الخروج

ترك الشاب القابس الكهربائي، مما تسبب بتوقف الحاسوب عن العمل بعد فقدان مصدر الطاقة، ليعود المختبر إلى ظلام دامس مجددًا.

"لنضع أهدافًا بسيطة أولًا، أحتاج لملابس"، قال الشاب لنفسه عند تذكره أنه عارٍ بالكامل، وبدأ بالتوجه نحو الباب وفتحه للخروج.

"فووووووو".

ضاقت عينا الشاب وهو يلاحظ صفير الرياح، أثناء نظره إلى ملفه في الحاسوب، كان يمتلك خريطة كاملة لهيكل المنشأة ووظائفها. لذا، كان متأكدًا أن تلك الرياح الشديدة ليست طبيعية.

كانت درجة الحرارة -5 مئوية، ورغم كونه عاري تمامًا، لم يشعر سوى ببعض البرد الخفيف. لم يرتعش حتى، فطالما لم تصل درجة الحرارة إلى درجة التجمد، فهي بيئة يمكنه المكوث بها دون الحاجة إلى أي مصدر حرارة، وستعمل أعضاؤه الحيوية دون أي مشاكل. كما أن جلده يمتلك طبقة عازلة يمكنه التحكم بمدى عازليتها، لذا فدرجة الحرارة الحالية لا تسبب أي مشاكل تُذكر، مجرد برد بسيط.

قرر الشاب التوجه عكس اتجاه الرياح الغريبة، فتلك الرياح تعني أن هناك مشكلة، لذا قبل تفقدها سيقوم بتجهيز نفسه أولًا.

بالفعل، اتبع الشاب الخريطة بعقله ليتجه إلى غرفة تغيير الملابس، حيث كان العلماء يغيرون ملابسهم ويرتدون ملابس المختبر، ثم إلى غرفة التخزين، حيث سيحصل على احتياجات أولية لمساعدته عندما يخرج من المنشأة.

في غرفة الملابس الخاصة بالرجال، وجد بالفعل العديد من الملابس التي تلائمه بالخزانات. في الواقع، ولحسن الحظ، كانت هناك بعض الجثث التي ترتدي غيارات داخلية، لذا قام بخلعها من الجثث دون اهتمام.

بدأت يدا الشاب الحرشفيتان تتوهجان باللون الأحمر مع ارتفاع حرارتهما، ليستخدمهما كمكواة لكيّ الملابس وتطهيرها من أي جراثيم تراكمت اثناء تعفن الجثة قبل ارتدائها.

بعد ارتداء ملابس عصرية أعطى الشاب نظرة أخيرة للجثث المجمدة العارية في الغرفة، ثم أكمل طريقه إلى غرفة التخزين.

هناك، غرفةٍ ضخمةٍ مليئةٍ بالأرففِ الكبيرة، كانت هناك العديدُ من الأشياءِ المخزنةِ: أجهزةٌ أوليةٌ، وقطعُ صيانةٍ، وطعامٌ معلّبٌ، وحتى أسلحةٌ.

حصل على حقيبة ووضع بها العديد من الأغراض ذات الأولوية، ومعظمها كانت أدوات. أما الطعام والمياه، فكل ما فعله هو أخذ زجاجة مياه مجمدة واستخدام يده الحرارية لتسخينها، ثم صبها في علبة طعام سريع التحضير قبل تناوله. بعد ذلك، خرج دون أن يجهز سوى مساحة صغيرة لطعام يكفي لثلاثة أيام، ولم يأخذ أي مياه.

لم تكن المياه من الأولويات، فمن درجة الحرارة الحالية كان متأكدًا أنها ستكون بكل مكان على هيئة ثلج، لذا سيتوفر الكثير من الثلوج التي يمكن إذابتها للحصول على المياه.

أما الطعام، فقد أخذ ما يكفي لثلاثة أيام، لذا في حال بدأت موارده تنفد دون العثور على طريقة لتجديدها، يمكنه دائمًا العودة إلى هنا وأخذ إمدادات أكثر.

كانت أفكار الشاب تدور حول تجهيز عربة ثلجية لنقل إمدادات إضافية وجرّها، إن كانت البيئة بالخارج تسمح بذلك، لكن هذا سيبطئ حركته بشكل كبير، لذا في الوقت الحالي، ما لديه كان كافيًا.

أخيرًا، بعد أن وصل الشاب إلى مصدر الرياح، أصيب بحالة من الذهول مما رآه عبر الشقوق بالحطام الذي يسد الممر.

وفقًا للخريطة، كان يفترض أن الاتجاه الذي ينظر إليه هو قلب المنشئة بقلب الجبل، لكن لم يكن هناك شيء، حرفيًا لا شيء، مجرد حفرة دائرية ضخمة، على أطرافها، ظهرت بعض الأنفاق المنهارة عند الحواف، وبقاعها كانت الحمم البركانية تثور بجنون وتشع بحرارة وإشعاع شديدان يمكنه الشعور بهما من مكانه.

إذا نظر شخص إلى المشهد، فسيعتقد أن نيزكًا إشعاعيا ضرب الجبل وتسبب بكارثة كهذه، كانت حساسات الإشعاع بجسده تصفر له للابتعاد، فرغم قدرته المرتفعة على تحمل الإشعاع كان هذا المستوى يفوق أي شيء يمكن لكائن حي مهما تفوقت قدراته الحيوية على تحمله.

حتى الشاب نفسه لم يفهم ما حدث، فقد كانت السجلات التاريخية في ذاكرته تتوقف عند بداية الكارثة، لذا فهو لا يعلم أي شيء عن العالم في فترة الثلاثين عامًا قبل استيقاظه.

لا يمكنه سوى محاولة استنتاج الاحداث بتلك الفترة بناءً على البيانات التي يمتلكها، لكن حتى القنابل النووية لا يمكنها فعل ذلك... أليس كذلك؟

كان متشككًا ومرتبكًا من المعرفة داخل عقله، لذا نظر قليلًا إلى المنطقة وبدأ بتحليلها، مستنتجًا ما قد يكون السبب وراء هذا الدمار.

بدأت العديد من الفرضيات تتشكل في عقله، وتحليلها واحدًا تلو الآخر حتى بقيت فرضية واحدة هي الأكثر منطقية: انفجار مفاعل الاندماج النووي.

الدليل كان واضحًا؛ فوفقًا للخريطة، فإن مركز الانفجار يتطابق تمامًا مع موقع المفاعل. إضافة إلى ذلك، آثار الانفجار ومستوى الإشعاع الكارثيان هما أمران لا يمكن أن ينتجا إلا عن انفجار مفاعل اندماج نووي يعمل.

جعد جبينه بانزعاج ؛ فقد كان قد وضع خططًا بالفعل لاسترجاع المنشأة في المستقبل، إذ كان يمكنها بعد بعض التعديلات أن تصبح ملجأً ممتازًا ومركزًا لاستعادة الحضارة، ولكن فقدان قلبها وجزء كبير منها جعل تنفيذ الخطة أمرًا مستحيلًا.

رغم شعوره ببعض الإحباط، إلا أنه كان يعلم أنه يمكنه دائمًا وضع خطة بديلة. قام بالعودة وباستخدام الخريطة، تحرك عبر الممرات ليلتف حول الحفرة حتى وصل إلى غرفة ضخمة ذات بوابات ميكانيكية هائلة، حيث كانت العديد من المركبات مستقرة بهدوء هناك(توجد صور للمركبات بالتعليقات). كان هذا هو مدخل المنشأة.

قام الشاب بفحص المركبات واحدة تلو الأخرى، لكن جميعها كانت تفتقر للطاقة بعد بقائها بحالة انتظار لأكثر من ثلاثين عام.

مع تنهيدة مستسلمة، توجه إلى أحد الأبواب المعدنية الصغيرة للخروج والسير بنفسه. كان السير رياضة أيضًا، لذا لا بأس، حاول مواساة نفسه. لسبب ما، شعر بإحباط أكبر لأنه لا يستطيع قيادة المركبات الرائعة التي أمامه.

نقر الشاب على الباب المعدني لفحصه، ووجد أنه متجمد ولا يمكن فتحه بشكل طبيعي. لذا، أخذ وضعية دفاعية، وثبت ساقيه جيدًا على الأرض، وبقوة وسرعة غير طبيعيين، قام بلكم الباب الذي يبلغ وزنه طنًا كاملًا ليطير بعيدًا ويزيح معه كل الثلوج خلفه. وعندها، وبعد أكثر من عشرين عامًا، دخل النور إلى هذا الجزء من المنشأة.

طوال هذا الوقت، كان يستخدم حواسه الأخرى لفحص المنطقة، ولكن الآن، بفضل النور، استطاع رؤية الساحة الضخمة والمركبات المعدنية الساكنة بوضوح. لكنه لم ينظر طويلًا، فمشاهدة المركبات جعلت قلبه يتألم لعدم قدرته على تشغيلها. أراد حقًا قيادتها لسبب ما، ربما لأن برمجته كانت مصممة لمحاكاة وعي شاب مراهق؟

مر الشاب عبر الممر الثلجي الذي أنشأه الباب المعدني بعد لكمة، وكان الثلج يغطي جانبي الممر الثلجي لارتفاع مترين. وبعد مروره عبر الثلج وتكيف عينيه مع الإضاءة الشديدة، نظر بذهول إلى البيئة المحيطة.

بياض في كل مكان، ثلج أبيض يغطي الأرض وغيوم بيضاء رمادية تغطي السماء. كان العالم أبيض بشكل مزعج، وكان السبب واضحًا: شتاء نووي.

نظر الشاب قليلاً إلى البيئة حوله، ثم بدأ بأخذ أول خطواته نحو المجهول. ولمصادفة القدر، لم يكمل سوى بضع عشرات الأمتار عبر الثلج ليكتشف مخلوقًا ضخمًا يخرج من الغابة المغطاة بالثلج.

حيوان الدب تقريبًا، ربما، على ما يعتقد. كان شكله مماثلًا للدب، لكن ارتفاعه كان يبلغ أربعة أمتار، وكانت فروته بيضاء مثل الدب القطبي، رغم كونه دبًا عاديًا. حسنًا، كان من الواضح أنه ليس دبًا عاديًا.

"ما هذا الشيء؟"، قال الشاب وهو يحاول مقارنة الوحش أمامه بالحيوانات في السجلات بعقله، لكن مهما بحث لم يجد شيئًا مما جعله مرتبكًا.

نظر الدب الضخم إلى البشري أمامه، أو الشيء الذي يفترض أن يكون بشريًا، حتى الدب كان مرتبكًا من الكائن الذي أمامه، خصوصًا الهالة الخطيرة التي تحيط بالشاب. كانت غريزته تحذره من الاستخفاف به، مما جعله يبدأ بالاقتراب منه بحذر.

الآن، كان الاثنان يقفان أمام بعضهما البعض، يراقبان بعضهما البعض. وعندما أراد الشاب رفع يده لفحص الدب بشكل أفضل، كان الدب قد بدأ في حركته ورفع نفسه للوقوف على ساقيه الخلفيتين، محاولًا ضرب الشاب بمخالبه الضخمة لتمزيقه.

بنفس الوقت، قام الشاب برفع يديه المغطاة بالحراشف وصد ضربة الدب، مع ظهور بعض الشرر مكان التصادم. نتيجة للضربة، تراجع جسد الشاب لبضع أمتار إلى الخلف.

لم يكن هناك خدش حتى في حراشف يديه. كانت مصممة من هيكل كربوني مشابه في البنية للألماس، بل أكثر صلابة حتى. لذا، حتى لو تلقى رصاصة من سلاح مخترق للدروع، فطالما لم تكن من سلاح كهرومغناطيسي، فلن تستطيع اختراق حراشفه.

نظر الدب بذهول إلى الوحش الذي تصدى لضربته بسهولة، لم يتوقع شيء كهذا مطلقًا.

"فحص جثة سيفي بالغرض أيضًا"، قال الشاب، ثم وبدأ بالركض نحو الدب الذي ما زال في حالة ذهول.

لقد أرعبت تحركات الشاب السريعة المفاجئة الدب، مما جعله يحاول ضرب الشاب مجددًا، لكن بسهولة ونتيجة لذهوله السابق استطاع الشاب تفادي الضربة والوصول خلف جسده الضخم.

في تلك اللحظة، كانت المخالب بأطراف يدي الشاب تتوهج بالأحمر من شدة حرارتها، وقد استخدمها دون تردد لتمزيق ظهر الدب.

"غرووووة".

زأر الدب بألم وحول الهروب، لكن الشاب لم يعطه فرصة للهروب. استطاع التسلق على ظهره، وبضربة واحدة بمخالبه الحرارية اخترق رأس الدب بسهولة، لتسقط جثة الوحش الضخمة على الثلج مع هزة أرضية خفيفة وعاصفة من الثلج.

على جثة الوحش وبين سحابة الثلج المتطاير، وقف الشاب هناك ينظر إلى الجثة ليتأكد من أن مؤشراتها الحيوية قد توقفت.

بعد التأكد من توقف جميع المؤشرات الحيوية، أي موت الدب الضخم، قام الشاب بفحص جسد الدب حتى وصل إلى دمائه.

عندها نظر الشاب إلى الدماء بعبوس، أو بالأصح نظر إلى الخلايا في الدماء. أجل، الخلايا.

تتكون كل عين من عيني الشاب من مئات العدسات التي تشكل طبقات متراصة أمام بعضها، مما يسمح له بتمديدها أو تقليصها للرؤية كما لو كانت عينيه تلسكوبًا أو مجهرًا.

رغم عدم قدرته على رؤيتها، كانت تصرفاتها واضحة أمام عينيه. لا يمكن للخلايا أن تتطور بهذه السرعة، وبعد بعض التحليلات كان متأكدًا من تواجد فيروس يعمل بشكل متكافل مع المضيف، مما يزيد بجنون من سرعة تكيفه وتطوره.

الآن، وبفضل مرور حوالي ثلاثين عام، فمن المؤكد أنه لم يعد هناك حيوان واحد ظل كما هو دون التحول إلى وحش لمواكبة تغيرات البيئة القاسية.

"هذا أفضل من انقراضهم، فإذا لم يستطيعوا التطور ومواكبة التغير القاسي في البيئة، فلن ينجو أي حيوان أو نبات، وستكون هذه النهاية حقًا"، قال الشاب ذلك وهو يضع الدماء في فمه لأخذ الفيروس.

كان يمتلك جهازًا مناعيًّا يمكنه إبادة أي تطفل ضار بسهولة، لذا لم يشعر بالخوف أبدًا من الفيروس. أما سبب قراره بأخذه هكذا، فهو أن أخذ عينات قليلة حاليًا أفضل للاعتياد عليه قبل البدء بأكل لحوم الحيوانات التي بالتأكيد ستكون مصابة بالفيروس.

2025/02/05 · 7 مشاهدة · 1535 كلمة
Ouroboros
نادي الروايات - 2025