المدينة لم تنم تلك الليلة، لكنها استيقظت على صرخات لم تُسمع من قبل.
الشوارع الخالية، التي كانت تحيط بالحي المهجور، امتلأت فجأة بصدى أخبار قاتمة كالكابوس.
الريح كانت تحمل معها همسات الحزن والخوف، والأضواء الباهتة تتراقص على جدران المباني المتهالكة، كأنها ترقص على أنغام مأساة جديدة.
في زاوية من المدينة، تجمع الناس، وجوههم متجعدة من الصدمة والذهول.
الحديث يدور بسرعة النار في الحطب، والألسنة تتحدث بما لا يُقال بصوتٍ عالٍ، وكأن الكلمات ستخفف ثقل الألم.
أجساد الأطفال الخمسة، ملقاة بلا حراك، كانت شاهدة على جريمة لا تُصدق.
معلمة شيماء، المرأة التي كانت رمز القوة والحماية، سقطت معهم في حادثة غامضة لا يجرؤ أحد على تفسيرها.
المختبرون الذين رافقوها، كانوا جزءاً من لغز أكبر، غموض لا يحتمل، وأسرار تكتنف المكان.
في قاعة الأخبار، شاشات التلفاز تنقل الصورة مراراً وتكراراً.
وجوه الأطفال، نظراتهم التي لم تكتمل، تحاصر الجميع.
الناس يتساءلون، ينظرون إلى بعضهم البعض بعينين مليئتين بالخوف والحزن.
المنظمة، التي لطالما كانت سداً منيعاً أمام الأسئلة، رفضت أي تعليق.
أمرٌ صدر من أكاي، الصامت الذي لا يظهر إلا في اللحظات التي تُقرر فيها مصير الجميع.
رفض الرد زاد من نار الغموض، وبث الرعب في قلوب الكثيرين.
الصحفيون يجوبون الشوارع، يسعون للحصول على أدلة، يطرقون أبواب منازل الشهود، لكن الجميع كان صامتاً، كأنهم جميعاً يشتركون في سر لا يمكن البوح به.
الصحف رفعت عناوينها بخطوط عريضة:
"حادثة غامضة تزهق أرواح خمسة أطفال ومعلمتهم في الحي المهجور"
"المنظمة تلتزم الصمت وسط ضجة الرأي العام"
صوت المذيعين يعلو على موجات الراديو، ينقلون تفاصيل الحادثة بحدة لا تخلو من الأسى.
تحليل الخبراء يتحدث عن مؤامرات، عن تجارب سرية، عن فوضى مُدارة بعناية تحت سطوة الغموض.
لكن في القلب، كان الألم هو الصوت الوحيد الذي لا يخبو.
بينما يطرق الصحفيون أبواب الشهود، يقابلهم الصمت الحاد أو عيون مغمضة تخشى الفضيحة،
على الأرصفة، كان الناس يتجمعون حول مجموعات صغيرة، يتبادلون الحكايات المشوشة عن اختفاء المعلمة شيماء، عن المختبرين الذين ظهروا في اللحظة الأخيرة،
لكن لا أحد يملك إجابة، فقط ظلال خوف تتسلل بين الكلام.
في المقاهي، وفي الشوارع، وفي أحاديث المساء، كانت المدينة بأكملها تئن تحت وطأة السؤال الكبير:
"من المسؤول؟ ومن سيحاسب؟"
وأمام هذا الوجع المتفجر، تقف الظلال في الحي المهجور صامتة، تذكر من يعرف الحقيقة بأن الأبطال الذين سقطوا كانوا فقط بداية لعاصفة لم تُشعل بعد.
مدينة بأكملها تشتعل، لكن ليس بالنار، بل بالشكوك
والآلام.
كل زاوية تحمل همساً عن الألم، وكل نفسٍ تلهث بحزن دفين.
وفي أعماق الحي المهجور، حيث كانت تدور المعركة الوحشية، بقيت الظلال تحكي قصة لم تنتهِ بعد،
قصة دماءٍ لم تجف، وأرواحٍ ما زالت تنتظر العدالة،
ولكن بين صمت المنظمة ونظرات أكاي الباردة، بدا أن الحقيقة ستظل حبيسة في الظلام.
في أحد أركان المنظمة، بعيدًا عن أعين الجميع، كانت غرفة صغيرة مظلمة تكاد تختنق بصمتها الثقيل.
داخلها، وجدوا سون، مربوط اليدين والساقين، فمه محكم الربط بشريط أسود، عيونه تتلمس الجدران بعجز.
الجسد متعب، والروح لم تستسلم بعد.
((ومضة))
، دخلت بلاك داون، عيونها باردة لا تعكس سوى حزم غير معلن.
اقتربت من باب الغرفة، تحدثت بصوت منخفض موجهة إلى شخص غير مرئي:
> "راغنا، افعل ما يجب. لا نريد لسون أن يشارك في خطة شيماء حتى تنتهي."
راغنا، الذي يقف في الظل، هز رأسه بلا اعتراض.
كان يعلم أن هذه الأوامر من الأعلى، وأن الأمور أكبر من مجرد خطة عابرة.
لم تكن بلاك داون تريده أن يكون جزءًا من الخطة ليس فقط لأنه ابن موريس، بل لأنها تعتبره مسؤوليتها، والوصاية التي وعد بها موريس تجعلها حامية عليه.
((ومضة أخرى))
، أخبرت بلاك داون إلى باقي الأطفال، مخفية امر :
> "سون لم يُترشح للاختيار النهائي ، لأنه ليس مؤهلاً."
بعد ساعة
الضوء الباهت يتسلل من نافذة الغرفة الصغيرة، حيث يجلس سون متعبًا، عيناه تحملان أثقال ما رأى وما عاش.
في غرفة المراقبة، أمام شاشة فيديو، يبدأ يروي القصة التي لم تُروَ من قبل، القصة التي تحمل في طياتها الألم والخيانة والأمل.
بصوت متقطع لكنه صادق، قال:
> "منذ أول يوم في الاختبار، كان كل شيء مخططًا له بدقة، لكن لم نكن نعلم أن النهاية ستكون هكذا…"
تحدث عن بداية التجربة، عن الأحلام التي ملأت قلوبهم، وعن لحظة الانهيار،
عن المعارك التي خاضوها، وعن سقوط رفاقه واحدًا تلو الآخر.
كانت هناك سبعة ناجين في البداية، لكنه أكد:
> "هناك ناجي آخر… كيم. هو الأخير الذي نجح معنا، لكن لا أحد يعرف مكانه الآن."
صوته خفت للحظة، ثم أضاف بنبرة تحمل شكًا قاتمًا:
> "منذ البداية… كنت أشك به… كيم… أعتقد أنه خان المجموعة."
أعاد تشبيه اللحظات التي لاحظ فيها التغيرات في تصرفاته، الصمت الغريب، وكيف أن مهاراته التي سرقها لم تكن دائمًا تستخدم لصالحنا.
في وسائل التواصل الاجتماعي، بثّ سون قصته كاملة، كان الوحيد الذي خرج من الظلام ليخبر الجميع، ليكشف الحقيقة التي حاول الآخرون دفنها.