كل الأجساد حولهم كانت ممددة، أنفاس ثقيلة تتلاشى في الصمت.
الهالة السوداء التي أطلقها تشاي لم تختفِ بعد، بل تحولت إلى ستار يلتف حوله كملك في عرش الظلام.
شيماء كانت الوحيدة التي ما زالت واقفة.
صدرها يرتفع وينخفض بسرعة، شعرها المبعثر ملتصق بوجهها من العرق، لكن عينيها لم تخفتا.
بل… ازدادتا اشتعالًا.
تشاي رفع نظره إليها، خطواته بطيئة، هدوءه كالموت القادم.
حين اقترب لمسافة ذراع… اخترقت أصابعه الهواء بسرعة لم ترها عين بشرية، وانغرست مباشرة في عينها اليسرى.
صرخة من الألم والشراسة خرجت منها، لكنها لم تتراجع، بل رفست بقدمها الأرض فانفجرت موجة غبارية أرجعت تشاي خطوة إلى الوراء.
بقي إصبعه مغطى بدمها، وهي أغمضت الجفن المصاب وأطلقت كل قوتها دفعة واحدة.
زهور الموت الثلاث ظهرت، لكن لم تعد كما كانت…
هذه المرة كانت تسعة، كل واحدة منها ضخمة كبرج، جذورها تلتف حول المباني المحطمة، وبتلاتها مفتوحة تكشف عن أفواه مليئة بأسنان نباتية حادة.
الجذوع انقضّت من كل اتجاه، بعضُها كسياط، وبعضُها كرماح، وبعضُها كأفواه تحاول تمزيق لحم تشاي.
تشاي تحرك.
لم يكن يصد فحسب، بل جسده كان يختفي من مكان ويظهر في آخر في أجزاء من الثانية.
ركلة إلى جذع… تحطمه نصفين.
لكمة إلى بتلة… تطير كالرماد.
لكن الزهور لا تتوقف، كلما حطم واحدة، تنبت أخرى من تحت قدميه.
السرعة المجنونة
شيماء ظهرت فجأة أمامه، يدها تلمع بخنجر من نور، ضربت على عنقه، لكن يده أمسكت معصمها قبل أن يلمسها النصل، وأدارها نصف دورة، ثم ركل بطنها حتى تحطم جدار خلفها.
لم يمنحها ثانية، اندفع خلفها… لكنها استقبلته بركلة في صدره جعلت الهواء ينفجر من حولهما.
كلاهما كان يتحرك بسرعة لدرجة أن الشوارع الضيقة تحولت إلى خطوط ضوء وظل، صدى الضربات يسمع بعد لحظة من وقوعها، كأن الزمن نفسه يتأخر ليلحق بهما.
ركبة شيماء ضربت كتف تشاي، لكنه أمسكها بيده اليمنى، وأدارها ليصدمها بالأرض، فالأرض تحتها انهارت لثلاثة أمتار عمقًا.
المباني القديمة التي كانت شاهدة صامتة على المعركة بدأت تسقط واحدًا تلو الآخر، النوافذ تتحطم بانفجارات الضغط، والغبار يغطي السماء حتى صار النهار يشبه منتصف الليل.
شيماء، بوجه نصفه مغطى بالدم، أطلقت التسعة زهور دفعة واحدة لتطبق عليه من كل الجهات كقفص من الموت.
تشاي لم يتراجع، بل اندفع للأمام، يده اليمنى اخترقت جذع الزهرة الأولى، اليسرى مزقت الثانية، قدماه تسحقان الثالثة والرابعة، وفي أقل من ثانية صار وسطها جميعًا.
حين أطبقت عليه البتلات من جديد… لم يكن هناك انفجار هذه المرة، بل هدوء قاتل.
شيماء ابتسمت، ظنت أن جسده تفتت داخلها.
لكن…
من بين البتلات، ظهر وميض معدني صغير… خنجر أسود، لم تره من قبل، لا تعرف متى أو من أين أتى.
في اللحظة التي لاحظته فيها… كان قد اخترق عنقها حتى النصل.
الوقت تجمد.
دمها انسكب على الخنجر، يده الأخرى أمسكت كتفها وأجبرتها على النظر في عينيه.
لا كلمة، لا رحمة، فقط نظرة باردة كما لو كان ينهي مهمة روتينية.
حين سحب الخنجر، سقط جسدها ببطء، زهور الموت حولها ذبلت في لحظة، كأنها فقدت الروح.
تشاي مسح النصل على ردائه، وأعاد الخنجر إلى مكان لم تره قط…
الريح كانت تعصف بين جدران الحي المهجور، حاملة رائحة الدم والدخان.
شيماء ركعت على ركبتها، يدها تضغط على عنقها الذي ينزف بغزارة.
كل ما حولها ضباب أحمر، أنفاسها ثقيلة، صدرها يرتفع وينخفض كمن يختنق.
في لحظة وعي مشوشة، رأت وجه ماركس، زوجها، يقف أمامها كما في يوم زفافهما.
ابتسمت… دمعة ساخنة نزلت من عينها، تلمع تحت الضوء المكسور الذي يتسلل من بين الأبنية.
همست بصوت يكاد يختفي:
> "هو… وحش… حتى وأنا من تصنيف S… لم يستعمل… 5% من قوته…"
ثم التفتت، بصعوبة، نحو الأطفال المستلقين أرضًا.
كلماتها الأخيرة خرجت ببطء، ممزوجة بالدم:
> "اهربوا…"
وفي اللحظة التالية… تهاوى جسدها على الأرض بلا حياة.
زهور الموت التي كانت خلفها تفتحت للحظة ثم ذبلت فجأة، وكأنها فقدت الروح.
غضب غاندي
صرخة شقت سكون الحي:
> قاتل !"
غاندي كان أول من نهض، يداه تتضخمان بشكل غير طبيعي، العروق تبرز وكأنها حبال فولاذية تحت جلده، أصابعه تتحول إلى مطارق بشرية.
خطا خطوة للأمام… الأرض تحت قدمه تشققت من وزنه وقوة اندفاعه.
انطلق، قبضتاه تضربان الهواء بقوة تكسر جدار الصوت، كل ضربة قادرة على نسف رأس بشر في لحظة.
لكن تشاي لم يتحرك، فقط عيناه تتبعتاه ببرود.
غاندي قفز في الهواء، قبضته اليمنى تهبط بسرعة كالصاعقة نحو وجه تشاي.
وفي اللحظة التي كادت فيها الضربة أن تلامس بشرته… اختفى.
ومضة…
ثم ظهر خلفه، بيده اليمنى رأس غاندي، وبيده اليسرى رأس ألكس الذي لم نر حتى كيف مات.
قطرات الدم تتساقط من بين أصابعه، ترتطم بالأرض مثل قطرات مطر ثقيل.
رماهما على الأرض وكأنهما لا يساويان شيئًا.
آلما لم تتراجع.
أربعة سيوف من النور المشتعل ظهرت حولها، تدور كأجنحة ساطعة، كل سيف يهتز بطاقة تكفي لقطع جدار من الفولاذ.
صرخت وهي تندفع:
> "سأمزقك إربًا!"
سرعتها كانت كالشهب، تقطع من عشرة اتجاهات في لحظة، كل حركة مدروسة لقطع كل طريق على خصمها.
لكن تشاي كان كظل يذوب أمام النور.
بخطوة واحدة، وجد نفسه أمامها مباشرة، ثم مرّ بجانبها بلا أن يلمسه أحد.
أوقفت آلما خطواتها للحظة… ثم انهار جسدها إلى نصفين، قطع نظيف جعل الدم ينفجر كسيل أحمر على الجدران.
سيبرو كان يرتجف، لكنه فتح حقيبته وأخرج كل القوارير مرة واحدة.
ألوان مختلفة تملأ الجو — أزرق سام، أخضر حارق، بنفسجي يقتل باللمس، أصفر يخترق الرئة.
المكان كله تحول إلى غيمة موت.
لكن من وسط الضباب السام، كانت عينان سوداوان تتقدان بثبات.
خطوة… أخرى… ثم فجأة يد اخترقت جمجمة سيبرو حتى المعصم.
الأصابع ضغطت، وكأنها تعصر ثمرة فاسدة، ثم سحبت يده ببطء، ليهوى سيبرو على الأرض بلا كلمة.
جين كان يراقب، جسده يرتجف بلا تحكم.
هو يعرف… يعرف أن هذه النهاية لا يمكن تجنبها.
دموعه تسيل وهو يهمس لنفسه:
> "لن أسمح له بلمسي…"
مد يديه إلى قلبه، وضغط بكل قوته.
نبضاته توقفت، وعيناه انطفأتا.
سقط للأمام، جسده يصدر صوت ارتطام مكتوم.
بقي كيم وحده.
العرق يبلل وجهه، قدماه تتراجعان خطوة بخطوة.
> "لا… لا أريد… لن أموت…"
ابتسامة خافتة ارتسمت على وجه تشاي، ابتسامة رجل يعرف أن الفريسة انتهت.
وفجأة… كل شيء صار أسود.
الهواء ثقيل… أصوات صراخ تأتي من كل الجهات، أرواح تمزق، همسات لا تُفهم، ظلال تتحرك على أطراف الرؤية.
هذا هو المجال المظلم.
في وسطه… ظهرت أربعة نرود سوداء تحوم حول تشاي، ثم غرست في الأرض.
ومنها خرجت أربع نسخ منه، تتحرك بنفس السرعة والبرودة، كأن الموت نفسه تكرر.
كيم أطلق مهارته المسروقة، لكن تشاي رفع حاجبه قليلًا:
> "دومينو… أسلوب إيفا. من أين حصلت عليه؟"
لم يجب كيم.
اقترب تشاي منه، خطواته بطيئة، ثقيلة، لكنها تحمل وعدًا بالموت.
> "انضم إلى خدم عائلة أودجين… مهارتك فريدة… السرقة ، إيفا ستفرح بذالك ."
كيم، وعيناه مليئتان بالرعب، انحنى رأسه:
> "أ… أقبل…"
النسخ الأربعة اختفت في الهواء، والمجال المظلم انهار فجأة، وكأن أحدهم أزال سقف الجحيم.
تشاي استدار وغادر، وكيم تبعه، فيما خلفهما لم يبق سوى الخراب… الجثث… والدماء التي ما زالت ساخنة.