وسط تلك اللحظة الممدودة، كان تشاي يقف وحده، جسده بلا حركة، لكن الهواء حوله ممزق وكأن العالم نفسه يتنفس بصعوبة.

‎صرخة غاندي حطمت السكون.

‎ذراعاه انتفختا حتى صارتا أكبر من جسده، عروق بارزة، وجلد مشقق من شدة التمدد، والهواء حول قبضته يدور دوامات عنيفة.

‎قفز نحوه بخطوة واحدة…

‎الأرض انكسرت تحت قدميه كما لو كانت زجاجًا هشًّا، والحائط الخلفي اهتز حتى سقطت قطع الحديد من السقف.

‎القبضة نزلت مثل شهاب يريد محو كل ما تحته.

‎لكن…

‎تشاي لم يتحرك كثيرًا.

‎خطوة جانبية… خفيفة… جعلت القبضة تلتهم الأرض بدل جسده.

‎الأرض انفجرت، غبارٌ ورُكام ارتفع لعشرة أمتار، وعاصفة من الحصى طارت نحو الجمهور، تحطم زجاج الحواجز الواقية، صرخات الناس تختلط بصفير الريح.

‎"آلما!"

‎صوت شيماء قطع الفوضى، فاشتعل الضوء.

‎أربعة سيوف من النور ظهرت دفعة واحدة، حول يدي آلما، تتحرك بسرعة لا تراها العين، كل سيف يضرب من زاوية، أمام، خلف، فوق، وتحت… وفي لحظة، كان تشاي في قلب إعصار من الشفرات المضيئة.

‎لم يكن يُصدّ، بل كان يتلاشى قبل أن تصله الضربة.

‎جسده يميل للخلف بدرجة مستحيلة، ثم ينعطف للأمام، قدماه تنزلقان على الحصى، والشفرة تلمس طرف شعره فقط قبل أن تختفي.

‎أحد السيوف ضرب عمودًا خلفه… العمود انقسم نصفين بصوت أشبه بانفجار زجاجي.

‎"حان دوري…"

‎سيبرو أخرج قارورة صغيرة، كأنها زجاجة عطر قاتلة.

‎فتحها… وانتشرت رائحة بنفسجية مميتة، جعلت العرق يتجمد على جلود الجميع.( يستطيع سيبرو التحكم في اتجاه الرائحة ، يعني الرائحة موجهة نحو تشاي فقط)

‎لم تكن رائحة… بل كانت سكينًا غازية تدخل إلى الرئة وتقطعها من الداخل.

‎تشاي لم يختفِ هذه المرة، بل اندفع بخطوة خاطفة، لمس الهواء فقط، والريح التي تركها خلفه شتتت الغيمة قبل أن تبتلع المكان.

‎لكن سيبرو كان مستعدًا… ثلاث قوارير أخرى تطير في الهواء، كل واحدة بلون مختلف: أخضر يلسع الجلد، أزرق يجعل العظام ثقيلة، وأحمر يشعل الصدر بحرقة جحيمية.

‎قبل أن تسقط، جاء صوت قاطع كالرعد:

‎"كيم!"

‎وظهر كيم، يده ترتجف بشهوة القتال، عيناه تتوهجان، يمسك الهواء كما لو كان يسحب منه شيئًا… وفجأة، موجات من مهارات مسروقة أطلقت حوله: نار، ثلج، برق، كل عنصر يتفجر في اتجاه تشاي.

‎لكن هذا الأخير كان يختفي ويظهر في نفس المكان، وكأن الجسد والظل منفصلان.

‎الانفجارات تلتهم المدرجات، الجدران تتفتت، النار تصبغ السماء بلون الدم.

‎ثم جاء ألكس.

‎رفع سيف تاباي الأبيض، وموجات التقطيع انطلقت منه بسرعة جنونية.

‎ليست واحدة… ولا عشرة… خمسون ضربة في موجة واحدة، وكل موجة تليها أخرى، حتى صار الجو نفسه شبكة من الشفرات المتقاطعة.

‎كان على تشاي أن يتحرك الآن بسرعة لا يمكن تخيلها.

‎قدماه تدقان الأرض عشرات المرات في الثانية، عينيه تلتقط كل خط أبيض قادم، يده تلمس جدارًا ليدور حوله، كتفه يحتك بشفرة تمر بجانبه… ثم أخرى تقطع الهواء خلفه مباشرة.

‎"الآن!"

‎جين اندفع من الخلف، يده تلمس كتف تشاي… وفي اللحظة نفسها، شعر تشاي بثقل جسده يتلاشى.

‎جين سرق قوته الجسدية لثوانٍ معدودة، وفي هذه الثواني، هاجم الجميع معًا.

‎الضربات جاءت من كل زاوية، كأن العالم كله يريد سحقه.

‎لكن قبل أن تكتمل الثانية الرابعة…

‎تشاي عاد.

‎عيناه اشتعلتا بوميض بارد، وكأن الليل نفسه تراجع أمامه.

‎اندفع للأمام، لم يهاجم… لكنه مر بينهم، وتركهم يتعثرون بفعل الهواء الممزق الذي تبقى بعد سرعته.

‎ثم جاءت شيماء.

‎زهرة الموت فتحت بتلاتها في الهواء، ثلاث أزهار ضخمة في ثانية، كل واحدة بحجم بيت، تتحرك كأنها كائن حي، جذوعها تتلوى، وبتلاتها تغلق على كل ما تلمسه.

‎الملعب امتلأ بظلالها، لم يعد يرى سوى اللون القاتم لتلك الزهور، وأصوات الضغط والتمزيق تتردد.

‎تشاي كان ينساب بينها كما ينساب الضوء بين أغصان غابة.

‎لم يلمسه شيء… لكن كل خطوة منه كانت تترك وراءها فراغًا خاليًا، وكأن الزمن نفسه قرر تركه يعبر.

‎الحيّ كان صامتًا… صمت ما قبل العاصفة.

‎مباني رمادية بواجهات محطمة، نوافذ بلا زجاج، أعمدة إنارة منحنية كأعناق قتلى، وشوارع ضيقة تتنفس غبار السنين.

‎لكن هذه السكينة كانت على وشك الانتحار.

‎غاندي ضرب الأرض مجددًا، قبضته العملاقة اصطدمت بالإسفلت، فارتفعت شقوق طويلة شقت الشارع من تحته حتى الحائط البعيد، والركام تناثر كطلقات نارية.

‎المبنى على اليمين انهار نصفه، سحابة رماد غطت المكان.

‎تشاي كان قد تحرك قبل أن تلمس الضربة ظلّه.

‎خطوته تركت آثار أقدام محفورة في الأرض، كأنها ختم نار.

‎آلما ظهرت من فوق سطح منخفض، أربع سيوف النور تدور حولها مثل نجوم مسعورة، وانقضّت من الأعلى، ضربة متقاطعة، ثم أخرى دائرية، ثم طعنات متتالية أسرع من نبض القلب.

‎كل ضربة أصابت المباني، الجدران تنفجر بشرر أبيض، والحديد ينقطع كأنه ورق.

‎تشاي كان يلتف بين الشفرات، حركته تترك خطوطًا غامضة في الهواء، وعينيه تراقبان كل اتجاه في وقت واحد.

‎سيف نور اخترق الجدار خلفه، ثم انفجر الحائط إلى شظايا مضيئة، إضاءتها ارتدت على وجه تشاي للحظة، قبل أن يختفي.

‎"اسحب الهواء…"

‎سيبرو فتح قارورة داكنة، غيمة سامة بلون أخضر فوسفوري زحفت في الأزقة، تتسلل بين أنقاض المباني.

‎الغيمة لزجة… كانت تلتصق بالجدران وتذيب الطلاء، الحجارة تتفتت أينما مرت.

‎في لحظة، صار الحيّ وكأنه يختنق.

‎تشاي انطلق بخطين متوازيين من الحركة، واحد لليسار وآخر لليمين، حتى بدا وكأن نسختين منه تتنقلان بين المباني.

‎كل حركة منه كانت تسحب الغيمة بعيدًا، يشتتها، لكن سيبرو كان يفتح قوارير أخرى، الأحمر والأزرق، والألوان تتحول إلى أعاصير سامة تتصارع في الهواء.

‎كيم ظهر من الظل، يده أطلقت سياط نار وبرق وجليد دفعة واحدة، كل سوط يحطم الجدران على طوله، الأعمدة تنكسر، والشرفات تتهاوى إلى الشارع.

‎تشاي قفز بين تلك الكوارث، قدماه تدوسان على جدار، ثم سقف، ثم أنبوب حديدي، كل نقطة يلمسها تنهار بعد أن يتركها بلحظة، وكأن المكان نفسه لم يتحمل سرعة وزنه.

‎ألكس كان ينتظره عند نهاية الزقاق، سيف تاباي الأبيض مرفوع، وموجة تقطيع واحدة كافية لمسح الزقاق كله.

‎لكن ألكس أطلق ثلاثًا في نفس اللحظة، كل واحدة تتقاطع مع الأخرى، والنتيجة… مكعب من الموت.

‎المباني على جانبي الشارع انهارت في آن، الغبار غطى السماء، والأرض لم تعد سوى ركام ساخن.

‎جين انقضّ من الخلف، لمس كتف تشاي مرة أخرى، وسرق منه قوته الجسدية.

‎وفي الأربع ثواني تلك…

‎الجميع هجموا كقطيع ذئاب، ضربات هيدروليكية من غاندي، شفرات آلما المضيئة، غيوم سيبرو القاتلة، وأمطار ألكس الممزقة.

‎لكن حتى وهو بلا قوة، كان تشاي ينحني، يدور، يزحف، يقفز، وكأن الجسد يتحرك على غريزة وحدها.

‎عيناه لا تزالان ثابتتين، تلتقطان اللحظة التالية قبل أن تولد.

‎ثم… جاء صوت شيماء.

‎ثلاث زهرات موت انبثقت من تحت الأرض، الجذور تلتف على جدران المباني، والبتلات الضخمة تغلق على الشوارع كأفواه وحوش أسطورية.

‎إحداها أطبقت على زاوية كاملة من الحي، جدار وجثث وأحجار اختفت داخلها، والضغط جعل المبنى ينهار من نفسه.

‎الاثنتان الأخريان اجتاحتا الأزقة، وكل ما لمسهما صار رمادًا أسود.

‎تشاي كان يركض على حافة بتلة، ثم يقفز منها إلى سطح مبنى آخر، ثم ينحدر على جدار محطم، خطواته ترسم خطًا واحدًا بين كل هذه الفوضى… خطًا لا تستطيع أي ضربة كسره.

2025/08/09 · 4 مشاهدة · 1081 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025