كايجو
أكمل الفريق تقدمهم ببطء، فقد تسبب حادث الدجاج بزيادة حذرهم، كما أن العربة الخاصة بهم كانت مملوءة إلى آخرها بجبل من جثث الدجاج، لدرجة أن خمسة منهم احتاجوا لجرها معًا.
ورغم ذلك، ما زالوا مضطرين لترك العديد من الجثث على مضض لتأكلها باقي الوحوش.
وحتى الثعلب كانت بطنه منتفخة من كثرة الجثث التي تناولها هو الآخر، ويبدو أنه تشارك الصيادين جشعهم، لدرجة أنهم كانوا على استعداد للرجوع للمعسكر لوضع الحمولة ثم العوة لساحة المعركة والحصول على الباقي.
رغم القتال الشديد لدرجة أن بعض الصيادين تعرضوا لإصابات، إلا أنهم كانوا جميعًا في قمة السعادة والفرح بسبب جبل جثث الدجاج معهم.
وكل دجاجة تمتلك أربعة سيقان، مما يعني أربعة أفخاذ كافية لجعل لعابهم يسيل في ترقب لحفل الشواء بمجرد رجوعهم.
كان هذا حلمًا لمعظم عاشق الدجاج وقد تحقق، مما حمسهم لدرجة أن بعضهم أرادوا إمساك بعض الدجاج حيًا لتربيته بالمستعمرة.
من ناحية أخرى، كان فيكتور في قمة الغضب، فقد أصبح ذيله الفروي الجميل ملطخًا بدماء الدجاج اللعين، مما أزعجه وجعله راغبًا أيضًا في العودة إلى المستعمرة للاستحمام.
نظر فيكتور إلى الثعلب، الذي كان فروه ملطخًا بالدماء بشكل أقل، فقد لعق نفسه لتنظيف جسده أثناء الاستعداد للتحرك بعد المعركة، مما جعل فيكتور يشعر بالغيرة.
ومع كل حركة كانت الدماء المتجلطة على ذيله تعطيه إحساسًا مزعجًا بنفس قدر تواجد شيء عالق بين أسنانك، لكن مهما حاولت، لا يمكنك إخراجه، مما جعله يرغب بالصراخ داخليًا في غضب.
أثناء إكمالهم الطريق، كان من الواضح أن فيكتور أصبح أكثر عدائية من السابق. أصبحت مواجهاتهم للوحوش أكثر من تفاديها كما كان الحال سابقًا.
كما أن فيكتور كان يهاجم بوحشية أي وحش مسكين يعترض طريقه، وكأنه يفرغ غضبه على هذه الوحوش. وقد ذكر الثعلب والصيادون لماذا لقب فيكتور بكارثة حية.
"هسسس".
مع تقدمهم، ظهر فجأة ثعبان عملاق بفراء أبيض يغطي جسده، وقد وصل طوله إلى حوالي الثلاثين مترًا ليصبح سمك جسده أكثر من متر، مما يجعله قادرًا بسهولة على ابتلاع رجل بالغ دون ظهور انتفاخ بجسده. في الواقع، يمكنه ابتلاع العربة التي يجرونها بالخلف.
ذهل فيكتور عند رؤية الثعبان الذي يقطع طريقهم، فحتى هو لم يشعر بوجود الوحش حتى كشف عن نفسه أمامهم. ومن الواضح أن هذا الوحش الضخم هو خبير بالتخفي.
بالنسبة لكل من الثعلب وفريق الصيد، كان جميعهم مذعورين من الوحش العملاق أمامهم، خصوصًا أن الثعبان عندما رفع رأسه وصل لارتفاع ثلاثة أمتار أثناء ملحاظته لفيكتور بعيونه العمودية والنقر بلسانه.
نظر الثعبان بعمق إلى فيكتور بعينيه الكهرمانية العسلية ذات بؤبؤ عمودي كخط أسود، وقد لاحظ فيكتور بذهول أن هذا الوحش امتلك حكمة أعلى حتى من الثعلب. ولكن قبل أن يتفاعل فيكتور، تحرك الثعبان بجسده الضخم.
أخذ فيكتور وضعية دفاعية بسرعة، كما أن مخالبه توهجت بالأحمر من شدة الحرارة استعدادًا للمعركة. لكن رغم ذلك، لم يكن هناك هجوم.
لم يهاجمه الثعبان، بل قام فقط بالزحف ببطء بجسده الضخم مبتعدًا عنهم. وعندما لاحظ فيكتور الانتفاخ في جسد الثعبان المبتعد، أتاه الإدراك.
تصبح الثعابين بحالة ضعف عند تناول فريسة ضخمة، لذا فهم يتجنبون أي مواجهة، وهذا ما فعله الثعبان الآن.
تنهد الجميع براحة، حتى الثعلب، لكن فيكتور فقد كانت نظراته الكثيفة مثبتة على الثعبان مما جعل الثعلب الذي لاحظه يرتجف عند الإدراك.
فقد نظر له فيكتور بنفس هذه النظرات قبل أن يقرر ترويضه مباشرة، والآن أصبح سيده.
هل يرغب سيده الآن بترويض وحش يعتبر نصف كايجو بالفعل؟
لم يرغب بالحصول على أخ أكبر، خصوصًا ثعبان نصف كايجو كهذا. كان متأكدًا أنه سيتعرض للتنمر بلا حسب ولا رقيب حينها.
والأسوأ أن مكانته كحيوان فيكتور الأليف والوحش الوحيد بالمستعمرة ستضعف، مما يقربه خطوة ليعلق لحمه على بضع أسياخ ويتم أكله أثناء الاحتفال تحت عود النار.
وحتى لو احتفظ بمكانته، فأكثر ما سيفعله هو أن يصبح حمالًا لعينًا يجر الزلاجات فقط.
لقد كان مرعوبًا من المستقبل الأسود أمامه، وهذا الرعب غزى غريزته بالبقاء ليصبح بالنهاية عزمًا، عزمًا على أن يصبح أقوى لكيلا يهتم سيده بوحوش أخرى وينتهي أمره كسيخ لحم أو كلب زلاجات لعين، أو الأسوأ من كل ذلك، ينتهي على طاولة التشريح بمختبر فيكتور.
أكملت المجموعة طريقها، ولكن حماسهم السابق قد اختفى بالفعل عند رؤية نصف الكايجو، ماعدا الثعلب الذي ازداد عزمه بالمقابل.
من الواضح أنهم كلما تقدموا، سيواجهون مخلوقات أقوى وربما كايجو حقيقي كما في الأفلام.
لحسن حظهم أو لسوئه، فقد استطاعوا أخيرًا الخروج من غابة المتاهة ليجدوا أمامهم الجبل الهائل ومنشأة أستيريا مستقرة هناك.
لكن لم يكن هذا ما جذب انتباههم، بل الكهوف على شكل ثقوب دائرية جعلت الجبل يبدو كقطعة جبنة سويسرية.
أصغر كهف يصل قطره لحوالي ثلاثين سنتيمترًا، أما أكبر ثقب، وهو الثقب الوحيد بهذا الحجم، فيصل إلى خمسة أمتار كاملة!
أخيرًا أصبح هدفهم أمام أعينهم، منشأة أستيريا بكل كنوزها، لكن من الواضح أن ما تسبب بحفر كهذه في الجبل ضخم لدرجة أن الثعبان النصف كايجو سيكون دودة صغيرة أمام هذا الشيء.
"ك- كايجو؟"، تمتم إدوارد برعب، وكان صوته كافيًا ليسمعه الجميع. وكانت هذه الفكرة قد استحوذت على جميع الصيادين مما جعل أجسادهم ترتعش برعب، وحتى الثعلب الذي عقد العزم سابقًا ارتعش مع الصيادين أيضًا.
نظر فيكتور إلى الرجال المرعوبين ثم ابتسم بهدوء وقال: "أنصحكم بالركض للاختباء، أيتها القطط المرعوبة".
بمجرد أن أنهى فيكتور كلماته، قام بالتصفيق بقوة كما فعل مع حادثة الزومبي، لينشئ موجة صدمة وصوت يصم الآذان كما لو كان انفجارًا.
أصبح الجميع شاحبين حتى الثعلب بسبب ما فعله فيكتور، ومن الواضح أنه يجذب انتباه المخلوق داخل الجبل.
لذا مع ركض الثعلب للغابة مجددًا، استجمع الرجال أنفسهم وبدأوا الركض أيضًا. لكن فجأة، ومع وصولهم لمنتصف الطريق، بدأت الأرض بالاهتزاز كما لو أنها تعرضت لهزة زلزالية مما جعلهم يسرعون بوتيرتهم بالهرب.
"كراك... كراك".
ازدادت شدة الهزة الزلزالية، وركض الجميع بفزع ورعب حتى اختبأوا في الغابة، بينما بدأ فيكتور بالسير باتجاه الجبل.
ومع زيادة شدة الهزات، بدأ صوت اصطدام الصخور ببعضها يأتي من داخل الجبل، حتى أخيرًا كشف المخلوق عن نفسه تحت أنظار الجميع بجسده العملاق المهيب.
لسخرية القدر، لم يكن العملاق الذي خرج من أكبر حفرة سوى دودة.
أجل، دودة عملاقة بقشور صخرية تغطي جسدها، وقد فتح الوحش فمه الثنائي المتقاطع بشكل غريب لتخرج ثمانية ألسنة طويلة تشبه مجسات الأخطبوط وتستشعر كل ما حولها.
وبالفعل، وجه الكايجو العملاق رأسه إلى فيكتور وجميع مجساته تشير إلى الهدف الواقف هناك.
"دودة، حسنًا، هذا كان الاحتمال الأول بالفعل بمجرد رؤية الثقوب. وبما أن بنية جسد الدودة من أبسط الهياكل الحيوية بمملكة الحيوان، فمن الطبيعي أن يستطيع التطور والنمو بهذا الجنون بفضل الإشعاع المنبعث من الانفجار"، قال فيكتور لنفسه وهو يلاحظ الكايجو.
ورغم المسافة التي تتعدى المئة متر بينهم، فقد شعر بالحرارة المنبعثة من جسد المخلوق الضخم.
يبدو أنه يسكن بالقرب من الحمم البركانية المشعة بقلب الحفرة في منتصف الجبل، أو حتى ربما كان الوحش يستحم بتلك الحمم.
"هذا هو المخلوق الذي يستحق أن يُلقب بالكارثة الحية"، قال فيكتور بتسلية وهو يبتسم أثناء مراقبة الكايجو العملاق.
لكن عندها بدأ الكايجو باسترجاع مجساته وإغلاق فمه قبل أن يبدأ بالتراجع مجددًا ببطء في الحفرة مع أصوات تصادم الصخور وهزات زلزالية خفيفة بسبب حجمه.
"مهلًا أيتها الدودة اللعينة، هل تتجرأين على الاستخفاف بي؟" صرخ فيكتور بغضب بينما ركض نحو الكايجو بمجرد رؤيته يتراجع.
بالفعل، عندما لاحظ الوحش اقتراب فيكتور وصراخه، توقّف في مكانه وفتح فمه مجددًا، لكن هذه المرة لم تخرج المجسات من فمه.
"كااااااااا!". "أغغغ!"، ذُهل فيكتور بمجرد أن صرخ الوحش، فقد كان صوته المدوي شديدًا لدرجة أنه لولا فصل حاسة السمع عن العمل بسرعة لكانت طبلة أذنيه انفجرت. ولو كان بشريًا لمات من شدة الصوت. ويبدو أن الصيادين والثعلب يواجهون وقتًا صعبًا رغم المسافة بينهم وبين الوحش.
لم يُكمل الكايجو صراخه كثيرًا، فقد لاحظ تقدم فيكتور دون أي تباطؤ واضح، لذا أغلق فمه. ومع صوت "بوم" وهزة زلزالية ضخمة، اندفع الوحش العملاق من الحفرة وخرج بجسده الهائل الذي يبلغ طوله أكثر من خمسين مترًا، وبدأ بالزحف بسرعة كبيرة نحو فيكتور.
بمجرد وصول الكايجو إلى فيكتور ومحاولته هرسه بجسده العملاق، قفز فيكتور وتشبث بالجسد الصخري، مما جعل حركات العملاق أكثر جموحًا في محاولة لإسقاط فيكتور من جسده.
ومع كل حركة، كان يتسبب بهزة زلزالية جعلت وحوش المنطقة تصرخ بخوف من غضب الملك.
رفع فيكتور يده وكانت مخالبه تتوهج بالأبيض من شدة حرارتها لدرجة أن الهواء حولها تشوه، وقد وصلت الحرارة إلى درجة كافية لصهر المعدن.
لذا، هاجم قشور الكايجو الصخرية، لكن لمفاجأته، كل ما فعله هو إحداث إصابات بسيطة، وبالمقارنة مع الجسد الضخم، كانت مجرد خدوش سطحية.
صرَّ فيكتور على أسنانه وهو يحاول العثور على نقطة ضعف في جسد الكايجو، لكن لم تكن هناك أي فواصل بين قشوره الصخرية.
فجأة، توقف العملاق عن نوبة الغضب، وبدلاً من ذلك، بدأ بالالتفاف في محاولة لهرس فيكتور تحته.
قفز فيكتور ببساطة من جسد الوحش، وأثناء نزوله نحو الأرض بفعل الجاذبية، وجد نفسه فجأة يتم سحبه، لذا نظر إلى الخلف ليتفاجأ بأن الكايجو قد فتح فمه وأمسك بساقه بأحد مجساته.
لم يتردد فيكتور بتمزيق اللسان المجسّي بمخالبه بسهولة، ثم تراجع، مما جعل الكايجو يصرخ بألم بينما يتراجع أيضًا.
كانت هذه أول مرة يتعرض فيها لإصابة مؤلمة في حياته، وقد جعله ذلك أكثر غضبًا من فيكتور.
لذا، قام بإخراج مجساته الأخرى وبدأ بتلويحها بقوة وسرعة، كما لو كانت أسواطًا تقطع الهواء مع كل تلويحة.
"أيها اللعين، أتختبرني بالسرعة حقًا؟"، قال فيكتور بحماس. بقدرته المرتفعة على معالجة البيانات، كان باستطاعته ليس فقط مجاراة سرعة الأسواط، بل التنبؤ بمساراتها أيضًا.
لذا، بسهولة أمسك مجسّين كادا يصيبانه، وقام بتمزيقهما بمخالبه، مما جعل الكايجو العملاق يصرخ بألم مجددًا ثم يسترجع جميع مجساته ويغلق فمه.
قرر الكايجو الاندفاع نحو فيكتور بغضب، على أمل هرسه بأي فرصة، بما أن فيكتور لا يستطيع إيذاء قشوره.
"اللعنة"، قال فيكتور بغضب وهو يدرك تكتيك العدو. كانت استراتيجية جيدة حقا بالنسبة لوحش بمستوى ذكائه، ففيكتور بالفعل غير قادر على إيذاء الوحش من الخارج.
في الواقع، كان يخطط للقفز بفم الكايجو وتمزيقه من الداخل، لكن بعد أن أغلق فمه، أصبحت الخطة غير قابلة للتطبيق.
أصبح القتال الآن في حالة جمود، حيث يحاول الكايجو استغلال جسده الضخم لهرس فيكتور، بينما يحاول فيكتور العثور على نقطة ضعف أثناء تفادي اندفاع العملاق.
لا يمكنه اختراق جسد الكايجو بمخالبه، فقشوره لسبب ما يمكنها صد الحرارة التي تنتجها مخالبه.
ولكن كيف هذا؟ الشيء الوحيد الذي يمكنه صد الحرارة التي تستطيع صهر المعادن هي معادن أخرى بمقاومة أعلى... "معادن!"، قال فيكتور بإدراك، وقد ظهرت ابتسامة شرسة على وجهه عندما أخذ بندقية الصدمة الحرارية من ظهره. لقد حان وقت الصيد.
لماذا لم يخرج البندقية بالسابق رغم قدرتها المدمرة على تمزيق درع دبابة؟ هذا لأنها تعتمد على موجات صوتية برنين يتفاعل مع الفلزات المعدنية، مما يجعل المعادن تلين بينما وتتحول إلى الأحمر من الحرارة.
وبالتالي يمكن للرصاصات التالية تمزيق هذا المعدن اللين. لكن هذا يعمل فقط مع المعادن، لذا أمام اللحم والجلد فهي مجرد بندقية عادية.
وبدرع الكايجو السميك، اعتقد فيكتور أن البندقية لن تستطيع حتى خدش قشرته. لكن هذا قبل إدراكه أن القشرة بنيتها الأساسية من المعدن.
"أتت النهاية أيها اللعين"، قال فيكتور بحماس عندما توقف في مكانه ووجه البندقية الحديثة إلى الكايجو المقترب.
بمجرد وصول الكايجو لمسافة ثلاثة أمتار، ضغط فيكتور على الزناد. ومع صوت "بوم"، ظهر ثقب بقطر نصف متر في وجه الكايجو حيث تحول إلى عجينة من اللحم المحروق والمفحم.