الحيّ كان يتنفس دخانًا وغبارًا… كل الألوان اختفت، وبقي الرمادي سيد المشهد.
لكن وسط الضباب، ظهر تشاي.
عيناه ثابتتان، كتفاه منخفضتان، وشيء في الهواء تغير… لم يعد ينتظر.
غاندي هدر بصوت معدني وهو يرفع قبضته المتضخمة.
لكن تشاي اختفى من أمامه.
ظهر خلفه، وركل مؤخرة ركبته بركلة قصيرة.
الركبة انكسرت للخارج بصوت كسر زجاج، وغاندي سقط على جانبه قبل أن يدرك ما حدث.
آلما قفزت من أعلى أنقاض، سيوف النور تدور كدوامات حولها.
لكن تشاي مد يده، أمسك معصمها في الهواء، لف جسدها بدوران واحد، وأسقطها على الحائط المقابل حتى غاصت نصف جسدها في الجدار.
سيبرو فتح قارورة جديدة… لكنها سقطت من يده قبل أن تنكسر.
تشاي كان قد ضربه في الصدر بقبضة قصيرة، كل الهواء خرج من رئتيه دفعة واحدة، وارتطم بباب حديدي حتى انغلق عليه.
كيم كان يطلق مهارات مسروقة يمينًا ويسارًا، لكن تشاي كان أسرع من الضوء المنبعث.
ركلة في البطن، دفعة بالكتف على الوجه، ثم ضربة بالمرفق على جانب الرقبة… كيم انهار بلا صوت.
ألكس حاول أن يرفع سيف تاباي… لكنه لم يره يطير من يده.
تشاي كسر توازنه بخطوة في الركبة، ثم لكمه على الفك ضربة واحدة جعلته يسقط فاقدًا الوعي.
جين كان الأخير… ابتسم ظانًا أنه سيلمس كتف تشاي ليسرق قوته.
لكن قبل أن تكتمل الحركة، كان تشاي قد لف ذراعه حول عنقه من الخلف، ثم دفعه أرضًا بحركة إسقاط، وتركه بلا حراك.
الحيّ صار صامتًا.
الأطفال الستة ممددون بين الركام، بعضهم فاقد الوعي، وآخرون يأنون بضعف.
والوحيدة التي بقيت واقفة… شيماء.
خطت خطوة للأمام، شعرها يتمايل مع تيار ساخن من الهواء، وعينيها تتوهجان ببرودة قاتلة.
"كنتُ أنتظر هذا."
أرضية الحي انشقت تحت قدميها، وثلاث زهرات موت انبثقت دفعة واحدة، جذوعها تشق الأرض وتلتف على الجدران، والبتلات العملاقة تتفتح كأفواه وحوش عطشى.
تشاي انطلق…
حركته لم تعد مجرد سرعة، بل سلسلة ومضات تتنقل بين الزهور، قدماه تترك حفرًا في الأرض مع كل خطوة، يده تضرب بتلة وتدفعها جانبًا، جسده ينحني أسفل جذع يقطع الهواء.
شيماء ظهرت أمامه فجأة، جسدها يندفع بقوة تكفي لإسقاط مبنى.
لكمة!
تصدى لها تشاي براحة يده، والصدمة جعلت الشارع يهتز ويتشقق بينهما.
رفست بقدمها… التف حولها، ضرب كتفها من الخلف، لكنها دارت كالبرق وضربت بقبضتيها معًا.
تصادمت قبضتهما، وانفجر الهواء حولهما، شظايا الحجارة تطايرت كرصاص.
الزهور تحاول ابتلاعه، لكنه يمر بينها كظل، وكلما اقتربت منها، كان يقابلها بدفعة جسدية تدفعها للانحراف.
هي تضرب بركبة، يصد بساعد.
هي تهوي بقبضة، يختفي من تحتها ويظهر خلفها، ثم يركلها على الخصر، فتنحرف لتضربه بمرفق نحو وجهه.
كل حركة بينهما كأنها تحدث في زمن غير زمن البشر.
شيماء أطلقت ثلاث زهرات أخرى في نفس الثانية، حتى صار الحي غابة قاتلة، جذور تضغط الجدران حتى تنهار، وبتلات تغلق على كل فراغ.
لكن تشاي كان يتحرك وسطها كأنه يعرف مسار كل واحدة قبل أن تتحرك.
ضربة منه على ذراعها جعلتها ترتجف للحظة، لكنها ابتسمت… ثم ردت بلكمة على صدره جعلته يتراجع نصف خطوة.
الهواء بينهما صار يشتعل من الاحتكاك.
الأرض لم تعد تتحمل.
كل خطوة من تشاي وشيماء كانت زلزالًا مصغّرًا، وكل ضربة بينهما تفجر الهواء كقنبلة هوائية.
شيماء اندفعت، كتفها للأمام، والزهور الثلاث من خلفها تهدر بجذوع ملتفة، كأنها أفاعٍ ضخمة تريد ابتلاع كل ما في طريقها.
تشاي مال بجسده، تفادى الجذع الأول، داس على الثاني، ثم قفز على الثالث ليهبط أمامها مباشرة.
لكمة!
صدّها بذراعه، ورد بلكمة على فكها… لكن رأسها انحنى لترد بركلة جانبية خاطفة، ضربت كتفه فاهتز الحائط خلفه من قوة الصدمة.
بتلة ضخمة أطبقت على جانبه الأيسر، جذورها كالسلاسل حاولت تقييده، لكنه ضربها بمرفقه، فانفجرت أشلاء بتلات تتطاير كدم أحمر غامق.
البتلة الثانية نزلت من فوق، لكنها لم تمسك سوى الفراغ بعد أن انحنى تحتها مثل ظل ينزلق على الأرض.
شيماء لم تتوقف.
حركتها كانت خليطًا من الرشاقة والوحشية؛ قبضتها تهوي كالمطر، ركبتها تضرب كالمطرقة، وعيناها لا ترمش.
تشاي يصد، ينحني، يلتف، يضرب كتفها، يركل ساقها، يدفع جذع زهرة لتضرب أخرى، وكأن جسده آلة دفاعية متكاملة.
ثم جاء الهجوم…
زهرة ضخمة انبثقت من تحت قدميه مباشرة، جذورها اخترقت الإسفلت مثل رماح، وبتلاتها انغلقت عليه في لحظة.
هذه المرة، لم يقفز…
تركها تبتلعه.
انغلقت عليه البتلات، والظلام ابتلع صوته، الجذوع تضغط من كل الجهات، جدران لحمية تنكمش لتسحقه.
من الخارج… الزهرة توقفت عن الحركة، وكأنها تحاول هضم جبل.
جذوعها ارتجفت، والبتلات انكمشت أكثر… ثم فجأة، بدأت الزهرة ترتجف.
صوتها… لم يكن صريرًا هذه المرة.
كان أقرب إلى بكاء مكتوم.
زهرة الموت، التي ابتلعت مئات الأعداء من قبل، صارت الآن تبكي… من شدة القوة التي تمزق أحشائها.
ثم…
انفجار ضوء من داخلها، خطوط شقوق حمراء بدأت تشق البتلات، ويد بشرية خرجت من داخلها، أصابعها غارزة في لحم الزهرة.
صرخة من الداخل مزقت الحي كله، وفي لحظة، تمزقت البتلات إلى شظايا متطايرة، الجذوع قُطعت، والزهرة سقطت كجثة مذبوحة.
تشاي خرج منها، كتفه مغطى بغبار أحمر، عيناه باردتان كما كانتا منذ البداية، وكأن ما حدث لم يكن سوى تمرين إحماء.