وقف نولان أمام بيوم، والجبل خلفه كأنّه جدار من صخر أسود يحميه، أو ربّما يسجنه. الثلج كان يهطل بغزارة شديدة، كأنّ السماء أرادت أن تغطي آثار هذه اللحظة حتى لا تراها عيون البشر. كلّ حبة ثلج تهبط ببطء، كأنّها رسالة، كأنّها عدّ تنازلي للموت.
بيوم تقدّم بخطوة، وصوته اخترق العاصفة مثل خنجر:
— بيوم: أهلاً، أهلاً… بنولان. أخيرًا "عضو الثعالب" بشحمه ولحمه.
كان صوته باردًا، بلا روح، ومع ذلك يحمل شيئًا مريبًا، شيئًا يجعل الهواء نفسه يرتعش.
ابتسم نولان بخفة، وبدا في تلك اللحظة كأنّه يواجه صديقًا قديمًا، لا خصمًا قاتلًا.
— نولان: بيوم أودجين… أظنّ أنّ هذا هو لقاؤنا الأوّل. رغم أنّني سمعت الكثير عنك من الزعيم.
بيوم رفع رأسه قليلًا، والثلج يتساقط على كتفيه كأنّه عباءة من الجليد، ثم قال بنبرة هادئة، لكنّها مشحونة بالتهديد:
— بيوم: لا يهمّ ما سمعته. المهمّ أنّنا نتقابل الآن. منذ سنين… وأنا أبحث عن خصمٍ قوي، خصم يملك تلك الهالة التي تدفعني إلى إخراج كل ما في داخلي. وأنت… يا نولان… تشبه ذلك الخصم. لكن لدي سؤال قبل أن نبدأ: لماذا… عندما شعرتَ بقدومي، هربت؟
تجمّد الهواء، الثلج ازداد كثافة، وكأنّ الطبيعة نفسها تنتظر الإجابة. لكن نولان ظلّ واقفًا، ينظر إلى بيوم كما ينظر مريض إلى طبيب سيقطع عنه آخر أمل.
ابتسم نولان ابتسامة متعجرفة، رفع يده قليلاً ليزيح الثلج عن شعره، ثم قال بجملة باردة مثل شفرة:
— نولان: لن أجيب. دعنا نبدأ… أريد قتلك بسرعة.
في تلك اللحظة، تغيّر كلّ شيء. كأنّ الأرض نفسها تنفّست ببطء، ثم حبست أنفاسها. الجبل ارتجف بصمت، العاصفة ازدادت قوة، والثلج انهمر بجنون. الهالتان تصادمتا في الهواء: هالة نولان، التي تحمل الغرور والوحشية والجرأة، وهالة بيوم، التي تشبه مقبرة قديمة انبعثت منها أشباح لا تُعدّ.
في داخل الداخلي لنولان:
"أجل… هذه اللحظة. هذا ما أريده. لا معنى للهرب بعد الآن. كلّ شيء في داخلي يصرخ. هذا هو الامتحان الحقيقي. بيوم أودجين… لن تكون نهاية قصّتي، بل بداية أسطورتي."
في المقابل، عيني بيوم كانتا مظلمتين، كأنّهما نفقان يقودان مباشرة إلى الموت. لم يُجب على كلام نولان، لم يبتسم، لم يتحرّك. فقط… كان واقفًا مثل ظلٍّ أزليّ، كأنّه ليس إنسانًا بل قَدَر تجسّد.
ومع أول خطوة خطاها نولان إلى الأمام، كان الثلج تحت قدميه يتفتّت بصوتٍ مسموع، يشبه كسر العظام.
— نولان (بصوت عالٍ): تعال إذن، يا بيوم. دعنا نرى… من سيبقى واقفًا بيننا.
رفع بيوم رأسه، وبدا للحظة كأنّ العاصفة كلّها انحنت أمامه، ثم قال جملة واحدة، ثقيلة، باردة، قاطعة:
— بيوم: لا أحد يخرج من قتالي يا نولان .
الثلج يهطل بجنون، كأنّ السماء تريد طمس هذه المعركة من ذاكرة العالم، لكن ما يحدث هنا أعظم من أن يُمحى.
وقف بيوم، جسده يفيض بالظلال، وفجأة… تشقّق الهواء من حوله، وطفَت إلى جانبه أكثر من خمسين لوحًا فخّاريًا، متراصة في شكل دوائر متداخلة، كأنّها جدار سماويّ يُولد من باطن الجبل. كلّ لوح يصدر صوت ارتجاف أشبه بأزيز الموت، ويشعّ بخطوط داكنة كأنها شقوق في جدار العالم.
نولان لم يتراجع. قبضتا يديه اشتعلتا بوميض أحمر كثيف، نور كالدم يغلي في العروق. عزّز يديه بطبقة من الطاقة كأنها حديد منصهر، وتحولت كفاه إلى شفرتين تلمعان وسط الثلج.
ابتسم بيوم بسخرية باهتة:
— بيوم: مهارة دفاعية متقدمة… لا بأس.
ثم تحرّك.
كان تحرّكه مثل انطلاق الرعد، سرعة مأهولة، لا تُقاس بخطوات بشر. اندفعت الألواح الفخارية معه، بعضها يدور حوله كدروع، وبعضها انقضّ كسهام على نولان، فيما قبضاته اخترقت الريح كأنها صخور تهوي من السماء.
نولان لم يتراجع، لم يهرب. رفع يديه في شكل كفّ، كأنّه راهب يستعد لتحطيم صنم، وسدّد ضرباته في كل اتجاه. كل صفعة من يده كانت كالصاعقة، كل انحراف من كفه يترك أثرًا في الهواء مثل شقّ متوهج.
لوح فخاري اندفع بسرعاتٍ قاتلة نحو صدره، فضربه نولان براحة يده، فانكسر في لحظة، وتناثر شظايا سوداء وسط الثلج. لكن قبل أن يلتقط أنفاسه، جاءت قبضة بيوم من الجانب، مغطاة بهالة كثيفة.
بوووووم!
اهتزّت الأرض تحت أقدامهما. الثلج تطاير كأمواج بيضاء، الجبل ارتجف. نولان تراجع خطوتين، ذراعه تنزف قليلًا من الضغط، لكن ابتسامته لم تنكسر.
— نولان (بهمس، يلتقط أنفاسه): جميل… قوة جسدية كهذه لم أرها من قبل.
لكن بيوم لم يرد. كان وجهه ساكنًا، عيناه مظلمتان، وكأنّ القتال بالنسبة له ليس أكثر من صلاةٍ باردة.
الألواح الخمسون اندفعت دفعة واحدة، كعاصفة من الشظايا. بعضها غطّى السماء، بعضها حاصر الأرض، فيما هجم بيوم بنفسه في الوسط، جسده كرمح يخترق الهواء.
نولان أطلق وميضه الأحمر إلى أقصى حدّ. يداه تحركتا بسرعة غير بشرية، كأنّهما جناحان يطردان كل شيء. كان يصُدّ الألواح واحدًا تلو الآخر، وفي كل صفعة يتفجّر ضوء أحمر يشبه انشقاق برق وسط العاصفة.
تكسر لوح… يتناثر آخر… يسقط ثالث…
لكن مع كل لوح يتكسر، كانت قبضة بيوم تقترب أكثر وأكثر.
— بيوم (بين أنفاسه): أُريد جسدك أن يتحطم…
اصطدم الاثنان مجددًا. هذه المرة، ارتجّت التلال المحيطة، وانفتح شقّ صغير في الثلج تحت قدميهما، كأنّ الأرض نفسها لا تحتمل ثقل المواجهة.
نولان:
"سرعة مرعبة… ضربات مدمرة… جسد هذا الرجل كأنه آلة حرب. لكن… ليس كافيًا. لن أُهزم من قوة جسدية فقط. سأجعله يفهم… أن المهارة قادرة على سحق العضلات مهما كانت صلبة."
رفع نولان كفّيه في وضعية غريبة: اليد اليمنى للأمام، اليسرى للخلف، والوميض الأحمر يلتف حول أصابعه كأنه حبال نارية. بدأ يتحرك بخفة، جسده يدور وسط الثلج كراقصٍ شيطاني، يصفع الألواح واحدًا تلو الآخر، حتى تحولت ضرباته إلى إيقاع جنوني، لا يمكن للعين اللحاق به.
لكن بيوم… ضحك.
ضحكة قصيرة، عميقة، كأنها خرجت من قبر قديم.
— بيوم: رائع…! لا تخيب أملي، نولان.
ثم فجأة، الألواح أعادت ترتيب نفسها. لم تعد مجرد دروع أو سهام، بل صارت جدران متحركة، انغلقت حول نولان كقفص ضخم، فيما بيوم قفز من فوقها، كأنه نيزك سقط من السماء، قبضته تهوي مباشرة على رأس خصمه.
بووووووووووم!
تشققت الأرض، انفجرت موجة من الثلج غطت الأفق، والهواء امتلأ بصوت انفجار معدني رهيب.
عندما انقشع الغبار، كان نولان قد صدّ الضربة براحة يده، ركبتاه منغرستان في الثلج، كفّاه متوهجتان بالوميض الأحمر، ووجهه يتصبّب عرقًا، لكن عينيه… لم تنكسر.
— نولان (بصوت مبحوح): هاهاها… لو كان جسدي ضعيفًا لكنت متّ الآن. لكنني… أنا نولان!
رفع قبضته فجأة، ووجهها نحو صدر بيوم، لينفجر ضوء أحمر كاد يمزق الهواء نفسه.
بيوم، بابتسامة باردة:
— رائع… لنرَ إلى أين يصل هذا.