ضيافة الزوار

بعد يومين فقط، كانت جروح إدوارد قد شُفيت بالكامل دون حتى ترك ندبة واحدة، وكانت هذه أقل ما يقال عنها معجزة. أذهل الجميع بمدى قدرات دماء فيكتور السحرية على الشفاء، رغم آثارها الجانبية التي تجعل الشخص مرهقًا وجائعًا طوال العملية.

كانت المعجزة أمامهم أكثر من كافية ليُصدّق معظم الناجين بحقيقة وجود فيكتور، والعديد منهم آمن بأن فيكتور قديس أتى لخلاصهم من هذا الجحيم البارد، لذا فقد دعموا فكرة إدوارد للذهاب والعثور عليه.

بالنسبة لديفيد، فما زال غير راغب في تصديق القصة الخرافية، ووضع العديد من الفرضيات، مثل وجود نبات تطور بقدرات علاجية خارقة في الغابة، لكن رغم ذلك، كان الشك والشعور بالتهديد متواجدين بداخله من "القديس" الغامض.

رغم هذه المشاعر المتضاربة، لم يعترض ديفيد على تشكيل فريق البحث، إذ أن منعه لهم قد يؤدي إلى احتمال انقلاب لم يكن يرغب فيه.

كما أنه، مهما فكر في الأمر، كان متأكدًا من أنهم لن يعثروا على هذا "القديس" الخرافي، لذا لم يمنعهم.

في النهاية، تكوَّن فريق البحث من ثلاثة أشخاص: إدوارد، روبرت، ورجل كان خبيرًا بالحياة البرية قبل الكارثة، يُدعى ديف.

كان ديف معروفًا قبل الكارثة كمغامر على التلفاز، حيث يتم تصوير حلقات تلفزيونية له وهو ينجو بالغابات والمناطق النائية لشهر على الأقل في كل حلقة، وبفضل خبراته تلك، فهو أفضل صياد بهذا الملجأ.

أمتلك أيضا شعر أبيض مائل للزرقة قليلا كما لو كان ثلج يغطي رأسه، وعينية الزرقاء أعطته جمالًا غريبًا كما لو كان ابن الثلج، ولولا أنه لم يكن مستعد للاعتناء بشخص أخر لأمتلك زوجة بالفعل بفضل قدراته.

تحت التوديع المتحمس من الناجين، خرج الثلاثة من الملجأ واتجهوا شمالًا إلى حيث تقع الغابة.

بسبب الزلاجة الثقيلة، استغرقوا أكثر من عشر ساعات للعودة من الغابة إلى الملجأ، رغم ركضهم بأقصى ما لديهم.

الآن، وبفضل الحمولة الخفيفة، لم يستغرقوا سوى ست ساعات فقط للوصول إلى الغابة وعبور الغطاء الثلجي الذي يغطيها.

"حسنًا جميعًا، يجب أن نكون هادئين وحذرين في كل خطوة. وأيضًا، لما لا نغطي ملابسنا بالطين لتشتيت رائحتنا؟" بمجرد دخولهم، همس ديف لكل من إدوارد وروبرت الشاحبين عند تذكر ما واجهوه في تلك الغابة.

لذا نظر روبرت وادوارد لديف بذهول، لم يكونا خبيرين بطرق النجاة بالبرية لكن لم يكونا احمقين، وبما انه من المعروف ان أكثر حاسة تستخدمها الحيوانات هي الشم، فمن الواضح لماذا تم رصدهم بهذه السهولة بالسابق.

بدون تردد، بدأ الثلاثة بالتنقيب بين الفطر والنباتات التي تغطي الأرض تحتهم للوصول إلى الطين ومسح ملابسهم به.

لم يهتموا بالاتساخ طالما أنه يزيد من فرص نجاتهم ولو قليلاً، فالثلاثة كانوا من الأشخاص الذين عاشوا كالفئران في العشرين عامًا المظلمة بعد الكارثة، لذا فبعض الطين لم يكن بشيء يذكر.

مرت ساعتان منذ دخل الثلاثة إلى الغابة وبدأوا البحث. بفضل خبرات ديف، استطاعوا تجنب الوحوش، ولكن لم يدم هذا طويلاً.

أمام الرجال الثلاثة، كان هناك ثعلب أبيض بحجم ذئب. كان الثعلب ينظر لهم بجشع ولعابه يسيل بالفعل. لقد حاولوا تجنبه عندما رأوه، لكن لسبب ما، يبدو أنه لاحظهم من وقت طويل، والآن قد كشف نواياه لهم.

بدأت المطاردة مع صوت عواء، فركض الثلاثة بأقصى سرعتهم، والثعلب المتحمس لطعامه خلفهم.

ركض الثلاثة بكل ما لديهم الممرات المختلفة بين الأشجار التي جعلت الغابة أقرب للمتاهة. أما خلفهم، فلم يتخلف الثعلب عنهم مطلقاً، ومهما حاولوا، كان لا يزال خلفهم، بل إنه يقترب منهم أكثر مع كل ثانية.

بالنسبة لإدوارد وروبرت، كل ما اهتموا به هو النجاة بحياتهم من الثعلب خلفهم، أما ديف، المعتاد على المطاردات، فحافظ على هدوء كافٍ لاكتشاف تواجد شيء غريب أثناء المطاردة.

رغم رشاقة وسرعة الثعلب المرتفعة لدرجة أنه أحيانًا كان يقفز من جذع شجرة لأخرى ليقطع عشرات الأمتار ببضع ثوانٍ، إلا أنه لم يصل إليهم بعد، كما لو أنه يحافظ على مسافة بينه وبينهم طوال المطاردة.

أيضًا، لاحظ ديف أن الثعلب كان يقوم بتوجيههم أثناء مطاردتهم. فإذا اتجهوا إلى اتجاه خاطئ، يقترب منهم ويمنعهم من الاستمرار ليعيد توجيههم حسب رغبته، كما لو أن هدفه ليس مطاردتهم حقًا، بل استدراجهم إلى مكان معين.

أخيرًا، لم يظل الثلاثة في الظلام لفترة طويلة، فبعد المرور عبر حاجز نباتي، وجدوا أنفسهم في مساحة شاسعة، وبها شجرة عملاقة وحيدة في المنتصف، تصل لارتفاع حوالي ثلاثين مترًا، وتغطي أغصانها وفروعها السقف لتنشئ منطقة واسعة يمكن بناء بعض البيوت فيها داخل الغابة.

بالفعل، كان هناك كوخ صغير مستقر جانب الشجرة، وبجانبه شاب بقرنين يقف هناك ويفحص جثة زومبي قام بتشريحها على طاوله خشبية امامه، وعلى الشجرة العديد من جثث الحيوانات المعلقة، عليها علامات التشريح، في مشهدٍ غريبٍ ومخيف.

بمجرد عبورهم الحاجز النباتي تجمد الثلاثة من المشهد، ولكن فجأة، قفز الثعلب من فوقهم وركض بسرعة إلى الشاب، وبدلاً من مهاجمته كما توقعوا، قام الثعلب بالعواء إلى الشاب وهو يفرك رأسه باليد الحرشفية للشاب في مشهد يبرز خضوع الثعلب التام.

"هل أحضرت عينات جديدة؟ همم، انهم أنتم؟"، قال فيكتور بهدوء عندما لاحظ الثلاثة المذهولين، وقد تعرف بالفعل على روبرت وإدوارد.

"لم أتوقع زيارة أي ضيوف، لذا فالمكان فوضوي قليلًا. لا تقفوا هناك هكذا، فأنتم ضيوفي"، قال فيكتور بابتسامة هادئة وهو يشير لهم بالتقدم.

نظر الثلاثة إلى فيكتور، ثم إلى الثعلب الذي وجد مكانًا للاستراحة فيه، ثم إلى بعضهم البعض، بعدها، وبدون أي تردد، بدأ إدوارد بالتقدم بالفعل.

"شكراً لك على استقبالنا، سيد فيكتور"، قال إدوارد وهو يمد يده إلى فيكتور، وبالفعل قام فيكتور برد تحيته، مما جعل جسد إدوارد يرتجف قليلاً بسبب ملمس الحراشف الباردة، كما اتبعه روبرت وديف بعد بعض التردد.

"آسف على هذا، لكن لا يوجد كراسي، لذا سنجلس على الأرض. هل ترغبون ببعض الشاي؟"، صدم الثلاثة من السؤال. شاي في هذا العالم؟ بالكاد وجدوا أي طعام لتناوله، ولكن الآن، فيكتور يقترح عليهم شيئاً لم يكن موجوداً سوى قبل الكارثة، وطريقة اقتراحه كانت هادئة ومريحة بشكل غريب كما لو كانوا جيران أتوا لزيارته والتعرف.

ابتسم فيكتور عند ملاحظة الحيرة على وجوه الثلاثة، وبدون انتظار رد منهم، توجه إلى داخل الكوخ قائلاً: "أمهلوني دقيقتان"، وبالفعل، بعد دقيقتين فقط، خرج ومعه أربعة أكواب خشبية.

قدم فيكتور لهم ثلاثة أكواب من مشروب رائحته قريبة من رائحة الشاي، وبينما جلس معهم على الارض قال: "قمت بدراسة مختلف النباتات في هذه الغابة، وبعد بعض التجارب، عثرت على وصفة مشابهة بالطعم للشاي القديم. رجاءً، تذوقوه وأخبروني برأيكم".

تردد الرجال من الشرب مباشرة بسبب لونه الأخضر الغريب، وقد كانوا متشككين، ولكن بعد بعض التردد بدأوا بالفعل بأخذ رشفات صغيرة من الأكواب التي تبعث بخاراً، مما جعل عيونهم تلمع في مفاجأة، بينما قالوا جميعا في نفس الوقت: """لذيذ!""".

بدأ الثلاثة بأخذ جرعات كبيرة بحماس، والطعم المألوف ذكرهم بالماضي الهادئ قبل الكارثة، مما جعل الدموع تتلألأ في أعينهم. لكن فجأة، توقف ديف ونظر إلى فيكتور بتردد، ثم سأل: "سيد فيكتور، من أين لك السكر؟". وبالفعل، أدرك إدوارد وروبرت أن شيئاً ما غريباً في المشروب اللذيذ.

توقف الثلاثة عن الشرب ونظروا إلى فيكتور بشك، مما جعله يتنهد ويقول، بينما أشار إلى الشجرة الضخمة خلفه: "تمتلك هذه الشجرة عصارة لزجة سكرية تشبه العسل، لذا أستخدمها لإضافة الطعم الحلو إلى المشروب، لكن لا تقلقوا فليست ضارة. ألم يعجبكم؟".

ذهل الجميع مجدداً من خيرات الغابة الغامضة وقدرة فيكتور على استغلالها. كان هذا شاي، شايًا لعينًا بعد الكارثة! ورغم كونهم رجالاً، إلا أنهم كادوا يبكون بالفعل من تذوق المشروب المألوف.

نظروا إلى بعضهم مجدداً، وقد اتخذوا القرار بالفعل. كان الثلاثة من معارضي حكم ديفيد للملجأ، ولكلٍّ منهم أسبابه. لذا، مقارنة بديفيد، فالرجل الذي روّض أحد وحوش الغابة وصنع شايًا بعد الكارثة هو قديس خُلق لظروف كهذه.

أثناء ضيافة فيكتور لهم، قدّم لهم لحوماً مشوية مع توابل وخضروات من نباتات الغابة، مما جعلهم يبكون حقاً من شدة تأثرهم بالطعام المألوف فكل ما أكلوه كان لحوم جرذان وقطط مشوية على النار أو طعام معلب منتهي الصلاحية.

أثناء الضيافة بدأ الثلاثة بالتحدث مع فيكتور عن الملجأ، وعن ديفيد، وعن رغبتهم في أن يصبح قائدهم. وبالمقابل، استمع فيكتور لكل معلومة بوضوح.

لقد تحدثوا بصراحة تامة، وأجابوا على أسئلة فيكتور بصدق، فرغبتهم كانت صادقة. وإذا نجحوا في إقناعه، فبقوته الوحشية يمكنه إبادة الملجأ، وليس حكمه. لذا، لم يريدوا جلب شيطان معهم، بل مخلص.

أخيراً، بعد الانتهاء، انتظروا إجابة فيكتور بتوتر وقلق. لقد أرادوا حقاً شخصاً كهذا ليقودهم نحو الأمل، ولكن بالمقابل، كانوا خائفين من أن يكون شيطاناً متنكراً، يقودهم إلى يأس أعمق مما هم به بالفعل.

أما فيكتور، فكان يتأمل بصمت في المعلومات الجديدة. ولقول الحقيقة، كان مهتماً بالملجأ، ليس لقيادة الناجين بالتحديد، بل لدراسة كيفية حياة البشر بالكارثة. فرغم أن لديه فكرة، إلا أنها مستمدة فقط من القصص والروايات وأفلام نهاية العالم المحفوظة في السجلات المحملة بذكرياته.

أخيراً، لم يصمت فيكتور طويلاً، وبدأ التحدث بابتسامة هادئة: "لست مهتماً حقاً بالقيادة، لكن من أراد اتباعي، فليكن. من ناحية أخرى، فأنا مهتم بالدر— أقصد، برؤية ملجأكم هذا".

كانت إجابته جيدة نوعاً ما، لكن الزلة في كلامه فاجأت الثلاثة حقاً. كاد أن يقول إنه مهتم بدراستهم، أليس كذلك؟ من وجهة نظر مشرقة، فهذا يعني أنه ليس مهتم باستعبادهم، لذا فقد تجنبوا أسوأ احتمال. خصوصاً أن زلّته تعني أن هذه هي نيته الحقيقية التي حاول إخفاءها، وبالتالي يمكنهم الوثوق به... أليس كذلك؟ لذا ومع تنهيدة مرتاحة، قرروا أخذه معهم.

’يبدو أن الحمقى الثلاثة قد صدقوا’، فكر فيكتور بذلك وملامحه لم تتغير. أجل، كانت زلته مقصودة لخداعهم، فهو كان سايبورغ وليس بشرياً. لذا، قبل التحدث، كان قد فكر بكلماته الاف المرات قبل قولها.

بالنسبة لنية فيكتور الحقيقية، فكانت فعلاً دراستهم، لكن ليس من بعيد. العالِم في المختبر لا يترك الفأر يفعل ما يحلو له أثناء دراسته، بل يضعه في مختلف التجارب. وهذا ما كان فيكتور ينوي فعله بالناجين، ولينجح في ذلك، عليه قيادتهم أولاً.

"خوان ميكيل ماساروتشي الأول، أحضر العربة لنتحرك"، نادى فيكتور على الثعلب تحت نظرات الرجال الحمقاء من الاسم الغريب. وبالفعل، قفز الثعلب من مكانه إلى منطقة خلف الكوخ.

***

"سيد فيكتور؟ أليس هذا كثيراً؟"، قال ديف وهو ينظر إلى جبل الأغراض التي وضعها فيكتور على العربة الثلجية، بينما نظر إدوارد وروبرت بشفقة إلى الثعلب الذي يعوي بتوسل لسيدة لتخفيف الحمولة دون أي استجابة.

نظر فيكتور إلى جهاز التصادم الذري بحجم الميكروويف والطابعة المجهرية بحجم ماكينة الطباعة دون اهتمام بكلمات ديف. أثناء مكوثه في الغابة، ذهب إلى المنشأة وأحضر العديد من الأجهزة المختبرية الحديثة لمساعدته في اختباراتِه.

في النهاية، قرر فيكتور التخلي عن جهاز التصادم، فبإمكان الطابعة المجهرية طباعة واحد إذا توفرت الموارد. وتحت نظرات الثعلب والرجال المصدومين، حمل فيكتور الجهاز الذي يزن نصف طن بيديه بسهولة ووضَعه على الزلاجة.

بالنسبة للثعلب، فكان حزين لأنه سيضطر لجر هذا الشيء الثقيل مع جبل الأغراض، بينما ارتبك الرجال من قدرت فيكتور على حمل شيء بهذا الحجم والثقل دون مشاكل. حتى أن قدميه غرست بالأرض الطينية بسبب الوزن.

في النهاية، لم يعترض الثعلب وبدأ بالفعل بالجر، فهو يعلم أنه سيصبح أحد الجثث المعلقة على الشجرة إذا قرر فيكتور أنه بلا فائدة.

"حسننا، فالنذهب".

2025/02/08 · 6 مشاهدة · 1662 كلمة
Ouroboros
نادي الروايات - 2025