نولان دفع بيوم بصفعة نارية، لكن الأخير انقلب في الهواء مثل نسرٍ مظلم، هبط على قدميه، والألواح الخمسون أعادت اصطفافها فجأة، كأنها جيوش بلا روح.
انطلقت دفعة جديدة: قبضة بيوم تخترق الجدار الأبيض من الثلج، خلفها عشرات الألواح التي تندفع كأمواج حجرية، كل لوح يصفّر في الهواء بسرعة تفوق السمع.
نولان لم يتراجع، بل تقدّم بخطوة حادة، ورفع كفيه، فجعل الوميض الأحمر ينفجر في دوامة. كل ضربة من يديه كانت كالصاعقة:
صفعة تكسر لوحًا، حركة سريعة تُزيح آخر، دوران كامل يمزق ثلاثة في لحظة واحدة.
لكن بيوم كان حاضرًا، يقتحم دوامة نولان بقوته الجسدية الوحشية. قبضاته اصطدمت بكفّي نولان مباشرة:
بووووووووووم!
اهتزّت الجبال، الأرض تصدّعت، الثلج تناثر إلى السماء كعاصفة بيضاء.
القوتان التقتا في مركز واحد، وارتسم خط من النار والظل بينهما، نصفه أحمر ملتهب، ونصفه أسود قاتم.
نولان تراجع مترًا، الدم نزل من زاوية فمه، لكن ابتسامته ظلت قائمة.
أما بيوم، فقد وقف مستقيمًا، عينيه تلمعان بظلام عميق، وصوته يخرج هادئًا، متثاقلًا مثل جرس في معبد قديم:
— بيوم: … لقد مللت.
تجمّد الهواء، حتى الثلج بدا وكأنه توقف عن السقوط ليستمع.
— بيوم (يتقدم بخطوة، صوته يزداد حدة): أريدك أن تستعمل مهارتك الحقيقية، يا نولان.
أنا أعلم… أنك لا تستعمل كل قوتك.فأنت متعدد على عكسي أحادي المهارة
توقف كل شيء.
الهواء تجمد، الأصوات اختفت، حتى أنفاس بيوم لم تعد تصدر بخارًا.
في تلك اللحظة، رفع نولان يديه ببطء، والوميض الأحمر الذي يكسو كفيه تمدد إلى السماء، ثم انشق الفضاء نفسه كصفحة كتاب قديم.
نولان (بصوت ثقيل): "مهارتي الحقيقية…لعبة إيفو "
العالم من حولهما تغيّر.
لم يعد هناك جبل ولا ثلج، بل ساحة سوداء شاسعة، مربعة، تمتد إلى الأفق، مرسومة بخطوط حمراء متوهجة، كأنها شبكة شطرنج عملاقة من الجمر.
بيوم وجد نفسه واقفًا وسط هذه الرقعة، والظلال من حوله تتشكل إلى جنود غامضين، بعضهم يحمل سيوفًا، آخرون رماحًا، وبعضهم بلا وجه، مجرد خوذ فارغة تتحرك بأوامر غير مرئية.
وفوق الجميع، على عرش مرتفع في آخر الرقعة، جلس نولان.
جسده لم يكن كما هو، بل تحوّل إلى هيئة ملك: تاج من نار على رأسه، جسد أسود متحجر، وعينان تحترقان كجمرتين. لم يتحرك، لم ينزل، فقط جلس هناك… وصوته يملأ الساحة.
— نولان: "هنا… أنت لا تواجهني كجسد، يا بيوم. أنت تواجه لعبتي."
بيوم تقدم خطوة، فسمع صدى الحديد تحت قدميه، كأن الأرض نفسها قطعة معدنية.
— بيوم: "ما هذا الهراء؟ أظننت أنني سأرتبك بخدعة؟"
ابتسم نولان من فوق العرش، وصوته دوّى:
— نولان: "قوانين هذه اللعبة بسيطة… لكن صارمة."
قوانين اللعبة (كما يصفها نولان):
1. أنا الملك.
لا أتحرك، ولا أقاتل بيدي. وجودي هنا صوت فقط، يحرّك الرقعة بأوامري.
2. أنت اللاعب.
كل خطوة تخطوها على الرقعة، كل اختيار، له ثمن.
3. الجنود.
عند أول خطأ ترتكبه، ينطلق جندي واحد ليقاتلك.
عند ثاني خطأ، جنديان.
عند ثالث خطأ، فارس أو رامي سهم.
وعند الرابع، تبدأ القطع الكبرى في الظهور.
4. الملك لا يموت.
إن أردت إنهاء اللعبة… عليك الوصول إليّ. إلى العرش.
لكن كل مربع تقترب به نحوي، سيفتح فخًا جديدًا.
5. لا انسحاب.
بمجرد دخولك إلى الرقعة… لا خروج حتى النهاية.
ضحك نولان، وصوته ارتجف في كل الزوايا:
— نولان: "هذه لعبتي يا بيوم. لعبة لا ينجو منها إلا من يفهم القوانين… أو ينهار تحتها."
بيوم قبض يده، نظر إلى الرقعة المشتعلة من حوله، إلى الجنود الذين يطوّقونه.
— بيوم (ساخرًا): "قوانين؟ لعبة؟ تظن أنني سأخضع لقواعدك؟"
ثم تقدّم خطوة بلا تفكير.
الخطوط الحمراء تحت قدميه اهتزت، وانفجر منها جندي أسود، مدرّع، يمسك بسيف ضخم يتقد بحرارة.
— نولان (بهمس): "الخطأ الأول."
الجندي هجم مباشرة، صوته كأنين معدن يُسحب على صخر.
بيوم صدّه بقبضته، لكمة واحدة جعلت الجندي يتفتت إلى شظايا دخانية.
لكن فور تحطمه، انفجر صدى في السماء، وظهر جندي ثانٍ من خلفه.
— نولان: "الخطأ الثاني…"
بيوم استدار بسرعة، ركل الجندي ركلة كسرت صدره، لكن مع تحطّمه، خرج جنديان إضافيان من المربعات القريبة.
العرش اهتزّ بضحكة نولان:
— نولان: "هكذا تعمل الرقعة… كل خطأ يلد خطأً أكبر."
بيوم بدأ يتحرك في الرقعة، كل خطوة تُطلق جنودًا جددًا.
أربعة، ستة، عشرة… كأن الرقعة ولّادة للجنود، لا تنتهي.
كان يدمّرهم جميعًا: قبضاته تحطم الدروع، ركلاته تنسف الرؤوس، لكن مع كل تحطيم، تتكاثر الجموع.
الهواء امتلأ بصوت الحديد، شرارات تتطاير، الجنود كأمواج سوداء، وبيوم وسطهم كالوحش.
لكنه مع كل ضربة يوجهها، يسمع ضحكة نولان من بعيد، عميقة، متقطعة:
— نولان: "كل ما تفعله يزيدك غرقًا… كل ما تكسره يولّد غيره… هذه لعبة الملك، يا بيوم."
فجأة، من أحد المربعات، لم يخرج جندي عادي، بل فارس على حصان أسود، عيونه تشتعل، يلوّح برمح بطول ثلاثة أمتار.
قفز مباشرة نحو بيوم، الرمح يخترق الهواء بسرعة خارقة.
بيوم انحنى، قبض الرمح بيده العارية، ثم كسره نصفين، وضرب الفارس على رأسه حتى تفتت.
لكن عند تفتت الفارس، ارتجت الرقعة، وخرج رامي سهم من الجهة المقابلة. سهمه الأول اخترق كتف بيوم، ليمتزج دمه بالخطوط الحمراء تحت قدميه.
رفع نولان يده من فوق العرش، وصوته صار أكثر برودًا:
— نولان: "الخطأ الرابع… القطع الكبرى بدأت تتحرك."
بيوم نظر إلى كتفه النازف، ثم رفع رأسه بابتسامة شريرة:
— بيوم: "جميل… جميل جدًا. كل هذا فقط ليُخرجني من جديّتي؟"
لكن نولان، من فوق عرشه، ردّ عليه بصوت كالصدى في كهف مظلم:
— نولان: "توقّعتُ منك أكثر… بيوم أودجين. حتى الآن، لم أرَ شيئًا سوى ضربات عضلاتك. متى ستُريني… أنك خصم يليق بي؟"