شعب يحب الانقسام

نظر فيكتور إلى إدوارد الجالس على الأرض. أفضل طريقة للسيطرة على البشر هي إعطاؤهم الأمل واليأس، وهذا ما فعله عن طريق عرض قوته الوحشية مباشرة أمام الملجأ، وبنفس الوقت إنقاذ الطفلة الصغيرة.

وليقول الحقيقة، فلولا ما فعلة ديفيد، لكان تسبب بنفسه في حادث مشابه لينقذ الموقف، لذا فهو مدين بعض الشيء لحماقة ديفيد.

منذ البداية، كان هدفه السيطرة عليهم، كان هدفه قيادتهم، وقد حقق أهم جزأين في هذه المهمة: الظهور كشخص مؤهل للقيادة وإضعاف مكانة قائدهم الحالي. ولسخرية القدر، فإن قائدهم نفسه هو من أعطاه الفرصة لتحقيق هذين الجزأين.

رغم ملاحظة فيكتور لانسحاب الرجل الذي يُفترض أنه ديفيد، لم يهتم بذلك حقًا. كان متأكدًا أن أي شيء سيفعله ديفيد لن يؤدي إلا إلى تقليل مكانته كقائدهم الحالي أكثر.

لذا، وبدون اكتراث بانسحاب الخاسر، توجه نحو البوابة وطرق عليها بقبضته، ثم قال بأدب، رغم أن كلماته لم تكن مؤدبة حقًا: "هل ستقومون بفتح البوابة، أم تريدون أن أفتحها أنا ببندقيتي؟".

شحب الرجال الثلاثة عند سماع كلمات فيكتور، فمن المحادثات أثناء رحلتهم، كانوا يعلمون أن طلقة واحدة من البندقية ستمزق البوابة وكل ما يقف وراءها مباشرة. لذا، صرخوا بسرعة للحراس، الذين بدأوا بدفع البوابة لفتحها.

بمجرد دخول المجموعة، ركضت زوجة إدوارد إلى ابنتها، بينما نظر الناجون إلى فيكتور باحترام ورهبة، وحتى إلى الثعلب الفخور، مما جعله يرفع رأسه بتعالٍ ونرجسية واضحين.

وقف فيكتور وتنحنح قليلًا بينما وضع يده على فمه لجذب انتباه الجميع، ثم أظهر ابتسامة أنيقة بعد مسح الدماء عن وجهه الوسيم.

بالفعل، كان قادرًا على جعل جميع النساء يشهقن من وسامته غير الطبيعية، بينما قال: "من اليوم، سأكون عضوًا في هذا الملجأ. أنا لا أبحث عن المتاعب، وأتمنى فقط أن أعمل معكم لننجو جميعًا معًا".

نظر الجميع إليه بذهول، ثم حولوا أنظارهم إلى الثلاثي المرافق له، ولذا، أومأ لهم إدوارد، مما جعلهم ينظرون إلى فيكتور بغرابة.

بالواقع، حتى لو قال إنه يريد السيطرة على الملجأ، فمن الأحمق الذي سيعترض؟ ولكن رغم ذلك، كل ما يطلبه هو أن يكون مجرد واحد منهم؟

ارتعش جسد فيكتور فجأة، واستدار بسرعة للخلف ليجد طفلة صغيرة قد تركت باقي الأطفال، الذين ذهبوا ليتحسسوا فرو الثعلب الحريري، وأمسكت بذيل فيكتور.

رغم أن ذيله كان مغطى بحراشف مماثلة لتلك التي تغطي ذراعيه، وكان قادرًا على تغيير زاويتها ليصبح لذيله حافتان حادتان تتيحان له استخدامه كسلاح قاتل، إلا أنه كان يحتوي أيضًا على العديد من الخلايا العصبية، مما جعله شديد الحساسية للمسات الخفيفة والضغط المفاجئين.

"أعطيني هذا أيتها الشقية"، قال فيكتور بينما سحب ذيله من يد الطفلة بسرعة. لسبب ما، لم يعجبه أن شخصًا غريبًا استولى على منطقة حساسة من جسده دون أن يدرك ذلك. وبالفعل، ركضت الفتاة بسرعة إلى باقي الأطفال بعد أن تم الإمساك بها.

ضحك بعض الناجين من الجانب الذي وجدوه لطيف بفيكتور، ويبدو أنه أصبح مقبولًا أكثر بينهم.

انتهى حفل اللقاء الغريب، رغم أنه بدأ حفل جديد، حيث اجتمع جميع الناجين عند ملعب كرة السلة، والذي تحول إلى قاعدتهم العسكرية التي يسيطر عليها ديفيد وأتباعه.

بالنسبة إلى فيكتور، فهو لم يهتم حقًا بالانقلاب الذي يحدث، وقد ذهب إلى أحد كبار السن عندما اكتشف أنه كان عالمًا سابقًا.

أمام فيكتور، كان هناك رجل عجوز يبلغ من العمر مئة وتسعة عشر عامًا. بفضل التطور العلمي في مجال الأحياء قبل الكارثة، وصل متوسط عمر البشر إلى مئة وأربعين عامًا، لذا لكي يُعتبر الشخص كبيرًا في السن، يجب أن يُكمل التسعين أولًا، وقبل ذلك، يُعد مجرد رجل بالغ.

امتلك الرجل شعرًا أشقر رغم سنه، مشابهًا لزوجة إدوارد، كما أن ملامحه كانت مشابهة لها، مما جعل فيكتور يشك في علاقتهما. وبالفعل، شكره الرجل العجوز على إنقاذ حفيدته.

لم يكونا متأكدين كيف، لكن فيكتور والرجل العجوز ذو العيون الخضراء العميقة، المدعو مانويل، أصبحا أقرب إلى الأصدقاء أثناء محادثتهما. وبالفعل، علم مانويل أن فيكتور سايبورغ، ورغم ذهوله الأولي، لم تكن لديه أي نية لمحاولة السيطرة عليه، مما جعل علاقتهما تصبح أعمق.

بالنسبة لمانويل، فقد كان منبهرًا ومعجبًا بكون فيكتور مصممًا منذ البداية لاستعمار كواكب بظروف أقسى من الأرض الحالية وبناء الحضارة عليها من الصفر، مما جعله مفتاحًا لاسترجاع حضارتهم الساقطة.

أما فيكتور، من ناحية أخرى، فوجد في هالة مانويل كعالم إحساسًا غريبًا بالألفة، ربما لأنه وُلد في مختبر، ورغم حذف ذكرياته، يُفترض أن جميع من قابلهم في المختبر كانوا علماء، بما فيهم والده المزعوم ووكر.

للأسف، عندما سأل فيكتور، كان رد مانويل هو الرفض. لم يعمل في منشأة أستيريا، رغم أنه كان يعلم بوجودها. ومما قاله، فلم يكن عبقريًا كفاية ليعمل في إحدى أهم المنشآت السرية للبحوث في العالم.

تنهد فيكتور بانزعاج. ليقول الحقيقة، فهذا منطقي. كانت منشأة أستيريا من المنشآت المصممة لأبحاث استعمار النجوم، وحتى أن المشروع الخاص بمحركات الاعوجاج النجمية الأمريكي والكندي كان بها، لذا فقد كانت أهم مكان في أمريكا الشمالية بالكامل. وبسبب الفوضى السياسية، يستحيل أن يجد فيكتور أحد علمائها في مكان عشوائي هكذا.

من البداية، توقّع فيكتور أنه لن يجد علماء منشأة أستيريا بسهولة. بعد فحص المنشأة عند استيقاظه، خمّن أنه تم نقلهم إلى ملجأ خاص تابع للحكومة في بداية الكارثة، ولهذا كانت المنشأة في حالة فوضى حيث هرب الجميع بسرعة.

أما انفجار مفاعل الاندماج النووي في قلبها، فمن الواضح أنه كان متعمدًا لمنع أي أحد من الوصول إلى أسرار المنشأة. وبالواقع، فقد كان محظوظًا لكون مختبره بعيدًا عن مركز الانفجار.

بعد بعض النقاشات الخفيفة، امتلك فيكتور معرفة كاملة عن نظام الملجأ. كان مانويل والثلاثة كبار السن الآخرين هم حجر الأساس في الملجأ، فمع تطور التكنولوجيا، كانت معظم الوظائف الصعبة أو الخطيرة تُنفَّذ بواسطة الروبوتات أو الأندرويدات أو أنظمة الديترويت.

لذلك، كانت مهارات مثل النجارة، الحدادة، السباكة، وغيرها غير معروفة إلا لكبار السن هؤلاء.

كانت هذه المعرفة ذات أهمية بالغة لدرجة أن حتى ديفيد قد وفر لكبار السن غير القادرين على العمل الطعام والمأوى، بشرط أن يقوموا بتعليم باقي الناجين.

بالنسبة للأطفال، فكان وضعهم مختلفًا؛ لم يسمح ديفيد بإعطاء معونة لهم طالما لم يعملوا. بالطبع، بعد سن معين، كان يُسمح لهم بالعمل، أما بعد ذلك، فلم يرَ فيهم سوى عبئًا على الملجأ والناجين، لذا كانت أعدادهم قليلة بالفعل.

الآن، عندما فكّر فيكتور في الأمر، وجد أن الأطفال حول الثعلب، وحتى الطفلة التي تطفّلت على خصوصياته، كانوا جميعًا يعانون من نقص التغذية.

"دق... دق... دق"

دخل إدوارد بعد الطرق وقام بتحية مانويل قبل أن ينظر إلى فيكتور، ثم انحنى قليلًا وقال باحترام: "سيد فيكتور، يجب أن تأتي معي بسرعة قبل أن يتأزم الوضع. الناجون على وشك القتال مع قوات حراس ديفيد، وهناك احتمال كبير أن يلقى أحدهم مصرعه في القتال".

تنهد فيكتور بانزعاج، وبينما نهض، أخرج زجاجة مخبرية صغيرة من جيبه، تحتوي على سائل بلون أسود مع لمسة خضراء، وأعطاها لمانويل، ثم قال: "بعد العديد من التجارب، استطعت صنع هذا الإكسير من عينة من دمي وبعض النباتات الخاصة. يمكنه أن يحافظ على عمل روبوتات النانو خاصتي داخل أجسادكم البشرية إلى الأبد، كما أنه سيقلل من معارضة جهازك المناعي ضد الفيروس، مما سيسمح لجسدك بالتطور والتكيف مع روبوتات النانو لتحصل على فوائدها دون آثارها الجانبية".

ذهل كل من مانويل وإدوارد من شرح فيكتور، خصوصًا إدوارد الذي قام بتجربة دماء فيكتور من قبل، بسبب إصابته السابقة التي جعلت مصيره الموت المحتّم.

لكن بفضل روبوتات النانو في دماء فيكتور، شُفيت إصابته في يومين فقط دون أن تترك حتى ندبة. الآن، هذا الإكسير سيسمح لمن يأخذه بالحصول على روبوتات النانو إلى الأبد، دون أن تتلف داخل جسده مع الوقت، كما سيمكنه من التكيف مع الآثار الجانبية التي جعلت إدوارد يشعر بالجوع والإرهاق طوال العملية.

"سبب إعطائي الإكسير لك هو أن أحد أنواع النباتات التي استخدمتها نادر في الغابة، لذا لا أمتلك سوى هذا الإكسير حاليًا. كما أنه إذا لم يُستهلك خلال ساعتين تقريبًا، فسيتلف. وبما أنك تعرف عن الناجين أكثر مني، يمكنك اختيار من سيأخذه. بالطبع، لن أهتم إذا أصبحت جشعًا وأخذته لنفسك، أو أعطيته لحفيدتك، فأنا متأكد أنني سأستطيع إنتاج المزيد منه في المستقبل القريب"، قال فيكتور لينهي كلامه قبل أن يتوجه إلى الباب ليتفقد مشكلة الناجين.

تبع فيكتور إدوارد عبر ساحة المدرسة، حتى وصلا إلى مبنى ضخم محصّن، كان يُفترض أنه ملعب كرة السلة سابقًا. أمامه، تجمع جميع الناجين الغاضبين ومعهم أسلحة معدنية يدوية الصنع، باستثناء مانويل وكبار السن الآخرين.

بعد عدّ الموجودين اكتشف فيكتور أن أتباع ديفيد كانوا 14 رجلًا، ومع ديفيد نفسه، فقد أصبح تحت سيطرته 15 رجلًا من بين 33.

وبما أنه منح أتباعه أفضل الطعام وأكثر الأماكن دفئًا، كان من الواضح أنهم النخبة بين الرجال، ولهذا لم يتجرأ أحد على معارضته من قبل.

"بفت!".

"سيد فيكتور؟".

نظر إدوارد إلى فيكتور بغرابة، إذ هربت منه ضحكة لم يعلم سببها. ثم، مع تصفيق، قال فيكتور بمرح: "كم أنتم رائعون، أيها البشر! في خضم أزمة كهذه، تتقاتلون فيما بينكم، بينما بالكاد تستطيعون النجاة بالتعاون. أنتم البشر حقًا شعب يحب الانقسام".

أفسح الناجون المجال لفيكتور باحترام وخجل من كلماته، حتى وصل إلى بوابة الملعب المغلقة، ثم طرق عليها وقال بهدوء: "ديفيد، أنت تعلم أن الاختباء ليس حلًا، كما أنني أستطيع الدخول إذا أردت ذلك".

"لقد قالها بنفسه للتو، أيها الحمقى! إذا تقاتلنا فيما بيننا، فلن ننجو. لذا، توقفوا عن حماقتكم تلك، ولا تجعلوا هذا الشيطان يضلكم أكثر! هذا هو هدفه، يريد السيطرة عليكم واحتلال هذا المكان لتصبحوا عبيده. وكوني قائدكم، فأنا هدفه!" صرخ ديفيد من الداخل على الناجين، وكان من الواضح أنه يحاول استغلال كلمات فيكتور ضده.

"من هو الشيطان هنا، أيها الداعر؟ لقد حاولتَ قتل ابنتي، طفلة في الثانية عشرة من عمرها! أما فيكتور، فهو منقذها. هل تعتقد أن أيًّا منا سيراك قائدًا مجددًا بعد ما فعلته؟ من سيثق بشخص يمكنه قتل أطفاله بحق الجحيم؟!".

هذه المرة، صرخ إدوارد بغضب مشتعل على كلمات ديفيد، وبالفعل، كانت كلماته كافية لقلب الرأي العام بالكامل، مما جعل الناجين يصرخون مطالبين ديفيد بفتح البوابة أو سيكسرونها.

ابتسم فيكتور على كلمات إدوارد، وكان من الواضح أن السبب الرئيسي لإحضاره لم يكن حل النزاع، بل الانتقام.

لكن لا بأس بذلك، في الواقع، هذه فرصة فيكتور لاحتلال الملجأ برغبة الناجين أنفسهم.

كان السيناريو في عقله كالتالي: الإمساك بديفيد وإخضاع أتباعه، ثم إنزال "العقاب السماوي" عليه.

وعندما يصبح منصب القائد شاغرًا، سيختاره الناجون بشكل طبيعي ليكون قائدهم، باعتباره مخلّصهم من القائد السابق الفاسد.

2025/02/11 · 4 مشاهدة · 1570 كلمة
Ouroboros
نادي الروايات - 2025