الغرفة تنفست للمرة الأخيرة.
الجدران ارتجفت كأنها تلد،
والخيوط؟
توقفت فجأة… كقلوب العاشقين حين يخونهم القدر.
تشاي فتح عينيه، كأنهما نُقرتان في كوكبٍ مهجور.
أحسّ بتحرّكهم…
سبعة أرواحٍ تُزاحم الهواء،
أقدام صغيرة تُطرق الأرض،
أنفاس متسارعة،
وإرادة لا تعرف الخوف — أو الجهل.
نظر عبر جدارٍ لم يكن هناك،
ورأى تلك الظلال تقترب…
كمن يمشي إلى المذبحة وهو يظنّها حفلة عيد ميلاد.
تشاي (ببرود يخالطه خجل قديم):
"أظنهم… مصممون."
ثم ابتسم، كأنّه يعرف النهاية،
ويأسف فقط لأنها ستأتي الآن.
> "لكن لا…
ليس هنا.
هذا الحي مليءٌ بالناس… بالعيون… بالدموع القديمة التي لا تزال على الجدران.
وعدتُ السيد… وعدتُ أن أبقى يومين دون أن أحرّك سكّين الغضب.
إذًا… سأستدرجهم."
وفعل.
لكن ليس كمن يجري.
ولا كمن يهرب.
بل كأنّه يُنسلّ من بين طبقات الوجود.
خرج من المنزل كنسمةٍ ترفض أن تُرى،
لم يُحطم بابًا،
لم يفتح نافذة،
بل خرج ببساطةٍ تُخيف.
تحت أنظار الكاميرات؟ لا شيء.
أمام أنف الأجهزة؟ لا حرارة.
خارج وعي العالم؟ نعم.
غاندي وضع يده على قلبه كأنّه سقط من ارتفاعٍ روحي:
> "لقد تحرك…"
ثم أشار، بعينين تلمعان:
> "إنه يهرب!"
آلما لم تتردد،
ركضت قبله،
كأن عظامها توقّتت على هذا الموعد منذ الأزل:
> "لنلحق به."
لكن…
شيماء؟
شيماء لم تتحرك.
بل نظرت إلى المكان الذي مرّ منه تشاي،
ثم حدقت في العدم،
وهمست:
> "لا… إنه لا يهرب."
أرادت أن تصرخ،
أن تمنعهم،
لكن شيئًا في حلقها — شيء قديم — خنقها.
"إنه يستدرجكم…"
لكن الكلام،
ضاع لكن ان تكلمت فالخطة ستبطل
الحيّ المهجور كان أكثر من مهجور.
هو ليس خاليًا من البشر فقط…
بل خالي من المعنى.
كأنّ الزمان نفسه قد قال: "لا شأني بيومي هذا."
وغادر.
الريح تنفث في الهواء رائحةً لا تُوصف،
ليست نتانة،
ليست دخانًا،
بل شيءٌ يشبه صوت من نسي كيف يتكلم.
وقفوا هناك.
ستةٌ، ومعهم السابعة.
ستةُ أرواحٍ تلتهب، وسابعةٌ تحترق بصمت.
شيماء.
كانت تقف هناك،
تراهم يتحركون، يتكلمون،
وهي في عالَم آخر.
كل شيء فيها كان يصرخ،
لكن شفتيها لا تتحركان.
نظرت إلى ذلك الواقف هناك…
ذاك الواقف كأنه لا ينتمي للمادة،
ولا إلى الظل،
ولا حتى إلى الشر.
تشاي.
قاتل زوجها.
لم يكن يحمل سيفًا… ولا رمحًا…
بل كان يحمل في عينيه صورةً أخيرة.
نعم… هي لم تنسَ.
حين مات زوجها،
حين مزّقته تلك الخيوط السوداء كما يمزق البحر قاربًا من قش…
لم تنسَ.
آخر نظرة في عينيه…
نظرة رجلٍ لم يكن يصدق أنّ الموت جاءه بهذه البساطة.
كان ينظر إلى تشاي،
ثم إلى اللاشيء،
ثم سقط.
وشيماء؟
رأت كل شيء.
من خلف الظلال.
من خلف الأمر.
من خلف "الخطة."
كانت مجبرة على السكوت،
لأن الأمور "أكبر" من الألم،
لأن "النجاح" أهم من الدموع
لكن قلبها؟
كان لا يزال هناك…
بين أصابع تشاي،
ملفوفًا بخيطٍ أسود.
تشاي نظر إليهم الآن.
ببساطة… بلامبالاة… كأنهم حشرات.
> "لماذا… لحقتم بي؟"
قالها بصوتٍ لا يحمل دهشة،
بل سخرية.
كأنّه كان يتوقعهم،
كأنّه استعدّ لهذا منذ قرون.
آلما تقدمت — كعادتها — بجنونٍ يظنه الناس شجاعة:
> "أنت مجرم… ونحن من المنظمة… ونريد إمساكك.
بسيطة، أليس كذلك؟
هههههه."
ضحكت.
ضحكة مراهقة في جسد مقاتلة.
ضحكة من لا يعرف أن الهاوية لا تضحك… بل تبتلع.
غاندي أمسك يدها بقوة:
> "آلما… لا ترخي دفاعك.
هذا الشخص… لا يستخدم شيئًا، لا مهارة، لا تقنية…
لكن حضوره وحده…
يجعل هالاتنا تبدو كضوء شمعة بجانب شمسٍ محترقة."
تشاي لم يتغيّر وجهه.
نظر إليهم،
كمن ينظر إلى لوحةٍ مكررة،
وقال:
> "آه… المنظمة.
إذًا… أنتم رسلها؟
حسنًا.
سأقتلكم.
لا رحمة لديّ.
لا تسألوا، ولا تبكوا، ولا تتأخروا.
لكنني… أرى أنكم تدربتم جيدًا.
إذًا… سأعطيكم… دقيقتين.
نعم، دقيقتين، لتقيّموا… كل ما تعلمتموه… في وجهي."
الدقيقة الأولى لم تبدأ بعد…
لكن الدم بدأ يغلي.
سيبرو همس، وعيناه تتجنبان النظر إلى تشاي:
> "سيدة شيماء…
أأنت جادة؟
أنه…
أنه ليس أقوى منا؟
أشعر أنني أتنفس… رماده."
شيماء التفتت إليه،
نظرتها كانت حادة… دامعة…
لكنها ابتلعت كل شيء.
> "لا تترددوا.
لا تفكروا.
لا تصغوا للقلوب.
فقط…
ابدؤوا."
لكن داخل شيماء؟
كان هناك شيء آخر.
كانت تراه — تشاي —
وتريد أن تصرخ:
> "هل تتذكره؟!"
"هل تتذكر عينَي زوجي قبل أن تموت؟!"
"هل أحسست بحرارة دمه على يدك؟!
لكنها لا تستطيع.
لأنها…
لو تكلمت…
ستخسر كل شيء.
الخطة ستفشل.
فصمتت.
لكن عينيها قالتا كل شيء.
كانت تنظر إلى تشاي كمن ينظر إلى كابوسٍ لا يستيقظ منه.
كانت تتذكر كل تفاصيل وجه زوجها قبل موته…
النقطة السوداء تحت عينه.
الجرح الصغير على خده.
الوشم الذي لم يره أحد سواها.
وتراه الآن… في اللاشيء.
فقدته، ولم تحزن.
لم تصرخ.
لم تنتقم.
لأن الوقت… لم يحن.
لكن الآن؟
الوقت يقف على الباب،
يطرق طرقًا خفيفًا،
وينتظر من يفتح.