‎15:00 في تونس

‎وصل ثلاثة رجال الى منزل تشاي بصمتٍ ثقيل كأن العاصفة تمشي على أقدام بشر.

‎الأبواب فُتحت أمامهم، والظلال على الجدران بدت وكأنها تهمس بأشياء لا تُقال.

‎في غرفةٍ مظلمة لا تُنار إلا بوميض المصباح المتدلّي، جلس بان قبالة تشاي.

‎العيون التقت، نظرةٌ امتزجت فيها الكراهية بالصمت، والندم بالريبة.

‎قال تشاي ، بصوت جاف، كمن يرمي رمحًا في وجه الزمن:

‎"بان، ماذا يفعل هذا العجوز هنا؟"

‎ضحك بان، ضحكة قصيرة وقاسية، ثم أضاف:

‎"لقد أتيت لأنني مللت من فلسفة إيفا."

‎ابتسم بسخرية كأنها سمّ مرير:

‎"إنها مقرفة، أليس كذلك؟"

‎ثم أخذ نفسًا عميقًا، ورفع عينيه صوب تشاي:

‎"كما تعلم، أريد أن أحرك عظامي قليلاً، أن أختبر القوة التي بقيت لديّ."

‎وقف تشاي صامتًا، نظراته تخترق بان كأنها سيوف لا ترحم، لكنه لم يرد.

‎كان ذلك الصمت أبلغ من أي كلام، صمت يحمل ثقل الماضي، والرهبة من مواجهة قادم لا مفر منه.

‎بان تراجع خطوة، وابتسامة باردة تلونت على شفتيه

‎بان ابتسم بصعوبة، كأن الكلمات ثقيلة على لسانه:

‎> ". سمعت من إيفا أنني سلبتُ منك والديك..."

‎وقبل أن يُكمل الجملة، في ومضة من الخيال، تخيّل بان يداً تخترق جمجمته وتُفتت دماغه.

‎لم يكن هذا حقيقة... بل سيناريو داخلي مروّع مرّ في لحظة.

‎ابتلع ريقه وأعاد ترتيب كلماته بسرعة.

‎> . كيف حالك؟"

‎صوت تشاي خرج كالسكاكين:

‎> "لماذا... لا تتذكّر؟"

‎قبل أن يردّ، مدّ تشاي يده فجأة وأمسك بان من رقبته بقوة، رفعه عن الكرسي وأخذ يخنقه.

‎> "قلها... لماذا قتلتهم؟ من هو الشخص الذي أخذتني إليه بعد أن جعلتني يتيمًا؟"

‎بان بصوت مختنق:

‎> "ستقتلني... لا أتذكر، أقسم أنني لا أتذكّر... أنا آسف..."

‎لكن تشاي لم يتراجع، نظراته تنزف حقدًا:

‎> "أجبني... أمي أم أبي؟ من منهم من عائلة أودجين؟ من ربطني بهذه القذارة؟! قُلها!"

‎بان تمتم بكلمات خافتة:

‎> "... محو... المكان..."

‎وفجأة، تغيرت ملامحه. لم يعد بان، بل أحد الخدم، استعمل تقنية لينجوا لتبديل الوجود.

‎نظرة تشاي أصبحت أكثر سوادًا:

‎> "إذا تجرأت على استخدام تلك الحيلة مرةً أخرى... سأقتلك دون تفكير."

‎عاد بان إلى شكله الطبيعي، كان يرتعش.

‎ثم قال بصوت أقرب إلى الرجاء:

‎> "لا أذكر شيئًا يا تشاي... لا أعرف من تكون ولا من يكون والداك... أرجوك، أنا آسف..."

‎لكن تشاي تجاهل توسّله، ثم التفت إلى الخدم بنبرة صارمة:

‎> "الآن... سأشرح لكم الخطة."

‎وقف الخادمان في وضعية استعداد.

‎> "ما أسماؤكما؟"

‎ردّ أحدهم:

‎> "أنا أنتونيو، وهذا أخي بيلي."

‎أومأ تشاي:

‎> "جيّد... بعد قليل الساعة السادسة مساءً، تبدأ المجزرة.

‎بان سيكون في الجهة الشرقية من المنظمة، وأنتم في الجهة الغربية.

‎أنا سأتقدم من المنتصف. دمروا كل شيء.

‎كل ما هو حي... اقتلوه.

‎فجّروا، مزقوا، لا تتركوا شيئًا يتحرك.

‎حينما أدخل أنا الى المنظمة ... ينتهي عملكم. انسحبوا فورًا، سأتكفّل بالبقية."

‎الخدم بصوت واحد:

‎> "مفهوم."

‎بان تردّد، فتح فمه ليتكلم:

‎> "لكن..."

‎وقبل أن يُكمل، قال تشاي بصوت بارد:

‎> "أنتونيو... أخبر هذا الأحمق ماذا يحدث لمن يتكلم."

‎التفت أنتونيو نحو بان، ونظر إليه طويلاً دون أن ينطق بكلمة.

‎الصمت... كان أبلغ من أي تهديد.

‎ساد السكون... لا يُسمع سوى صوت أنفاسهم.

‎وها قد اقتربت ليلة الدم.

2025/08/09 · 8 مشاهدة · 536 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025