريئة.
تجمد فيكتور في مكانه، أما القلم المسكين في يده، فقد تحطم إلى شظايا خشبية بين أصابعه دون أن يشعر.
"هل تعلمين حتى ما تقولينه، أيتها الشقية؟! اغربي عن وجهي قبل أن أصفعك على مؤخرتك!"، حاول فيكتور إظهار ابتسامة هادئة لقمع غضبه المتفجر من وقاحة الفتاة أمامه.
كيف لسايبورغ عظيم مثله أن ينحط للزواج من طفلة صغيرة؟ هو يفضل امرأة ذات منحنيات جذابة و— أحم أحم... تنحنح فيكتور بخجل، ويبدو أن أفكاره المراهقة قد فقدت السيطرة قليلًا.
"ماذا؟! لكن أبي قال إنك ستعجب بي بالتأكيد!"، قالت لوسييل بصدمة، واتسعت عيناها الخضراوان. لقد توقعت، لسبب ما، أن فيكتور سيوافق دون تردد.
نظر فيكتور إلى لوسييل كما لو كانت حمقاء، ثم تنهد وتوجه للحصول على قلم آخر بينما قال: "الإعجاب لا علاقة له بالحب. والدكِ على حق، فأنتِ جميلة حقًا، خصوصًا إذا قارنتكِ بباقي الأطفال المشابهين لمجموعة من العفاريت، لكن إعجابي بجمالكِ لا يعني أنني سأقع في حبكِ وأتزوج منكِ".
مهما نظرت لوسييل إلى فيكتور، لم تستطع الحصول على أي مشاعر من وجهه الهادئ طوال حديثه، مما جعلها تنفخ خديها كسنجاب بغضب. ثم ركضت باتجاهه وأمسكت بساقه بقوة لمنعه من التوجه إلى الطاولة، ثم قالت: "إذا كنت معجبًا بي، فلماذا لا ترغب بالزواج مني؟".
صفع فيكتور رأس لوسييل بذيله بدرجة كافية لتتركه دون إيذائها، فتمسكت برأسها بألم ونظرت إليه، بينما قال: "ربما لأنكِ طفلة صغيرة مثلًا؟ أنا في منتصف العشرينات، بينما أنتِ في الثانية عشرة، لذا فمصيري سيكون السجن حينها إذا كانت القوانين المجتمعية موجودة".
بدأ فيكتور بإكمال رسوماته تحت نظرات لوسييل الحزينة، ثم قالت بينما تمسك رأسها تحسبًا لصفعة أخرى: "ألا توجد فرصة إذا كبرت؟".
"حتى لو كبرتِ، فهذا غير ممكن. بالأساس، رغم امتلاكي لجميع الأعضاء الحيوية، بما في ذلك الجهاز التناسلي، إلا أن بنيتي الحيوية الفائقة والمتوارثة ستجعل أي أنثى بشرية تحاول الحمل بنسلي تموت مباشرة من— مهلاً! لماذا أشرح شيئًا كهذا لطفلة؟!"، أمسك فيكتور بذقنه، متأملًا برمجته الفكرية التي جعلته يقول معلومات أكثر من اللازم لطفلة صغيرة.
نظرت لوسييل بذهول إلى فيكتور الغارق في تفكيره، ثم ابتسمت بفرح. فرغم عدم فهمها لنصف ما قاله، فإن النصف الذي فهمته يعني أن فيكتور لا يستطيع الإنجاب.
لذا، قالت له وعيناها تلمعان بتوقع: "لا بأس، لسنا بحاجة لإنجاب طفل للزواج، سأحبك حتى لو كنت مخصيًا".
كما لو أنه تلقى ضربة حرجة، تجمّد فيكتور في مكانه وكاد يبصق دمًا بسبب كلمات لوسييل بينما القلم الجديد تحول لشظايا أيضًا، ثم صرخ فيكتور بغضب، ومن الواضح أن الإهانة أصابت عقله المراهق: "اللعنة عليكِ أيتها الشقية! من هو هذا المخصي؟! هل تفهمين الكلام بمؤخرتك؟!".
ارتجفت لوسييل وتراجعت بضع خطوات إلى الخلف بسبب انفجار غضب فيكتور، ثم سألت بخوف: "لكن... ألم تقل إنك لا تستطيع الإنجاب؟".
"لم أقل ذلك!"، صرخ فيكتور بغضب، لكنه فجأة توقف، وأخذ نفسًا عميقًا لتهدئة نفسه، ثم ضغط على أنفه ووجهه مجعد بعبوس.
لقد أدرك أنه لا فائدة من الغضب على جهل طفلة، لكنه قد خطط لتسريع بناء قسم لتعليم الأطفال في الملجأ. ثم قال: "انسِ كل ما قلته أرجوكِ، أيتها الشقية، حسنًا؟".
ابتسمت لوسييل بسعادة على كلمات فيكتور، وأومأت له بفرح بينما قالت ببراءة: "بالطبع! إذًا، هل ستتزوجني؟".
’لقد عدنا إلى البداية، اللعنة! هل فات الأوان للعودة إلى الغابة؟’، فكر فيكتور بيأس، وقد استسلم من محاولة التحاور مع هذه الطفلة ذات الرأس الحجري.