ماذا تكون؟
بعد حادث الدب دخل الشاب الى الغابة الضخمة المغطاة بالثلج من كل اتجاه كما لو كانت تل او جدار من الثلوج بارتفاع عشر أمتار أمامه.
بالكاد كانت الأوراق الخضراء تظهر من تحت طبقة الثلج الكثيف بالسطح العلوي، تحاول الصعود للحصول على أبسط أشعة الشمس التي استطاعت المرور من بين الغيوم الكثيفة بالسماء.
كانت البيئة في أقسى حالاتها بالفعل، ورغم ذلك استطاعت النباتات النمو، فبنيتها الحيوية البسيطة مقارنة بالحيوانات سمحت لها بالتطور والتكيف بفضل الفيروس بشكل أسرع بكثير من أي مخلوق آخر.
بالطبع لم يكن هذا كافيًا لمواجهة تحدي النقص الشديد في ضوء الشمس، وعندما مر الشاب عبر الجدار الثلجي لدخول الغابة وفوجئ بعالم آخر بالداخل.
بالفعل اكتشف الشاب عاملًا آخر ساعد النباتات على التكيف بسرعة: الفطريات. كانت هناك العديد من الفطريات التي تنمو على الأرض وبين الأشجار، ومن الواضح أن الفطريات قد أقامت بيئة تكافلية مع الأشجار لمساعدة بعضها البعض.
الأشجار بغطائها النباتي ستمنع الثلج من النزول إلى الفطر وتجميده، وبالمقابل سيساعد الفطر الأشجار والنباتات على تبادل المغذيات والقيام بعملية البناء الضوئي بشكل أكثر كفاءة.
ذهل الشاب من المشهد داخل الغابة. عكس البياض المحيط بكل مكان بالخارج، كانت النباتات والأشجار والفطريات بمختلف الألوان داخل الغابة. كما أنه شعر بارتفاع حاد في درجة الحرارة، وبفضل إحساسه الدقيق اكتشف أنها صعدت من -11 إلى 9 درجات مئوية مباشرة.
قام الشاب بالانحناء لفحص هذه التحفة الفنية من العمل الجماعي بين مجموعة من أدنى أشكال الحياة، وقد فوجئ مجددًا بما رآه.
"لقد أصبحوا واحدًا"، قال الشاب في ذهول. لقد اندمجت الفطريات مع النباتات والأشجار، وأصبحوا جميعًا مخلوقًا حيًا واحدًا، كل واحد منهم يمثل عضو داخل مخلوق واحد الذي هو الغابة بأكملها.
لم يستطع الشاب سوى الانبهار من هذا الإنجاز الرائع. أكثر شيء مثير للإعجاب أن هذا الإنجاز أتى من أدنى أشكال الحياة دون مساعدة، مجموعة من النباتات والأشجار والفطريات التي لا تمتلك عقلًا أو أجهزة متقدمة.
بعد بعض الفحص وأكل بعض العينات ليفحصها جهازه الهضمي المتطور، بدأ الشاب بإكمال طريقه داخل الغابة.
لم يكن لدى الشاب وجهة معينة، لذا قام فقط بالتجول هنا وهناك، وأي نبات أو فطر جديد يواجهه، يأخذ منه عينة ليأكلها، بينما يصنع سجلًا لها بعقله.
’توجد بعض العينات السامة، وبالمقابل بعض العينات المغذية. بعضها يفضل أكله نيئًا، وبعضها يفضل شويه. توجد حتى بعض النباتات ذات الخصائص الطبية والمعززة. هذه البيئة غنية حقًا’، بعد بضع ساعات من التجول، كان الشاب قد صنع مجلدًا يحتوي على سجلات لأكثر من مئة عينة مختلفة من النباتات والفطريات، وحتى بعض الأشجار المثمرة بالغابة.
"غوبل غوبل غوبل غوبل!".
"أااااة!".
"همم؟" نظر الشاب إلى اتجاه الأصوات المفاجئة، كان هناك صوت غريب مع صراخ بشر. وعندما سمع صوت البشر، بدأ بالاندفاع إلى اتجاه الصوت بكل سرعته، أثناء محاولة تحليل الصوت الغريب لمعرفة الكائن الذي يصدره، والاستعداد لمواجهته.
أثناء التقدم، كان الشاب يحاول تحديد المخلوق الذي يفترض أن يصدر هذا الصوت، لكن كان يعلم بالفعل أن حيوانات الأرض السابقة لم يعد لها وجود.
رغم ذلك، هذا لا يعني أنها اختفت، بل فقط تطورت. لذا فالمخلوقات الجديدة يجب أن تمتلك تشابهًا مع السابقة، مثل وحش الدب الذي مازال يشبه الدب.
بالفعل، بعد العديد من المقارنات، كان لدى الشاب فكرة عن نوع الوحش الذي يصدر هذا الصوت الغريب.
"أااااة!" عندما وصل الشاب إلى وجهته، لم يفاجئه حقًا ما رآه، فقد توقع المشهد بالفعل من الأصوات. ثلاثة رجال محاصرون، وخلفهم جدار من الأشجار والنباتات السميكة، وأمامهم ديك رومي ضخم بارتفاع يصل لمترين، خلفة رجل رابع على الأرض وبصدره جرح فظيع.
بالواقع، كان الديك الرومي أقرب إلى ديناصور منه إلى طائر بحجمه هذا. كان يقف هناك ويفرد ريشه مما زاد من حجمه، ومن الواضح أنه يستمتع بخوف فرائسه.
كان الطائر الضخم يضع تركيزه كله على الرجال الثلاثة أثناء استمتاعه، دون أن يدرك أن الرجال الرابع، الذي أسقطه من قبل، ما زال حيًا على الأرض. وحتى أنه لم يلاحظ الشاب الذي وصل بالفعل.
تقدم الشاب إلى الرجل الملقى على الأرض بين الحياة والموت، وألقى نبات ذو خصائص طبية الذي قام بتحويله إلى معجون أثناء استكشافه على الجرح المميت.
في هذه الأثناء، كان الطائر قد لاحظ وجود الشاب المقترب بالفعل.
غرائزه كصياد أخبرته أن صيادًا آخر أكثر خطورة كان يقترب، لكن عندما التفت بسرعة في خوف لم يجد سوى فريسة أخرى كالثلاثة المحاصرين. فريسة أخرى؟ لم يعد الطائر متأكدًا بعد ملاحظة الذيل والقرنين على الشاب والهالة الخطيرة التي تحيط به.
لم يكن الطائر بذكاء الدب الذي قابله الشاب سابقًا، لذا بغضب حاول مهاجمة الشاب بمنقاره دون تردد.
سرعان ما اكتشف الطائر أن رأسه بالكامل أصبح عالقًا بيد الشاب الذي أمسك بمنقاره أثناء هجومه. في محاولة لتحرير نفسه، حاول ركل الشاب، ليجد أن ساقه أيضًا أصبحت محاصرة بذيل الشاب الذي التف حولها.
لم يعد أمام الطائر خيار سوى محاولة الركل بساقه المتبقية، لكن إذا أمسك بها الوحش أمامه، فسيصبح خاضعًا بالكامل. الآن أدرك أن غريزته كانت على حق، كان يجب أن يهرب. لذا قرر اتخاذ خياره الوحيد ومحاولة استغلال الفرصة للهروب.
لكن قبل أن يقوم الطائر بأي شيء، كان الشاب قد استخدم قوته الساحقة على رأس الطائر، ومع بوم انفجرت الرأس كبطيخة.
سقطت جثة الطائر على الأرض بلا أي حركة، ثم نظر الشاب إلى الرجال الثلاثة الشاحبين، مما جعلهم يرتجفون برعب.
يبدو أن البشر في هذا العالم قد استفادوا أيضًا من الفيروس، رغم أن الفائدة كانت منخفضةً جدًا مقارنةً بالحيوانات والنباتات.
كان شعر الثلاثة أبيض أو فضي، وحتى بشرتهم الطبيعية أصبحت أكثر بياضًا وشحوب من السابق، في إشارة إلى محاولة أجسادهم التكيف مع البيئة الثلجية، خصوصًا أنهم لم يعودوا في القمة، بل أصبحوا فرائس للوحوش.
يبدو أيضًا أن البشر اكتسبوا مناعةً من الإشعاع، وإلا لكانوا قد انقرضوا بالفعل نتيجة الإشعاع النووي.
لكنّها كانت مجرد مناعةٍ دون أي استفادة، على عكس الوحوش، فقد لاحظ الشاب، من خلال فحصِ الدب الضخم، أن تكيف الحيوانات مع الإشعاع وصل إلى حد تغذيها عليه، لذا أصبحت معظم الحيوانات على الأقل بضعف أحجامها السابقة.
نظر الرجال الثلاثة للشاب برعب دون معرفة ماذا يفعلون.
الوحش الذي كان يلهو بهم كما لو كانوا مجموعة من الفئران لم يستطع الصمود أمام الشاب لأكثر من عشر ثوانٍ، مما جعلهم يشكون في أنه وحش آخر من وحوش هذه الغابة، خصوصًا بسبب قرونه وذيله ويديه الحرشفيتين.
"م-ماذا تكون؟"، أخيرًا، بعد بضع ثوانٍ من الصمت، استطاع أحد الرجال جمع ما يكفي من الشجاعة لطرح السؤال.
"فيكتور ووكر أستيريا".
قال فيكتور الاسم الذي ابتكره دون تردد دون تردد.
بالنسبة لفيكتور، والذي يعني المنتصر، فقد كان هذا اسمه كمشروع في المختبر، وكان الهدف من معناه هو تمني النصر له كغازٍ ومستعمر للكواكب ذات الظروف الصعبة والقاسية.
بالنسبة لووكر، ففي سجلات الحاسوب، كان اسم العالِم المشرف على المشروع، لذا، عمليًا، كان والده.
أخيرًا بالنسبة لأستيريا، فهو اسم المنشأة التي وُلد بها، لذا قرر اتخاذه كاسم العائلة.
"في-فيكتور؟"، تفاجأ الثلاثي. لم يكونوا يتوقعون إجابة، لكنهم حصلوا على اسمه، مما جعل الرعب المتأصل داخلهم بسبب المشهد السابق يقل قليلًا.
"ما الذي تفعلونه في مكان خطير كهذا دون أي حماي-. أوه، صديقكم على وشك الموت"، بينما سأل فيكتور الرجال الثلاثة، لاحظ أن الإشارات الحيوية للرجل الملقى على الأرض قد توقفت فجأة.
قام فيكتور بفحص جسد الرجل. لقد استنزف جسده الكثير من الدماء، مما أرهق قلبه في محاولة لتعويض الفقد.
لحسن الحظ، توقف قلب الرجل للتو، مما يعني أن عقله لم يتلف بعد ويمكن إنقاذه. رفع فيكتور يديه الحرشفية، وبدأ ضوء أزرق خافت يتوهج بالفواصل بين الحراشف، وفجأة ظهرت أقواس كهربائية بين أصابعه.
عندها، استخدم فيكتور يديه على صدر الرجل كجهاز إنعاش تحت أعين الثلاثي المصدوم من الكهرباء البيضاء التي ترقص بيده.
أخيرًا، بعد أربع محاولات، بدأ القلب بالنبض مجددًا، لكن المشكلة الرئيسية، وهي نقص الدم والاصابة القاتلة، لم تُعالج بعد.
لحل هذه المشكلة قام فيكتور باستخدام مخالبة لجرح ذراعه واستخراج دمه الأسود كالحبر وسكبه على جرح الرجل.
الغريب أن الدم بدأ بالتلوي كما لو كان كائنًا حيًا يتبع طريقه عبر الجرح ويدخل جسد الرجل.
لاحظ فيكتور النظرات المفزوعة من الثلاثي على الدماء، لذا قال بينما يتأكد من عمل دمائه كما ينبغي: "دمائي تمتلك روبوتات نانوية يمكنها العمل بكفاءة أفضل من الدماء العادية، كما تزيد من القدرة على تجديد الإصابات. رغم ذلك، مشكلتها أنها ستجعله جائعًا ومرهقًا عندما يستيقظ. وأيضًا، حالما تخرج من جسدي، تفقد الروبوتات قدرتها على التكاثر والتجدد، مما يجعل فوائدها محدودة لثلاثة أيام".
شرح فيكتور جعل الثلاثة يهدؤون أكثر، رغم أنهم ما زالوا ينظرون إليه بحذر.
لم يعلموا ماذا يفعلون الآن، فبالنسبة لهم، هو أقرب إلى وحش، لكن بالمقابل، أنقذهم من وحش آخر، بل وحتى أنه أنقذ الرجل الذي اعتقدوا أنه مات.
"الروبوتات النانوية في جسدي ليست مصممة لأجسادكم البشرية الضعيفة، تحتاجون إلى نقله إلى مكان للراحة، وهذه البيئة خطيرة عليه"، أكمل فيكتور مما جعل الثلاثي ينظرون إلى بعضهم البعض، ولم يعلموا ماذا يفعلون.
هل يأخذونه معهم إلى مسكنهم؟ ماذا لو كان هذا هدفه، وحالما يصل، سيبدأ مجزرة بينهم؟
ابتسم فيكتور عند ملاحظة خوفهم، لقد لاحظ بالفعل ما يفكرون به، ومن الطبيعي أن يخافوا منه، لذا نهض من جانب الرجل المستلقي وبدأ بالسير مبتعدًا.
أثناء مغادرة فيكتور قال دون النظر لهم: "سيستيقظ زميلكم بعد ثمانية عشر وخمسة وأربعين دقيقة، لذا قوموا بتجهيز وجبة دسمة له، فسيحتاجها لتعويض التجديد السريع الذي تقوم به روبوتات النانو خاصتي". مع هذه الكلمات، اختفى بالفعل بين الأشجار والنباتات تحت أنظار الثلاثة المرتبكين.