الغبار كان ما زال يتساقط من السماء كرماد معركة انتهت… لكن الصوت القادم من الخلف لم يكن صوت الرياح.
كان نبضًا، نابضًا بالحياة، يشتدّ… ويشتدّ… حتى انفجر بهالة ضوء أخضر من وسط الحي المهجور.
كيم وقف، عيناه تلمعان، وعلى صدره رمز غريب يتوهج.
من بين أصابعه انطلقت موجات خضراء، تتخلل أجساد الجميع.
الجروح انغلقت، العظام التأمت، التنفس عاد، والعيون التي كانت خامدة قبل ثوانٍ اشتعلت من جديد.
مهارة مسروقة… مهارة الشفاء، لكنها هنا كانت أشبه بإعادة إحياء الموتى.
آلما نظرت إلى تشاي، قبضتها تشد على مقبض سيوفها النورانية الأربعة، وقالت بصوت يقطر غضبًا:
> "لم يستعمل حتى مهارته… ومع ذلك، لم نستطع لمسه."
غاندي لوى عنقه، عضلات ذراعيه تتضاعف حجمًا حتى صارت كجدارين من اللحم، والشارع كله انحنى تحت ظل يديه.
سيبرو أخرج سبع قوارير دفعة واحدة، كل واحدة منها بلون أكثر سمّية من الأخرى، وفتحها ببطء…
ألكس أدار سيفه الأبيض، وكل حركة تصنع خمسين خطًا في الهواء قبل أن يراها البصر.
جين قبض يده، وابتسامة خبيثة ارتسمت وهو يعلم أن أربع ثوانٍ من قوة تشاي الجسدية قد تكفي لقلب كل شيء.
شيماء وقفت في الخلف، لا تتحرك… لكن ظلها امتد وكأنه ينتظر لحظة واحدة لينقض.
ثم… تحركوا.
الحي كله اهتز.
غاندي اندفع أولاً، قبضته تهوي مثل سقوط جبل، وتشاَي يتراجع نصف خطوة، يصدّها بكوعه فتتناثر الشظايا من الأرض تحت أقدامهم.
في نفس اللحظة، آلما كانت فوقه، أربعة سيوف تهاجم من زوايا مستحيلة، كل واحدة منها تتحرك بسرعة كأنها يد منفصلة، لكنه انحنى، داس على الجدار، ودوران جسده جعل السيوف تمرّ بجانبه وتقطع عمودًا حديديًا نصفين.
قبل أن يلمس الأرض، انفجرت الغيوم السامة من قوارير سيبرو، سبعة ألوان تلتف حوله في دوامة خانقة، لكن تشاي مرّ بينها مثل طيف، كل رائحة تحاول لمس جلده، وتفشل.
ألكس أطلق موجاته القاطعة، خمسون في الثانية، تلتهم ما تبقى من الجدران والسيارات المهجورة، لكن كل موجة تمر حيث كان تشاي قبل أقل من رمشة عين.
ثم جاء دور جين…
لمسة واحدة على كتف تشاي، وفجأة… وزنه ازداد، قوته الجسدية سُحبت، أربع ثوانٍ كان جسده فيها أضعف مما كان منذ ولادته.
لكن حتى في ضعفه…
لم يسقط.
كان يتحرك بالسرعة نفسها، يصد الضربات، يلتف بينهم، وركلة واحدة منه أطاحت بسيبرو وسط الجدار، ولكمة أسقطت ألكس أرضًا، وغاندي وجد نفسه ممددًا قبل أن يكمل هجومه الثاني.
الثواني الأربع انتهت.
القوة عادت، ومعها زأر الصمت الذي يسبق الإعصار.
شيماء تحركت أخيرًا.
زهور الموت الثلاث ظهرت في لحظة، جذوعها تلتف من كل الجهات، والحي كله انغلق على تشاي.
لكن هذه المرة… لم ينتظر حتى تبتلعه.
قفز، دفع جذعًا نحو الآخر حتى انفجرت البتلات، قبض على جذع ثالث، ولوى عنقه حتى تحطم كعظم رقيق، ثم هبط أمام شيماء مباشرة، والهواء حوله كان يشتعل من سرعة جسده.
انفجار ترابي هز المكان، والجميع وجد نفسه أرضًا، غير قادر على النهوض مرة أخرى.
وسط الحطام… تشاي واقف، لم يتحرك صدره إلا قليلًا، وكأن كل هذا الهجوم لم يكن سوى نزهة.
الهواء كان مشبعًا برائحة الغبار والحديد، أنفاس الجميع ثقيلة، خطواتهم مترددة.
تشاي وقف وسط الركام، يزيح ذرات التراب عن كتفيه ببطء، وعيناه خاليتان من أي انفعال.
رفع رأسه قليلًا، صوته خرج ببرود قاتل:
> "لقد مرت الدقيقتان اللتان أعطيتُكما لكم… حان الوقت لقتلكم."
الأرض تحت قدميه ارتجفت، ثم تصاعد من جسده دخان أسود كأن الظلام نفسه تسلل من بين مساماته.
الهالة السوداء تمددت مثل ليل حيّ، كثيفة، ثقيلة، تضغط على الصدر حتى يصير التنفس فعلًا مؤلمًا.
غاندي كان أول من تحرك، يده العملاقة تهوي، لكن قبل أن تقترب من رأس تشاي… تباطأت.
العضلات التي كانت تنفجر بالقوة قبل لحظة صارت ثقيلة كالرصاص، وكل ضربة وكأنها تسحب من روحه قطعة.
عيناه اتسعتا:
> "ما… ما الذي يحدث…؟"
آلما اندفعت بأربعة سيوفها، تقطع الهواء بخطوط من النور، لكن كل خطوة أقرب من تشاي جعلت ذراعيها أثقل، كأن السيوف تتحول إلى أعمدة حجرية.
تعرّق جبينها، أنفاسها تلهث، ولم تلمس حتى أطراف ثيابه.
سيبرو فتح كل قواريره دفعة واحدة، سبعة عشر لونًا من السموم امتزجت في عاصفة قاتلة، لكن الهالة السوداء ابتلعتها في لمح البصر، وكأنها لم تكن يومًا.
ألكس أطلق موجاته القاطعة، عشرات منها في الثانية، لكنها ضعفت قبل أن تصل، تتحطم في الهواء كأنها تضرب جدارًا غير مرئي.
جين حاول أن يلمسه… لكن أصابعه توقفت قبل أن تصل، جسده كله يصرخ من الداخل، الطاقة التي سحبها سابقًا لم تعد تكفي لرفع يده.
كيم، رغم كل مهاراته المسروقة، شعر وكأن داخله يُفرغ في حفرة بلا قاع.
ركبته ارتجفت، وعيناه لم تستطيعا النظر مباشرة في عيني تشاي.
تشاي… لم يتحرك خطوة واحدة.
كان واقفًا في نفس المكان، عيناه لا تومضان، يتركهم ينهكون أنفسهم حتى تنهار أجسادهم.
كل من يقترب منه يخرج منه أضعف مما دخل، وكأن الهالة السوداء تمزق القوة من جذورها.
وفي النهاية…
سقط غاندي على ركبتيه.
آلما أسقطت سيوفها.
سيبرو انهار وهو يلهث.
ألكس لم يستطع رفع سيفه.
جين انحنى كأنه يحمل جبالًا فوق ظهره.
كيم تراجع خطوتين، ثم سقط أرضًا، عيناه نصف مغلقتين.
تشاي تنفّس بهدوء، وكأن المعركة لم تبدأ أصلًا، وهمس بصوت يكاد يقطع الهواء:
> "الآن… انتهى الوقت."