تخيَّل الآن، يا صديقي… المجال يهتزُّ كأنّه جحيم مطبق، لوحاته الزجاجية والخشبية والحديدية والفخارية تحطّمت وانبعثت من جديد في دوامة لا تنتهي، الجنود الذين استُدعوا في ساحة الملك يتوزّعون كأشباح من حديد ونار، لكن كل ذلك بدا وكأنّه مجرد مقدمة للهيجان الأعظم. نولان – الملك وقف شامخًا، تاجه يتوهّج بنور دموي، صوته يصدح بصدى مجنون يفتك بالهواء: ـ "لقد حان وقت الطور الحقيقي… أن ترقص في جحيم ملك اللعبة!" وفجأة، انطلقت منه دوائر أرجوانية وحمراء، كأنّها آلاف الأختام الغامضة تتفكّك وتنفجر. الأرض انشقت، والسماء داخل المجال صارت مغطاة بعيون نارية تراقب بيوم. الجنود لم يعودوا مستقلين، بل صاروا جزءًا من إرادة الملك، يتحرّكون جميعًا كما تتحرّك أصابع اليد الواحدة. بيوم شدّ جسده حتى كاد جلده يتمزق، الهالة السوداء الداكنة تحوّلت إلى أعمدة من بخار ساخن يندفع من مسامه، وألواحه أخذت بالاتساع لتصبح جبالًا دوّارة من زجاج وحديد، تندفع بسرعة جنونية نحو الملك وجنوده. اصطدمت الأمواج ببعضها، لوح ضخم كقلعة ضرب جنديًا يحمل رمحًا فحطّمه نصفين، لكن في اللحظة نفسها خمسة جنود آخرين اندفعوا، وكل ضربة منهم تحمل وزن جبل. بيوم كان يستقبلهم بألواحه كأنّه يملك جدارًا يتحرّك بسرعة الضوء. نولان رفع قبضته الملكية، طولها متران تقريبًا، مغلفة بدروع سحرية، وضرب الأرض. من الضربة وحدها تفجّر المجال وانطلقت مئات الأعمدة الحجرية التي حاصرت بيوم. لكن بيوم لم يتراجع، بل فجّر كل لوح من ألواحه حوله، فتحولت إلى شظايا حادة كالسهام، تندفع بسرعة خيالية. المكان صار إعصارًا من الزجاج والحديد والدم. الجند الملكي يسقط واحدًا تلو الآخر، لكن الملك لم يتأثر، بل ازداد ضحكًا وجنونًا. ـ "أجل! هذا ما أريده منك، بيوم! أفرغ جنونك، فأنا الملك هنا!" اندفع الملك بنفسه، طوله الشاهق يثير الرعب، قبضاته الضخمة تضرب بيوم بسرعة مئة لكمة في الثانية، كأنّ الزمن نفسه ينكسر تحتها. بيوم لم يكن أضعف؛ ألواحه تدور حوله، بعضها بحجم حوائط، بعضها كسيوف، بعضها كأقراص تدور كالمناشير. الاصطدام كان جهنميًا. كل ضربة منهما تدمّر فراغ المجال. الجنود ينقضّون مع الملك، وبيوم وسط العاصفة، يحارب بمزيج من قوته الجسدية وهياج ألواحه. ؛ أصوات الانفجار، تصادم الهالات، الارتجاج في كل أركان العالم الوهمي. الهواء نفسه صار مليئًا بالشرر الأرجواني والأسود. بيوم صرخ، والدم يقطر من فمه: ـ "لن أسمح… لك بالهيمنة علي!" الملك انفجر طاقته أكثر، تاجه تفجّر، وتحولت عيناه إلى شموس دامية. المجال نفسه لم يعد يتحمل… صار نولان هو المجال، يتحكم في كل شيء. الأرض تذوب، السماء تتشقق، والجنود يُبعثون من جديد بعد موتهم، عشرات، مئات، يندفعون دفعة واحدة. بيوم فقد أنفاسه لكنه لم يتراجع، عضلاته تقطر دمًا، ألواحه ما زالت تتوالد بلا توقف، حتى شكّل حوله قلعة دوّارة تصدّ ضربات الملك والجنود معًا. لكن الجحيم لا يدوم. بعد دقائق من القتال المرعب، بدأ الجانبان ينهكان. ألواح بيوم تتفتت، تتكسر، وتذوب. الجنود يتساقطون، يعودون رمادًا. وهالة الملك تتشقق، جسده المدرع بدأ ينزف ضوءًا أحمر قاتمًا. توقف الاثنان لحظة… يلهثان، أنفاسهما مشتعلة كأفران. ثم فجأة، زال المجال. اختفت الألواح والجنود والملك المدرع. لم يبقَ إلا نولان الحقيقي وبيوم، جسدان متعبان، واقفان وسط ركام وهمي. تبادلا النظرات، لا سحر، لا تقنيات، لا مهارات. فقط قبضتان بشريتان. اندفع الاثنان في آن واحد، يتضاربان بلكمات نقية، صافية، ببطء لكن بثقل العالم كله. كل لكمة تصيب وجه الآخر تترك صدىً مجنونًا في الأجواء، كل لكمة دمٌ وعرق، كل لكمة غضبٌ وإصرار. أصبح القتال الآن مجرد رجلين يتقاتلان حتى آخر نفس، لا مجال، لا قوانين، لا ملك ولا ألواح. ـ نولان يصرخ: "بيوم!" ـ بيوم يردّ: "لن أتوقف!" حتى تحطمت قبضاتهما معًا، وسقطت قطرات الدم، والمشهد يغرق في صمت مرعب. ارتجّت الأرض من تحتهما كأنها على وشك الانهيار. السماء انفتحت على شقوق نارية، الغبار يلتفّ حول جسديهما، والهواء من شدّة السرعة تحوّل إلى صفير قاطع للآذان. لم يعد هناك "جنود" ولا "ألواح"، ولا حتى قوانين اللعبة… فقط الملك والمنشقّ بيوم، يقفان وجهاً لوجه، يلهثان، يتصبّبان عرقاً ودماء، يتبادلان نظرات وحشية لا مكان فيها للعقل.
نولان (بصوت مجنون، وهو يتقدّم ببطء): "هاهاها… انتهت لعبتي… لكن المتعة الحقيقية تبدأ الآن! أنت… مجرد كيس لحم سأمزّقه بيدي!" بيوم (يمسح الدم عن فمه): "اصمت أيها الملك الزائف… إن أردت قتلي، فتعال… ولا تتراجع خطوة!" انطلقا في اللحظة نفسها. بوووم!! الهواء انفجر بينهما حين ارتطمت قبضتاهما، موجة صدمية هزّت الأفق، الصخور ارتفعت عن الأرض وتفتّتت، الرمال اندفعت كإعصار عملاق. نولان يضرب بمرفقه كصاعقة، لكن بيوم يصدّه بكتفه، الدم ينفجر من جلده. بيوم يردّ بلكمة في معدة نولان، فينزف الأخير دماً أسود يلطّخ التاج الذهبي فوق رأسه. تصادمت جباههما، تشققت العظام من شدّة الاصطدام، حتى أسنان نولان تكسّرت وطارت مع البصاق الدموي.
سرعتهما لم تعد بشريّة. تقدّم بيوم بركلة دوران، انطلقت كسيف هوائي اخترق عشرات الأمتار، لكن نولان أمسك ساقه وضربه بالأرض بعنف جعل التربة تنفجر كبركان صغير. نهض بيوم فوراً، عينيه حمراوان، وصرخ وهو يندفع: "هيااااااا!!!" تبادل الاثنان مئات اللكمات في ثوانٍ: أصوات بووم! كراش! بااام! تتردّد في كل الاتجاهات. الأرض لم تعد تحتمل، فانهارت على شكل فوهات عملاقة. أجسادهما تصطدم كقطارين يخرجان عن مسارهما كل ثانية.
على بعد كيلوماتر كان كايزو واقفاً على ربوة عالية، يضع يده على عينيه ليحجب الغبار، بينما ظلّ أمادا ساكناً، ويداها خلف ظهرها كايزو (بغضب): "ألا ترى؟! إنهما سيدمّران المكان بأكمله! يجب أن نتدخل!" أمادا (ببرود، عينيها تراقبان المشهد): "قلت لك… ديميتري اشترى هذا الصراع بماله. يريد أن يرى نولان يقاتل حتى الموت. لا شأن لنا… نحن مجرد متفرجين." كايزو (يضرب قبضته بالحائط الحجري): "تبااااا!!"
ساحة القتال. نولان قفز عالياً، قبضته المصفّحة تهبط كنيزك. لكن بيوم رفع ذراعيه المتفجّرتين بالدم، وصدّ الضربة رغم أن عظامه كادت تتحطّم. بووووم!!! انفجار ترابي هائل غطّى الأفق، صراخ الحديد على الحجر، وكأن جبلين يسحقان بعضهما.
كلاهما بدأ يفقد السيطرة على جسده أذرع بيوم مليئة بالكدمات، لحمه ممزّق، وضلوعه بارزة. صدر نولان غارق بالدم، التاج مائل، ودرعه الذهبي تحوّل إلى قطع متشققة. لكن رغم ذلك… ابتسما. نولان (بضحكة مجنونة): "هاهاهاهاها!! أشعر أنني حي!!" بيوم (بزفير حاد): "…… لن… أسقط… قبل أن أسقطك!" . قبضة بيوم تضرب وجه نولان بقوة جعلت أسنانه تتناثر. قبضة نولان تسحق فك بيوم حتى انكسر نصفه. تبادلا الضربات بدون حذر، بدون دفاع، مجرّد وحشين يتقاتلان حتى آخر نفس. كل لكمة كانت تهزّ الأرض، كل ضربة كانت تفتح فوهة جديدة. صوت العظام المتكسّرة امتزج بصوت الرياح الصاخبة.