دجاجة

"أحسنتم عملاً أيها الفريق ألفا"، قال فيكتور للرجال الستة وهو يجلس على مكتب خشبي بأحد المباني التي بناها ديف وفريقه في معسكر غابة المتاهة، كما سُمّي.

تنهد الرجال الستة بارتياح عند رؤية فيكتور راضي بعملهم، فبمجرد دخوله كان ينظر لكل ما حوله بتمعن.

وحتى عندما دخلوا المبنى، طرق بشكل متكرر على الجدران والأبواب كما لو كان يقوم بفحص شامل، مما زاد من قلقهم مع كل ثانية. لذا فقد أصبحوا مرتاحين حقًا الآن.

نهض فيكتور من مكانه ثم أخذ جولة أخيرة بالمكان، وخلفه الرجال الستة، حتى عادوا إلى الساحة حيث اكتملت الاستعدادات بالفعل.

لذا فقد حان الوقت للذهاب نحو الغرب حيث تكون الوحوش أكثر خطورة مع كل خطوة للأمام، لكن خلف كل تلك المخاطر توجد كنوز من الأدوات والأسلحة الحديثة.

حول المعسكر كان هناك سور دائري مغطى بالنباتات، وتدعمه جدران الأشجار التي أحاطت بالمنطقة التي كانت ساحة فارغة قبل بناء المعسكر.

وبهذا السور الدائري أربع بوابات في الاتجاهات الأربع، لذا خرج التسعة عشر صيادًا بقيادة فيكتور من البوابة الغربية لتبدأ الرحلة.

هذه المرة تم تقسيم كل فريق إلى ثلاثة أعضاء ليصبح هناك ستة فرق يتحركون بتناغم لمراقبة أكبر مساحة مع التأكد أنهم غير ملحوظين قدر الإمكان.

كما أن خوان ميكيل ماساروتشي، بصفته ثعلبًا خبيرًا بالغابة، فقد تقدم هو وفيكتور أمام الفريق لرصد أي خطر أمامهم بما أن الاثنين يمتلكان أفضل الحواس.

لم يحتاجوا للتقدم كثيرًا قبل مواجهة الوحوش، فالغابة كانت مليئة بمختلف الأنواع بسبب بيئتها الفريدة التي لم تجعل فقط العديد من الوحوش تعتبرها موطنها وبيتها، بل جذبت أيضًا العديد من الوحوش الخارجية ذات الفراء الأبيض لتسكنها وترتاح بها، مما جعل المواجهة بينهم مؤكدة.

رغم قيادتهم للالتفاف حول الوحوش أكثر من مرة في محاولة من فيكتور للحفاظ على قدرة الفريق على التحمل قدر الإمكان للمواجهات الخطيرة، إلا أنه كانت هناك حالات لم يعد تفادي الاصطدام بها ممكنًا.

ومع ذلك، كان عامل المفاجأة كافيًا لقتل تلك الوحوش من قبل الفريق الضخم دون أي عناء.

بالطبع لم تكن قوة الفريق تتمحور حول فيكتور والثعلب فقط، بل كان للصيادين الآخرين دور أيضًا، خصوصًا بعد الرحلات المكثفة للصيد بالغابة، مما زاد من خبرتهم مع كل صيد ناجح أو فاشل، خصوصًا الفاشل منها. فبعد كل شيء، الطريق إلى النجاح مليء بمختلف الإخفاقات.

بالطبع، لم يتركوا الفرائس التي اصطادوها هكذا لباقي الوحوش. فقد تم وضعوها على عربة كان يجرها ثلاثة رجال في مؤخرة المجموعة.

فكل فريسة إضافية يصطادونها تعني طعامًا أكثر في الحفلة التي ستقام بمناسبة رجوعهم، وأيضًا أيامًا أكثر للراحة بعد الحفلة.

رفع فيكتور يده للجميع بالتوقف، وأمامه، على بعد حوالي خمسين مترًا، كان هناك مخلوق ينظر باتجاههم ويقترب بهدوء بين الشجيرات ويبدو أن حتى الثعلب لم يشعر بوجوده قط.

من الواضح أن المخلوق خبير بالتسلل، كما أن جسده الصغير رشيق مما جعل حركاته بالكاد ملحوظة أمام فيكتور.

بمجرد أن استعد فيكتور للتقدم والتخلص من الوحش، ضاقت عيناه، وبمجال إدراكه ظهر المزيد والمزيد من الوحوش، لدرجة أنه رغم قدرتهم العالية على التسلل، أضعف عددهم من هذه القدرة، مما جعل الثعلب يلاحظهم.

"غررررر". أظهر الثعلب عدائية شديدة بمجرد ملاحظته للخطر المقترب، لكن رغم ذلك تراجع بخوف واضح في عينيه.

بل لم يختبئ خلف فيكتور كما فعل عند مواجهة الوحوش الأقوى أثناء صيدهما معًا، كما لو أن العدو هذه المرة خطير لدرجة أن حتى وجود فيكتور لم يعطه الثقة بالنجاة.

لاحظ الصيادون تصرفات الثعلب وبدأ القلق يتسلل إلى قلوبهم مجددًا. لذا مع عبوس، نهض فيكتور من وضعية الانحناء وأشار لهم بالاستعداد للمعركة، بينما قال للثعلب: "إذا تجرأت على الهرب، فسيكون لحمك أول ما يتم شواؤه وتوزيعه بالحفل بعد الرجوع من الرحلة".

بسبب التهديد لم يتجرأ الثعلب على التراجع أكثر، لذا توقف خلف فيكتور وهو يستعد كما فعل الصيادون أيضًا.

وبالمقابل، كان تركيز فيكتور الكامل على الوحوش التي تقترب، وحتى الآن كانت أعدادها تزيد بلا توقف وقد تخطوا المئات بالفعل.

اقتربت الوحوش مع كل ثانية، ورغم ذلك لم تكن هناك نهاية لهم في مجال إدراك فيكتور. عشرون مترًا، عشرة أمتار، خمسة أمتار، متر...

أخيرًا خرج الوحش الذي تقدم القطيع الضخم من بين الشجيرات والنباتات الكثيفة أمام فيكتور ليكشف نفسه له.

لم يكن سوى دجاجة، دجاجة بريش أسود يغطي جسدها الذي لم يتخطَّ الثلاثين سنتيمترًا بالارتفاع، لكن هذا كل ما ربطها بالدجاج قبل الكارثة.

امتلكت أربع أقدام بدون جناحين وتنتهي بمخالب حادة تلمع تحت ببرود عيني فيكتور.

امتلكت أيضًا منقارًا أسود بلمعان معدني كما لو كان سلاحًا آخر يمكنها استخدامه للنقر على الضحية حتى الموت.

ورغم أن هذه الفكرة جعلت الدجاجة الغريبة لا تبدو مخيفة لدرجة أن بعض الرجال خرجت منهم ضحكات مرحة، إلا أن عيني الدجاجة الحمراء القرمزية التي أشعت بنية قتل لم تحاول إخفائها، قالت إنها لم تعد بمخلوق طريف مطلقًا.

"كاااك".

صاحت الدجاجة دون إعطاء فيكتور أي وقت إضافي لفحصها أكثر، وقد استخدمت ساقيها الخلفيتين للقفز عليه، بينما وجهت ساقيها الأماميتين نحوه بنية تمزيقه بمخالبها.

لكن كل ما فعلته هو تقديم نفسها فقط، وبالفعل كان فيكتور قد أمسك برقبتها وهي في الهواء.

لم يعطِ فيكتور الدجاجة أي وقت للمقاومة بيده، فبمجرد إمساكها قام بتطبيق ضغط ساحق على رقبتها حتى سحقها وماتت، مما جعل الصيادين يتنهدون براحة في اعتقاد أن الوضع قد انتهى.

لكن عكسهم، كان فيكتور والثعلب قد أصبحوا جديين بالكامل، وقد صرخ فيكتور: "فليستعد الجميع للقتال".

قبل أن تقفز الدجاجة على فيكتور، صاحت، وكما لو أن صياحها كان إشارة. توقفت باقي الوحوش خلفها عن التقدم ببطء وحذر، وبدؤوا بالركض في أسراب.

وبالفعل، مع صراخ فيكتور على الصيادين بالاستعداد، لاحظوا حركات شديدة في الشجيرات أمامهم تقترب منهم كما لو كانت موجة لا يمكن إيقافها.

بمجرد وصول الموجة لنهاية الحاجز النباتي خرجت العشرات من الدجاج في نفس الوقت ليكشفوا عن أنفسهم أمام الرجال المذهولين.

لكن لم يتوقف الوضع هنا، بل مع كل ثانية خرج مزيد أكثر فأكثر، وانقضوا على كل ما في طريقهم، بدايةً من فيكتور والثعلب في مقدمة الفريق.

بسبب الأعداد الغزيرة التي خرجت من الحاجز، سيطر الخوف على الصيادين، لكن لم يدم الخوف طويلًا.

فقد كان كل من فيكتور والثعلب يقومون بمجزرة بين الدجاج، لدرجة أن إحدى الدجاجات التي انقضت على فيكتور قام بقتلها بصفعة واحدة وهي في الهواء، ليصطدم جسدها بشجرة وتسحق ميتة.

استجمع الرجال شجاعتهم أخيرًا بفضل المشهد البطولي لقائدهم ووحشة المرافق، مما جعلهم يتذكرون ماذا يكون عدوهم: دجاج.

لم يكونوا سوى بضع دجاجات كانت تُربَّى في مزرعة ما قبل الكارثة بالتأكيد. لذا، وجه الصيادون أقواسهم والمسدسين وبدأوا بدعم فيكتور والثعلب، الذي وصل معدل قتل كل منهما لبضع دجاجات في كل ثانية.

مع دعم الصيادين للاثنين، أصبح معدل صيدهم مماثلًا لمعدل خروج الدجاج من الحاجز النباتي، وقد بدد هذا أي مخاوف متبقية منهم.

فقد كانت كل دجاجة تموت بهجوم واحد، ويبدو أنه مع هروبهم من مزرعتهم وبدء تطورهم، تكيفوا مع البيئة الجديدة باكتساب قوة جماعية وليس قوة فردية، مما جعل كل دجاجة ضعيفة وحدها.

فجأة، وبعد قتل حوالي مئة دجاجة، توقف الهجوم وركضت البقية للرجوع إلى الحاجز النباتي، مما جعل الصيادين يتنهدون براحة.

لكن كل من فيكتور والثعلب حافظا على موقفهما الجاد، ثم قال فيكتور بعبوس متزايد: "إنهم يغيرون تكتيكهم الهجومي".

ركض فيكتور والثعلب إلى مجموعة الصيادين وأحاطوا بهم من اتجاهين، مما جعل الرجال يدركون أن الهدف قد تغير إليهم. لذا، بخوف متجدد، استعدوا للجولة الثانية.

’لم يكن هناك أي وعي واضح في عيونها سابقًا، بل فقط غريزة قتل نقية. هل لديهم قائد؟’، فكر فيكتور وهو يتذكر عيون الدجاجة التي أمسك بها بالسابق.

وبالفعل، خرج العشرات من الدجاج كالسابق، لكن من الاتجاهين الذي تمركز كل من فيكتور والثعلب بهما، لتبدأ الجولة الثانية من القتال.

الآن اختلف الوضع، فمع تفرق فيكتور والثعلب اختفى الجدار الذي كان رادع بين الصيادين والدجاج، كما أن خروجهم من مكانين مختلفين زاد من عدد الدجاج الذي يخرج بكل ثانية. وأخيرًا، مع تغير هدفهم الرئيسي من فيكتور والثعلب، أصبح كل بضع دجاجات يُقتَلن يعبر من خلالهم العشرات للهجوم على الصيادين.

ورغم أن الدجاج وصل إلى الصيادين، إلا أنهم لم يصابوا بالذعر سوى للحظات قليلة. فهم لم يحصلوا على لقب صيادين بدون سبب وقد أدركوا مدى ضعف الدجاج عندما حول مهاجمتهم.

لذا بسرعة ألقوا أقواسهم وأخرجوا سيوفًا قصيرة كانت على ظهورهم، مصممة خصيصًا لهذه الحالات.

فقصرها وخفتها، التي تركز على الرشاقة والسرعة، تسمح لهم بالقضاء بسهولة على الوحوش الضعيفة والكثيرة في مثل تلك الحالات، بشكل أفضل من السيوف الاكبر الموضوعة على خصورهم.

كانت المواجهة شرسة بين الطرفين، حيث انقضت الدجاجات على الفريق من كل اتجاه الآن، مما جعلها ساحة حرب.

ورغم أن الوضع كان شبه جيد في البداية، إلا أنه لم يعد معدل قتلهم للدجاجة مساوياً لمعدل خروجها، وبالتالي أصبح الدجاج يزداد أكثر فأكثر حولهم، حتى استطاع بعضهم الانقضاض على الرجال للتمسك بأجسادهم ومهاجمتهم في محاولة لتمزيق دروعهم.

حتى الآن، استطاع الصيادون مساعدة رفاقهم والقضاء على الدجاج الذي ينقض عليهم، لكن من الواضح أن هذا لن يدوم طويلاً.

لذا فقد وضع هذا ضغطاً على فيكتور للتفكير بحل قبل أن يصبح خيارهم الوحيد هو التراجع. لكن فجأة، وقعت عينه على دجاجة تبدو مختلفة عن البقية.

لا يمكن القول عليها دجاجة، فقد كانت أكبر بقليل من باقي الدجاج، كما امتلكت ريش بني كثيف على رقبتها وعرفًا أحمر على رأسها: كان هذا ديكًا بالتأكيد.

كانت تصرفاته مختلفة عن باقي الدجاجات، حيث كان يتجول بساحة المعركة الفوضوية المليئة بالريش والدماء دون الهجوم كالبقية.

وأثناء تجوله، كان يراقب الصيادين، كما صاح بشكل متكرر، لكن الصياح المرتفع للدجاج أثناء هجومهم غطى على صوت الديك.

بالطبع، لم يكن صياح الدجاج كافيًا لمنع فيكتور من التركيز على صياح الديك، وقد لاحظ بسهولة الاختلاف.

امتلك صوت الديك ترددًا مختلفًا عن صوت باقي الدجاجات، وكان من الواضح أن هذا اللعين يقوم بفحص الصيادين بحثًا عن نقاط ضعفهم لتوجيه الدجاج إليها.

لذا، دون تردد، أخرج فيكتور خنجرًا وألقاه مباشرة إلى رأس الديك، ليخترق أجساد بضع دجاجات قبل الوصول إلى هدفه وقتله.

بهذه اللحظة تفاجأ الصيادون بعشرات الدجاجات التي توقفت فجأة عن الهجوم وبدأت بالركض بكل اتجاه أثناء الهروب من ساحة المعركة الفوضوية، مما خفف عبئهم لكن لم يوقف المعركة.

صرخ فيكتور وهو يحمل جثة الديك عديمة الرأس: "استهدفوا أي دجاجة بريش بني يغطي رقبتها، فهذه الديوك الجبانة تقود أسراب الدجاج".

الصيادين الذين كاد اليأس ينمو في قلوبهم مجددًا بسبب الأعداد اللامتناهية استرجعوا شجاعتهم أخيرًا، خصوصًا عند وصف فيكتور للعدو بالجبان، مما جعلهم يبدأون بالبحث عن الديوك التي تتجول بينهم وبدؤوا بصيدها.

وبالفعل، مع كل ديك ميت، يتفرق العشرات من الدجاج ويفرون، لدرجة أن الكفة أصبحت مقلوبة، حيث أصبح الصيادون يقومون فقط بالركض خلف الديوك التي تهرب بينما يركض الدجاج بكل مكان حولهم. وقد ذكرهم ذلك لسبب ما بتربية الدواجن قبل الكارثة.

بالنهاية انتهى القتال بهروب باقي الديوك ومعهم دجاجاتهم ليحصل الفريق على الراحة أخيرًا، خصوصًا عند رؤية أن جدية فيكتور اختفت.

كما قام الثعلب بحماس بالتهام الجثث، وأصبحت الأرض مليئة بجثث مئات الدجاجات حولهم.

2025/02/20 · 4 مشاهدة · 1662 كلمة
Ouroboros
نادي الروايات - 2025