تصدّع الهواء لحظة سقوط الظل الضخم أمام بيوم، ارتجّت الأرض وكأنها تلقت هبوط نيزك، غبار أسود تدفّق، وصوت صدع مدوٍّ اخترق السكون. رفع بيوم رأسه، وها هو يرى نولان… لكن لم يكن نولان المعتاد، بل وحش بشري متجسد في هيئة ملك أسطوري. ‎ ‎قامته تجاوزت الثلاثة أمتار، ذراعاه طويلتان، قبضتاه مدرعتان بفولاذ أسود متلألئ بخطوط حمراء متوهجة، عيناه بريق أبيض يشتعل بجنون، وتاج مرصع بأحجار بنفسجية يرمز لعرش اللعبة. جسده محاط بهالة داكنة تتحرك كألسنة لهب حيّة، وملابسه مأخوذة من أناقة الطوائف الصينية القديمة، لكنها مشبعة برائحة الدم والجنون. ‎ ‎مدّ الملك ذراعه، وصوته كالرعد: ‎– "أهنّئك يا بيوم… لقد أبَدتَ جميع جنودي، لكنك لم تلتزم بالقواعد. لم تحترف قوانين لعبتي. حان الوقت كي تواجه… الملك نفسه!" ‎انفجر صوته بضحكة هستيرية، تردّدت أصداؤها كصفارات الموت. ‎ ‎شدّ بيوم قبضتيه، عيناه تلتمعان بهالة قاتمة. ‎– "أنا لا أريد لعب لعبتك، نولان. ما أريده هو قتالك أنت فقط." ‎ ‎اشتعلت طاقة بنفسجية داكنة من جسد نولان، حتى بدا كبركان يفور. ردّ بيوم بهالته الخاصة، عضلاته توترت، ووجهه غطّته ظلال من التركيز والغضب. ‎في نفسه: (إنه جاد هذه المرّة… أشعر أنني ما زلت عالقًا في مجال لعبته، ورغم ذلك قوته الدفاعية وحشية. هل يخفي مهارة أخرى؟ عليّ أن أحذر…) ‎ ‎دون أي مقدمات، تحرّك نولان كصاعقة سوداء. قبضته الضخمة اندفعت، والهواء حولها تمزّق. ارتفع صوت التصادم حين اعترضه بيوم باندفاع مماثل، انفجار موجيّ هزّ المكان. تفتتت الأرضية تحت قدميهما، الشرر تطاير. ‎ ‎لم يترك بيوم فرصة، فجسّد ألوحه، زجاجية، خشبية، فخارية، وحديدية، من الصغيرة الرقيقة إلى الضخمة كالجبال. اندفعت كلها كأمطار سيوف. لكن نولان مدّ ذراعيه وسدّد الضربات، قبضته تحطم الزجاج، تفتت الخشب، تكسر الفخار، وانشطر الحديد وكأنه ورق. كل ضربة من يديه المدعمتين كانت كفأس عملاق يكسر عالماً من الزجاج. ‎ ‎اقتربا من بعضهما، وبدأت المجزرة الجسدية. أكثر من مئة ضربة في ثانية واحدة، قبضات، ركلات، مراوغات. الهواء تفتت من السرعة، أصوات العظام واللحم تصطدم كالطبول. بيوم يتراجع خطوة، ثم يستجمع قوته، فيُجسّد لوحًا ضخمًا، أكبر من جدار قلعة، يدور حول نفسه بسرعة مروحية. وجهه تغيّر لملامح شنون، عروقه بارزة، أنفاسه عميقة. ‎ ‎الألواح انطلقت بلمح البصر، أقل من جزء من الثانية، كالمناجل التي تشطر الفضاء. لكن نولان أطلق هالة حمراء، ساطعة، وحطم الألواح بقبضته، دويّ التكسير تردّد مثل انفجار مدويّ. اندفعا مجددًا، قبضاتهما تتلاقى، كل واحدة كفجر نووي. ‎ ‎الأرض اهتزت، تشققات ابتلعت البلاط الحجري، والأعمدة انبعثت فجأة من الأرض كالوحوش، تتجه نحو بيوم. صرخ بيوم وهو يُسقط ألوحه دفاعًا، يتكسر العمود تلو الآخر، ثم يندفع ويصطدم بوجه نولان مباشرة، خدش عميق يخط على خده.

تجمّد الزمن للحظة، ثم… ‎ ‎صرير معدني ارتجف في الفراغ، وجندي هائل تجسد بجانب الملك. ‎درعه أسود وأبيض، يمسك سيفًا أعرض من جسد إنسان، بطول أربعة أمتار، يلمع بلون الموت. ‎ ‎توسّعت عينا بيوم. ‎– "ما هذا؟!" ‎ضحك نولان، صوته كصرير الحديد: ‎– "لا تنسَ… أنت ما زلت في مجال لعبتي. كل خدش على جسدي يولد جنديًا جديدًا. أنا الملك هنا! ههههههه!" ‎ ‎زفر بيوم بعنف، عروقه مشدودة: ‎– "إذًا هذه هي لعبة إيفو… لا مشكلة. سأكسرها بقواعدك نفسها." ‎ ‎اندفع الجندي الجديد، سيفه يهوي كحائط من الظلام. تراجع بيوم، جسّد ألواحًا متتالية. السيف حطّم الأولى، الثانية، الثالثة، والصدمة ارتطمت به، أرسلت جسده يتدحرج. لحظة صمت، ثم نهض، وجهه ينزف، لكنه يضحك. ‎ ‎بدأت الألواح تدور حوله كالمدارات، تتقاطع بخطوط قاتلة، كأنها كواكب زجاجية معدنية في مدار دموي. رفع يده اليمنى، وأطلق انفجارًا من عشرات الألواح نحو الجندي. ‎ ‎اصطدم السيف بالألواح، شرارات عملاقة ملأت المكان، موجات الضغط دفعت الهواء بعيدًا. لكن بيوم لم يتوقف، صرخ وأطلق ألوحًا أكبر، لوحًا حديديًا بعرض عشرة أمتار، ألقى به بكل قوته. الجندي رفع سيفه، تصادم الاثنان، وانفجر المشهد. ‎ ‎الانفجار غطى نصف القاعة، دخان أسود وغبار، واهتزاز كأن زلزالًا ضرب المكان. سقطت شظايا الحديد والزجاج من الأعلى، والدخان لم ينقشع بعد. ‎ ‎لكن نولان لم يتحرك من مكانه. ‎وقف، عيناه مشتعلة، تاجه يلمع أكثر. ‎ضحك بجنون، يفتح ذراعيه: ‎– "كلما أصبتني، كلما ازدادت ألعابي. لا يوجد نهاية هنا يا بيوم… إلا الموت." ‎ ‎وفي اللحظة التالية، تفتحت الأرض، وتدفّق منها جنديان آخران: أحدهما بسوط ملتهب، والآخر برمح طويل يلمع كالثلج. ‎ ‎أحاطوا بيوم، ثلاثة وحوش في آن واحد. ‎ ‎تنفّس بيوم، جسده كله مغطى بالدم، لكنه شدد قبضتيه، وصرخ بصوت دوّى: ‎– "إذن… سأحطم ملكك ولعبتك… ولو بالدم!" ‎ ‎اندفعت المعركة نحو الجنون. ‎تقدّم الملك بخطوات هادرة، كل خطوة تُحدث اهتزازًا في الأرضية وكأنها مطرقة جحيمية تُدكُّ صخورًا قديمة. ومن خلفه، اصطفّت الجموع السوداء: جنوده الذين عادوا للحياة من جديد، يتشكلون كأمواج مظلمة لا تنتهي، سيوفهم ترتفع جميعها في آن واحد، والدماء التي سالت من أجسادهم سابقًا تحولت إلى بخار أحمر يلتف حول دروعهم الحديدية. ‎ ‎بيوم أدار رأسه، أنفاسه الثقيلة تُشعل صدره صعودًا وهبوطًا. العرق المختلط بدماء الجنود التي سالت عليه جعل وجهه كقناع محارب خرج من جحيم المعارك. مدّ يديه إلى الأمام، وعيناه تشعان ببريق شيطاني لم يسبق له أن أطلقه من قبل. ‎ ‎بووووم!!! ‎ارتجّت الساحة فجأة، وخرجت من الأرض ألواح ضخمة، بعضها بارتفاع جدار قلعة، وبعضها رقيق كالسهام، كل لوح مختلف في المادة والبنية: ‎ ‎زجاجي يلمع بحدة قاتلة. ‎ ‎خشبي محفور عليه تعاويذ سوداء تتوهج. ‎ ‎فخاري متشقق ينفجر عند الاصطدام. ‎ ‎حديدي ثقيل، حوافه حادة كالفؤوس. ‎ ‎ ‎الألواح تدور في الهواء حول بيوم كأعاصير من الموت، صوتها وهي تتحرك كالبرق الذي يخترق السماء. ‎ ‎صرخ بيوم بصوت انفجر من حنجرته: ‎"تعال أيها الملك… ولْنَرَ من يَسقط أولًا!!!" ‎ ‎اندفع الجنود دفعة واحدة، كألف سهم أُطلق من قوس واحد. الأرض تهتز تحت وقع خطواتهم، غبار كثيف يملأ المكان، وسيوفهم تعكس الأضواء الأرجوانية المنبثقة من هالة نولان. ‎ ‎في اللحظة نفسها، تحرّكت الألواح… كالنيازك! ‎اندفعت بسرعة تفوق سرعة العين، بعضها يقطع الهواء كالسيوف، وبعضها يسحق كل ما يقابله كالمطارق، وبعضها ينفجر حين يصطدم بدرع جندي، محولًا جسده إلى أشلاء تتطاير في كل اتجاه. ‎ ‎كرااااااش!!! ‎لوح زجاجي اخترق صدر جندي، فتناثر جسده إلى دماء وغبار أحمر. ‎بااااام!!! ‎لوح حديدي اصطدم بصف من الجنود، وسحقهم دفعة واحدة، عظامهم تتفتت كأنها قش. ‎فوووووش!!! ‎الألواح الخشبية المشبعة بالتعاويذ اشتعلت بنيران بنفسجية، ثم انطلقت نحو الجنود المحيطين ببيوم، فحولت أجسادهم إلى شعلة جهنمية تصرخ وتذوب. ‎ ‎لكن الجنود لم يتوقفوا، كل جندي يسقط يُبعث من جديد بيد الملك، ويزداد جنونهم في الهجوم. ‎ ‎وسط العاصفة، ظهر الملك نولان… ‎جسده العملاق يشق الصفوف، قبضته المدرعة تهوي على الألواح فتحطمها كما تُكسر الزجاجات الفارغة. بوم!! بوم!! بوم!! كل ضربة يوجهها تُطيح بعشرة ألواح دفعة واحدة. ‎صوته الجهوري هدر كالرعد: ‎"أنت لا تفهم، بيوم… هذه أرضي، وهذه جنودي، وأنا… الملك!!!" ‎ ‎اندفع بيوم للأمام، أقدامه تنفجر تحتها الأرضية، والدماء تترش على جانبيه. الألواح الضخمة بدأت تتجمع أمامه كجدار متحرك، تتحول إلى مطرقة هائلة بحجم برج كامل. ‎ ‎بوووووووم!!! ‎اصطدمت المطرقة بجنود الصف الأمامي، فتحولوا إلى رماد في لحظة، وأجسادهم تطايرت كالدمى المحترقة. لكن الملك كان هناك، قبضته الضخمة صدّت الهجوم، وانفجر المكان من شدة الاصطدام. ‎ ‎الغبار الكثيف غطى الساحة، صرخات الجنود تختلط بضحكة الملك المجنونة، وصوت أنفاس بيوم يشق الظلام. ‎ ‎وفجأة، من وسط هذا الدمار، انطلقت الألواح الصغيرة كالسهام المضيئة، عشرات، مئات منها، تتحرك في نمط دائري معقد، تصيب الجنود بدقة قاتلة. كل سهم يقطع عنقًا، كل لوح يخترق صدرًا، حتى امتلأت الساحة بأشلاء تتساقط كالمطر. ‎ ‎ومع ذلك… ما زال الملك واقفًا، لم يتراجع قيد خطوة. ‎رفع ذراعه العملاقة، فاشتعل تاجه بضوء أحمر قاتم، ومن تحته انطلقت سلسلة من الأعمدة الحديدية من الأرض، كوحوش معدنية تحاول سحق بيوم من كل اتجاه. ‎ ‎لكن بيوم صرخ من جديد، وأطلق ألواحه حول جسده كدروع دوارة. ‎كاااااااااااااااااااااااانغ!!! ‎اصطدمت الأعمدة بالألواح، شرر يتطاير في السماء، صوت التصادم أقرب إلى انهيار جبال. ‎ ‎الجنود، الملك، الألواح، الدماء، الانفجارات… ‎كل شيء تحوّل إلى جحيم مطلق. ‎ ‎بيوم وسط ذلك الجحيم، جسده مغطى بالدماء، عروقه بارزة، عيناه متوهجتان كعيني وحش لا يعرف الموت. ‎قال بصوت متقطع لكنه ممتلئ بالعزم: ‎"حتى لو كان هذا ميدانك… حتى لو كنت ملكه… سأحطمك أنت… وجنودك… وأرضك!!!" ‎ ‎ثم فجأة أطلق ألواحه كلها دفعة واحدة. ‎أمواج من الحديد، الزجاج، الخشب، الفخار، تصطدم بالجنود من كل اتجاه، كأن الأرض نفسها ثارت ضدهم. الانفجارات تتوالى، الدماء تغطي السماء، والملك نفسه يُجبر على التراجع خطوة، لأول مرة. ‎

2025/08/18 · 6 مشاهدة · 1285 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025