ملجأ

عام 2229م، أطلقت الأسلحة النووية وبدأت الكارثة.

من عام 2229م وحتى 2250م، غطّت الأرض طبقة كثيفة من الغيوم الإشعاعية، منعت أبسط أشعة الضوء من المرور. وكانت هذه العشرون سنة أسوأ فترة في تاريخ الأرض منذ ظهور الحياة.

بتلك الفترة، لم ينجُ سوى 0.5% من البشر من هذه الكارثة. أما الناجون، فعاشوا حياتهم كالفئران، يقتاتون على بقايا حضارتهم الساقطة.

لم تكن الزراعة ممكنة، لذا كان الطعام محدودًا، وأما الصيد، فلم يعودوا الصيادين، بل أصبحوا الفرائس.

بفضل الفيروس الذي انتشر قبل الكارثة وتحور أثناءها، تكيفت أشكال الحياة البسيطة، مثل الحيوانات والنباتات، بسرعة رهيبة مع التغيرِ الحاد في الطقس. كما أنَّ تكيفها وصل إلى مرحلة التغذي على الإشعاع، مما ساعدها على النمو، لتصبح الفئران الخجولة في البيوت مفترسات مسعورة بحجمِ القطط.

من ناحيةٍ أخرى، فإن كل ما حصل عليه البشر كان تغير لون شعرهم الشائع من الأسود إلى الأبيض والفضي، كما أصبحت بشرتهم أكثر شحوبًا وبياضًا، في محاولة لمساعدتهم على التموه وسط الثلوج البيضاء التي غطّت الأرض.

كان من الجيد بما فيه الكفاية، أن الفيروس ساعدهم على مقاومة الإشعاع المدمر، وإلا لانقرضوا بالفعل. لكن، رغم ذلك، فإن عدم تكيفهم مع الفيروس جعله عدائيًا تجاههم، فأي بشري يموت، كان الفيروس يسيطر على جسده ليحوّله إلى زومبي.

وصفها بالمأساة لم يكن كافيًا لوصف كيف عاش الناجون. فلم يكن سوى بالأمس حين كانوا يعيشون برفاهية كسادة الكوكب، لكن، بضغطة زر، تحولت جميع الحيوانات الصغيرة والخجولة إلى وحوش، ولو لم يحذر الناجون في التعامل معها، لأصبحوا هم طعامها.

أخيرًا، في عام 2250م، تبدّد الحاجز الكثيف من الغيوم، ليتمكن ضوء الأملِ من النزول على شعب يائس. لكن، هل كان هناك حقًا أمل؟

لم يتغير شيء؛ الزومبي ازدادوا ولم يقلّ عددهم، الوحوش أصبحت أقوى وأشرس، الطعام أصبح أقلَّ فأقلّ.

الشيء الوحيد الجيد أنَّ درجة الحرارة، التي كانت أقلَّ من -20درجة مئوية بسهولة، ارتفعت إلى حوالي -10درجة.

الآن، في عام 2263م، في إحدى البلداتِ الصغيرةِ التي كان يقطنها يومًا بضعة الاف مواطن، لم ينجُ بها سوى العشرات فقط.

هؤلاء الناجون، منذ ظهور أول أشعةٍ للضوء، بدأوا بالتجمعِ في مدرسة بتلك البلدة، لاستغلالِ أسوارِها وأرضِها الواسعةِ لحمايتهم من الوحوشِ والزومبي المحيطين بهم.

تم استخدام كل ما يحيط بهم لتحويل المدرسة إلى ملجأ: تغطية النوافذ للحفاظ على الحرارة، بناء أبراج مراقبة على الأسوار لمراقبة محيطهم، تعزيز البوابة المعدنية لمقاومة هجمات الوحوش والزومبي الجائعين، وغيرها من التعديلات لمساعدتهم على النجاة.

كانت مجموعة الناجين، المكونة من 67 ناجيًا، تتألف من 33 رجلًا، 19 امرأة، 11 طفلًا، و4 كبارٍ في السن. على رأس المجموعة كان رجلٌ في أواخر الستينات من عمره، بشعرٍ نصفه أبيض ونصفه أسود، وعينين زرقاوين.

لم يكن يمتلك أي قدرات قتالية أو معرفة جيدة بأساليب النجاة، لكن ميزته كانت في قدرته الإدارية القيادية، وقدرته على اتخاذ أفضل القرارات بسرعة وحسم، مما جعله أكثر من مؤهل لقيادتهم.

بالطبع، كما امتلك جانبًا جيدًا، فقد امتلك جانبًا سيئًا أيضًا. استغل سلطته لتحقيق رغباته؛ فقد حصل لنفسه ورجالة على أفضل الطعام، وأجمل النساء، وأدفأ الغرف.

رغم الاستياء والاعتراض على استغلاله للسلطة، لم يكن هناك شخص يمتلك الجرأة، أو بالأحرى الرغبة، في الاعتراض.

كان أتباعه المخلصون هم نخبة المقاتلين بين الرجال، وحتى لو كانت الفرصة مواتية للانقلاب عليه، فما الذي سيحدث بعدها؟ من سيقودهم كما فعل هو؟ لهذا، ظل الوضع كما هو عليه.

"عاد فريق الصيد، قوموا بفتح البوابة".

صاح أحد الرجال على برج الحراسة بجانب البوابة المعدنية عندما رأى ثلاثة رجال قادمين من بعيد، وبالفعل بدأ حارسا البوابة المعدنية السميكة والمحصنة بدفعها لفتحها.

مرّ الثلاثة عبر البوابة ودخلوا الملجأ. في البداية، كان الجميع متحمسًا لعودتهم، لكن ما رأوه على الزلاجة اليدوية الصنع التي كان الثلاثة يجرونها للداخل أذهل جميع الحضور، بمن فيهم قائدهم نفسه.

كان الرجل الرابع مستلقيًا على الزلاجة، وعلى صدره إصابة شديدة من الواضح أن مصدرها هو الطائر الضخم المستلقي بجانبه على الزلاجة، لكن بدون رأس.

"ابي!".

"عزيزي!".

تحت أعين الجميع، ركض من بين المتفرجين طفله صغيرة وامرأة بالغة إلى الرجل الفاقد للوعي، ومن الواضح أنهما عائلته المصدومة من رؤية حالته.

"ديفيد، يجب أن تنظر إلى هذا، يستحيل أن يكون هذا عملًا بشريًا"، نادى أحد الحراس على قائد الناجين الملقب بديفيد، بينما أشار إلى المنطقة التي كان يفترض أن يتواجد الرأس بها. وبالفعل، بنظرة واحدة، كان من الواضح أن الرأس تعرض لضغط ساحق لدرجة كسر جمجمة الطائر، ولكن ما الذي يمكن أن يفعل شيئًا كهذا؟

عبس ديفيد من المشهد أمامه، ثم نظر إلى الثلاثي الشاحب الذين سقطوا على الأرض بمجرد وصولهم، ومن الواضح أنهم أتوا إلى هنا بكل سرعتهم كما لو كانوا مطاردين.

"روبرت، جون، توماس، ماذا حدث بحق الجحيم؟"، بمجرد خروج السؤال من فم ديفيد، صمت الجميع في انتظار إجابة من الثلاثة المشتتين. ومن الواضح أن تذكرهم للأحداث المرعبة جعلهم أكثر شحوبًا.

كان الشاب المدعو جون هو أكثرهم خوفًا لدرجة أنه كان يرتعش بجنون كما لو أنه واجه الموت ونجا بمعجزة. أما الرجل توماس، ورغم أن حالته كانت أفضل، فإن الإرهاق جعله مستلقيًا على الأرض وبالكاد يستطيع أخذ أنفاسه ليقول أي شيء. أخيرًا، روبرت، الذي كان أفضل من الاثنين، وبعد بعض التردد، بدأ بالتحدث ببطء.

رغم كونهم من نخبة فريق الصيد، لم يتجرأ الأربعة على المخاطرة بالابتعاد أو مواجهة مخلوقات أكبر من الكلاب. لكن، بسبب تطهيرهم لمعظم المناطق حولهم بمرور الأعوام، قرروا الابتعاد ودخول الغابة الغريبة في أطراف البلدة.

بالطبع، كانوا في قمة الحذر بسبب البيئة الغريبة والأصوات المخيفة حولهم. ولكن، ولسوء حظهم، لم يستطيعوا تجنب مخلوقات الغابة، وقد واجهوا طائرًا يصل ارتفاعه إلى المترين، لدرجة أنه كان أشبه بديناصور.

لقد كانوا على بعد شعرة واحدة من الموت، حتى أن أحدهم، الذي كان فاقدًا للوعي على الزلاجة، كان بالفعل في عداد الموتى بعد أن مزق الطائر صدره بمخالبه الضخمة.

لولا ظهور منقذهم المتوحش، والذي من الواضح أنه أخطر مئة مرة من الطائر، لكانوا موتى بالفعل. ولحسن حظهم، أنه لم يهتم كثيرًا بهم، بل ترك جثة الطائر لهم بينما غادر بعد إنقاذهم.

قام روبرت بسرد قصتهم المأساوية، وإذا قال شيئًا كهذا قبل الكارثة، لكان مهزلة بين الجميع أو لتحولت حكايته إلى رواية خيالية. ديك رومي مثل الديناصورات؟ رجل بقرنين وذيل يمتلك دماءً تعمل كإكسير الحياة؟ لولا عصرهم الحالي حيث أصبح كل شيء ممكنًا، لتمّ نعته هو وزملائه بالمجانين.

بالواقع، فديفيد لم يصدق القصة. يمكنه تصديق رؤيتهم لوحش بحجم جبل، لكن رجلًا بمواصفات كهذه مستحيل.

بعد التفكير قليلاً، قرر ديفيد أن مجموعة الحمقى الثلاثة، بمعجزة ما، استطاعوا إسقاط شجرة أو شيء ثقيل على رأس الطائر وقتله، لكن أثناء عودتهم، داسوا على نوع من النبات المهلوس في الغابة، مما جعلهم يألفون تلك القصة الغريبة.

بعد بعض الحوارات، استطاع ديفيد إقناع الثلاثة بالفعل بمدى حماقة قصتهم. وبسبب إرهاقهم وحالتهم النفسية المتدهورة من الموت الوشيك، بدأوا بالفعل يشككون بما رأوه، بالنهاية انتهى الموضوع رغم ظهور شائعات غريبة بين الناجين عن عفريت الغابة او هكذا لقبوه.

بعد بضع ساعات قليلة، وفي غرفة صغيرة، كانت هناك امرأة وطفلة ورجلان في الغرفة. كانوا عائلة الرجل الفاقد للوعي، والرجل نفسه، وروبرت الذي لم يشكك بما حدث له ورفاقه في الغابة. لذا قرر الانتظار هنا ليرى إذا كان رفيقه سيستيقظ في الوقت نفسه، حقًا كما قال فيكتور أم لا.

بالنسبة للأم والابنة، فقد تمنّيا أن تكون الحكاية صحيحة، فهذا يعني نجاة الرجل الذي يعتمدون عليه. حتى أن زوجته لم تأكل نصيبها من الطعام وحافظت عليه من أجل زوجها على أمل استيقاظه.

أخيرًا، أتت الدقيقة الحاسمة. وفقًا للساعة وكلمات فيكتور، فيفترض أن يستيقظ في هذه الدقيقة، مما جعل الجميع على أعصابهم وهم ينظرون بأمل وتوقع إلى الرجل الفاقد للوعي.

مرت عشر ثوانٍ، ثم ربع الدقيقة، ثم نصفها. ومع كل ثانية، كان التوتر يزداد حتى مرت الدقيقة دون أي علامات على استيقاظه، مما جعل قلبي المرأة والفتاة يفقدان الأمل، بينما نظر روبرت لزميله بعيون قاتمة، بدأت الدموع تخرج من عيني الفتاة وهي تمسك بيد والدها بقوة ولا تريد تركه.

حاولت المرأة الحفاظ على هدوئها، رغم أن حالتها لم تختلف عن ابنتها. بإصابات كتلك، وبدون معجزة، كان مصير الرجل الموت. أما هم، فكان أسوأ. بعد كل شيء، هم امرأة وفتاة وحيدتان في عالم بلا قانون.

"أ-أبي؟!"، فجأة تمتمت الفتاة بذهول، مما جذب انتباه روبرت والمرأة نحو الرجل. ولمفاجئتهم، بدأت عيناه تفتحان ببطء. يبدو أن روبرت أخطأ في تقدير الوقت الذي حدده فيكتور ببضع دقائق فقط.

"أبي!".

"أغغغ!".

"لوسييل!"، نادت المرأة بقلق على الفتاة التي قفزت بحماس إلى حضن والدها عندما استيقظ وحاول النهوض، مما تسبب في سقوطه مجددًا على السرير غير قادر على المقاومة حضن الفتاه الصغيرة بسبب جروحه الشديدة.

"إدوارد! لقد استيقظت حقًا، أنا آسف، أنا حقًا آسف. كان يجب أن أكون أنا، كان يجب أن أكون الشخص المصاب وليس أنت"، قال روبرت بصوت مهزوز ويائس لزميله. كان الندم يأكله أكثر فأكثر مع كل ثانية بسبب خطيئته بالتضحية بزميله من أجل النجاة.

رفع إدوارد ذراعه بضعف لمداعبة رأس ابنته لإراحتها، ثم ابتسم لزوجته القلقة قبل أن ينظر إلى روبرت دون أن يرد.

النظرات الثقيلة جعلت مشاعر روبرت تصبح فوضوية أكثر، وهو متأكد أن زميله لن يسامحه.

بالنهاية، لم يترك إدوارد روبرت كثيرًا، فقد غفر لزميله خطيئته. فحتى هو كان ليفعل الشيء نفسه للنجاة من أجل نفسه ومن أجل عائلته. كما أنه لن تحدث سوى المشاكل إذا ساءت علاقتهما، فهما زميلا صيد بعد كل شيء.

بعد استرجاع علاقة الصداقة الدرامية بين روبرت وإدوارد، أول ما فعله إدوارد هو الأكل بشراهة، فلسبب ما كان يشعر بجوع فظيع لدرجة أنه كان على استعداد لأكل أي شيء، حتى لو كان لحاء شجرة مجمدة. وأثناء تناوله للطعام، قام روبرت بشرح ما حدث لهم بعد فقدانه للوعي بتفاصيل أدق.

ذهل كل من إدوارد وزوجته ولوسييل من القصة مع التفاصيل عن فيكتور. كل وصف إضافي لقدرات فيكتور جعل الثلاثة يذهلون أكثر فأكثر. وبالنهاية، بعد انتهاء القصة وتجميع إدوارد لأفكاره، وضع طبق الطعام الفارغ على الطاولة ثم أخذ نفسًا عميقًا قبل التحدث بثقة.

"بمجرد شفاء إصاباتي، سأذهب للبحث عن منقذي".

2025/02/07 · 7 مشاهدة · 1518 كلمة
Ouroboros
نادي الروايات - 2025