ارتجّ المجال المغلق ارتجاجاً عنيفاً، كأنّ السماء قد انشقت على نفسها. ‎الملك، بهيئته العملاقة، رفع قبضته المدرّعة، وفي اللحظة نفسها تحركت عشرات الجنود، بأجساد تفوق الحديد صلابة وسيوف تتلألأ كأنها مقطوعة من نجمٍ محترق. لم يكن هجومهم فردياً… بل موجة متكاملة، عاصفة لحم ودم وحديد، تتدفق على بيوم من كل اتجاه. ‎ ‎بيوم لم يتراجع. تنفّس ببطء عميق، صدره انتفخ ثم زفر زفرة كأنها ريح جهنمية، وانفجرت الواحات حوله دفعة واحدة: ‎ألواح من الفخار تهتز كالعواصف الترابية، ألواح من الخشب تتحرك مرنة كالدوّامات، ألواح من الحديد الصلب تصطدم ببعضها مطلقة شرارات قاتلة، وأخيراً الزجاج، شفاف كالسراب لكنه يقطع الهواء بسرعة الضوء. ‎ ‎تحولت الساحة إلى جحيمٍ من التصادم. ‎كل جندي يهوي بسيفه، يقطعه لوح من زجاج يلمع كالنصل، وكل درعٍ يرفعه أحد الجنود، يتهشم بضربة حديدية ساحقة. ومع كل انفجار، كانت الأرضية نفسها ترتجف، والجدران تهتز حتى كادت تنهار. ‎ ‎لكن الملك لم ينتظر. ‎قفز كأنه جبل يقتلع من الأرض، قبضته المدرّعة تهوي على بيوم كنيازك تسقط من السماء. صدمته وحدها أطلقت موجة صادمة، دفعت بيوم إلى الخلف عدة أمتار، حتى أن قدميه حفرتا خطين عميقين في الأرضية السوداء للعبة. ‎ ‎— الملك (بضحكة مرعبة): "هيا يا بيوم! أرني… أرني ما تصفه بالشراسة! أرني لماذا تجرأت على دخول مجال ملك اللعبة!" ‎ ‎— بيوم (يتنفس بحدة، عيناه تتوهجان): "إن لم أقاتلكم جميعاً دفعة واحدة… فلن ينتهي هذا الجحيم." ‎ ‎انفجر جسده قوةً، كل عضلة تبرز، وارتفعت هالته السوداء، محاطة بوميض بنفسجي يلتهم الهواء نفسه. الواحات تحركت بسرعة جنونية، كأنها فقدت كتلتها وأصبحت نيازك مصغّرة. ‎ضرب بيوم بجسده للأمام، اندفع، وأطلق جميع ألواحه كعاصفة إعصارٍ واحدٍ. ‎ ‎بوووم!!! ‎اصطدمت الألواح بمئات السيوف، بدروعٍ وأذرعٍ وسكاكين ضخمة، وكل تصادم كان انفجاراً منفرداً، ناراً تلتهب، شظايا تتطاير. أحد الجنود انشطر نصفين حين اخترق لوحٌ زجاجي صدره، وآخر تهشّم رأسه عندما سقطت عليه واحة حديدية بحجم جدار قلعة. ‎ ‎لكن الملك تقدّم وسط هذا الجحيم، لا يتوقف، يده الضخمة تمزق الألواح بالصفعات فقط، صدره يتلقى الانفجارات بلا تراجع، عينيه الحمراوين تتوهجان كأنهما قمران جهنميان. ‎رفع قبضته مرة أخرى، هذه المرة لم تكن مجرد ضربة… بل موجة من الطاقة الحمراء، خرجت من ذراعه كأنها شعاع حارق. ‎ ‎ارتطمت الطاقة بجدارٍ كامل من الواحات، فانفجرت الواحات دفعة واحدة كألف قنبلة. ‎الهواء نفسه تمزق، وبيوم دفع للخلف، الدم ينزف من كتفه، من فمه، لكن ابتسامة شريرة ارتسمت على وجهه. ‎ ‎— بيوم (يمسح الدم بيده): "أنت قوي… أقوى مما توقعت. ‎ ‎وبإشارة من يده، عادت الألواح المنفجرة إلى التشكل. هذه المرة، لم تعد مجرد قطع؛ بل وحوش من الألواح، تماثيل ضخمة مكوّنة من الحديد والفخار والزجاج، أجنحتها من الخشب المشدود، تتحرك بسرعة الريح. ‎اندفعت هذه الوحوش على الجنود، لتبدأ حرب داخل الحرب: الجنود ضد وحوش الواحة، والملك ضد بيوم. ‎ ‎السماء المزيّفة داخل المجال امتلأت بالشرر والدم، كل حركة تترك وراءها أثر نارٍ أو كسراً في الفراغ. ‎بيوم و الملك تصادما وجهاً لوجه، أكثر من مئة ضربة في ثانيتين، قبضات تكسر العظام، ألواح تطعن كالسكاكين، وأرضية تنفجر تحت أقدامهم. ‎ ‎صرخة بيوم اختلطت بضربة الملك: ‎— "هاااااااااااااااااااااااااااا!!!" ‎— "غرااااااااااااااااااااههاهاهاهاهاااااا!!!" ‎ ‎تزلزل المجال كله، حتى أن السماء السوداء تشققت، واهتز التاج على رأس الملك، فيما انهار نصف الميدان إلى حطام. ‎ ‎ومع ذلك، لم يسقط أحد. ‎كلاهما واقف، الدم يسيل من جسديهما، الأنفاس متقطعة، العيون مشتعلة… ‎المعركة لم تصل إلى منتصفها بعد. ‎الثلج صار أشبه بعاصفة بيضاء، يلسع الجلد ويخنق الأنفاس، لكن لا أحد من الاثنين كان يراه، ولا أحد كان يسمع سوى دوي تصادمهما. ‎ ‎نولان لم يعد ملكًا فقط، بل صار تجسيدًا مطلقًا للعبة. جسده المدرع يزداد سماكة، التاج يشع بضوء دموي، وعيناه تتحولان إلى دوامتين بنفسجيتين تحترقان بجنون. فجأة اهتزت الأرض كلها، وكأن الرقعة التي صنعها لم تعد مجرد لعبة، بل عالَم كامل يرزح تحت حكمه. ‎ ‎من السماء تساقطت بيادق حية، من زجاج وحديد وفخار، كل واحد منها أطول من ثلاثة رجال وأسرع من الريح. خلفهم الفرسان يمتطون خيولًا من نار سوداء، والرماة يمدّون أوتار أقواس تشبه أمعاء الوحوش، والسيوف تلمع كبرق لا ينطفئ. ‎ ‎صوت الملك نولان دوّى كالرعد: ‎ـ "أنا الملك هنا! كل نفس تتنفسه، كل خطوة تخطوها، كل قطرة دم تسقط منك… تحت سلطتي أنا!" ‎ ‎في لحظة، تحركت الرقعة كلها ضده. ‎جنود، فرسان، أبراج حجرية تنهض من الأرض نفسها، حتى المربعات البيضاء والسوداء تحولت إلى فخاخ. ‎ ‎أما بيوم فقد شدّ عضلاته، وانفجرت منه الهالة مثل نيزك مزّق الغيوم. الواح الزجاج تدور حوله كالمدارات، الواح الفخار تتحطم ثم تولد من جديد، الواح الحديد تصطف كجدار لا يمكن اقتحامه. وفي اللحظة التي اندفع فيها أول جندي، انكسرت عظامه تحت لكمة واحدة من بيوم، لكن خلفه جاء عشرة آخرون بسرعة أضعاف، سيوفهم تقطع الهواء وتترك شرارات تلسع العيون. ‎ ‎القتال صار أسرع من أن يُرى. ‎في الثانية الواحدة تصادمت المئات من الضربات: ‎ ‎بيوم يلوح بيده، فتنفجر مئات الألواح دفعة واحدة كسرب شهب يخترق الساحة. ‎ ‎الملك يفتح قبضته، فتنحني الرقعة كلها ويجذب الألواح كأنها قطع خشبية صغيرة، ثم يعيدها ضد صاحبها. ‎ ‎جنود اللعبة يندفعون كأمواج بشرية، وكلما تحطموا عادوا وولدوا من جديد من المربعات، كأن اللعبة لا تعرف الموت. ‎ ‎ ‎أرض الرقعة تهتز بعنف، تتصدع وكأنها ستسقط في فراغ أسود تحتها، أصوات الحديد والزجاج تتحطم في كل اتجاه، أضواء بنفسجية وحمراء تتفجر كقنابل سحرية. ‎ ‎بيوم يصرخ وهو يصد عشرات السيوف والحراب: ‎ـ "أهذا كل ما لديك يا نولان؟! إن كنت ملكًا… فأرني عرشك يهتز تحت قبضتي!" ‎ ‎الملك يضحك بجنون، ضحكة تشق الساحة كلها: ‎ـ "لا يا بيوم… لم أرَ بعد وجهك وأنت تسقط راكعًا. هههههه!" ‎ ‎في لحظة، رفع يده المدرعة، وتحوّل كامل مجال اللعبة إلى شيء أشبه بكابوس حي: ‎ ‎السماء تحولت إلى لوح شطرنج أسود-أبيض، كل مربع ينفجر برعد وصواعق. ‎ ‎الأرض تقلبت وصارت قطعًا ضخمة تتحرك تحت أقدامهم. ‎ ‎الجنود لم يعودوا جنودًا فقط، بل تحولوا إلى مزيج من الوحوش والأسلحة: سيوف بأجنحة، دروع تزحف على الأرض، رماح مشتعلة تقطر دماً. ‎ ‎ ‎أما بيوم فارتفع فوق كل ذلك، يصرخ ويقذف بألواحه في دوامات جحيمية، ألواحه الآن ليست مجرد دروع، بل أعمدة كونية، زجاج ينفجر كالبركان، فخار يتشقق كالأرض الجائعة، خشب يضرب كأفعوان حي، وحديد ينهار ثم يعود أشد صلابة. ‎ ‎تصادما في قلب الساحة، ملك وجنوده ضد بيوم وألواحه، السرعة فاقت الخيال، كل ضربة تُحدث انفجارًا يشطر الرقعة نصفين، كل خطوة تهدم الأبراج، كل نفس يشعل العاصفة. ‎ ‎كان كأن الكون كله قد تحول إلى رقعة شطرنج عملاقة… لكن بلا قواعد، بلا توازن… مجرد حرب مطلقة بين ملك وجنوده ضد رجل واحد يرفض السقوط.

2025/08/18 · 3 مشاهدة · 1021 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025