كان جسد بيوم أشبه بكتلة من الدماء تسيل منه، كأن عروقه لم تعد تحتمل احتراق القوة في داخله. قطرات الدم تتساقط من جبينه، من ذراعيه، من صدره، كأن الجسد كله قد صار نزيفاً، لكنه ما زال واقفاً، كأن وقفته وحدها تحدٍّ للعالم. ‎لهاثه ثقيل، صدره يتأرجح صعوداً وهبوطاً، ويداه ترتجفان ارتجاف المسافر الذي شارف على الموت عطشاً في صحراء لا نهاية لها. ‎ ‎قال بصوت متقطع: ‎ــ "نولان… قوي جداً… لم أتوقع أن يخرج من داخلي هذا الكم من الجنون… لقد جعلتني أستعمل كل ما أملك، حتى آخر ذرة من حياتي. ها هما يداي… لا تكفان عن الرجفان… أنت… نعم أنت… الخصم الذي طالما انتظرته." ‎ ‎ ‎ ‎لكن فجأة… سكون رهيب. ‎ظلّان ظهرا أمامه، على بعد خمسة عشر متراً. ‎ ‎الأول كان ضخماً، كجبل يمشي، ارتفاعه يقارب مترين كاملين، جسده مثل جدار بشري، مغطى بالعضلات والحضور الطاغي. والثاني أقل ضخامة، لكن ملامحه الباردة ووقفته الحادة تكفي لتجعل الدم يتجمد في العروق. ‎ ‎بيوم اتسعت عيناه، وصدره انقبض. ‎همس وكأنه يخاطب نفسه: ‎ــ "لا… مستحيل… هذا… هذا… فرقة أوڨا… أمادا… وكايزو… لا يمكن…" ‎ ‎ضحكة خافتة خرجت من بين أسنانه الملطخة بالدماء، ضحكة أشبه ببكاء مختنق. ‎ــ "هاها… إذاً… هذا هو يوم موت بيوم أودجين… سامحني يا تشاي… لقد خذلتك لم أكن سوى نكرة في طريقك." ‎ ‎ثم صرخ صرخة خرجت معها كل بقايا الحياة، صرخة جعلت الأرض تهتز، والسماء تتشقق بخيوط من طاقة مسمومة. ‎الهواء من حوله كان يشتعل بخيوط هالاته الممزقة، ألواحه الفخارية الضخمة بدأت تتجسد، مئات الألواح تتشكل في دوائر جنونية، تدور حوله كعاصفة هوجاء، كل لوح أكبر من الآخر، بعضها بارتفاع جدار وبعضها بسماكة الصخور، تدور وتدور بسرعة تصدر صفيراً يقطع طبلة الأذن. ‎ ‎الألواح الفخارية تضاعف عددها، حتى صارت مئات الألواح الضخمة، بعضها بارتفاع الأبراج، تدور بشكل جنوني، كل لوح يصفع الهواء مولداً انفجارات صغيرة حوله. ‎ ‎وفي جزء من ثانية، اندفعت كل تلك الألواح نحو كايزو وأمادا بسرعة لا يراها إلا من تجاوز حدود البشر. ‎الانفجار الأول جعل الأرض تتشقق، والثاني مزّق الأشجار البعيدة، والثالث جعل السماء نفسها تعكس بريقاً أحمر قاتماً. ‎ ‎الألواح الضخمة تقدمت حتى وصلت رقبة كايزو مباشرة. ‎كانت المسافة لا تزيد عن سنتيمتر، وبيوم ابتسم بضحكة وحش يحتضر، وصرخ: ‎ــ "موتوااااا!" ‎ ‎لكن… ‎في لحظةٍ واحدة، كل الألواح تجمدت. ‎نعم… توقفت كأنها صارت حجارة معلقة في الفراغ، لا تتحرك، لا تهتز، صارت أسيرة هالة بنفسجية باردة أحاطت بها. ‎ ‎بيوم صرخ من أعماق حلقه: ‎ــ "سحقاً لك… كايزووووو!" ‎ ‎ثم اندفع بجسده بكل ما تبقى من قوة، كصاروخ يحاول تمزيق جدار الزمن. لكن فجأة، جسده تجمد هو الآخر، قدماه لم تعد تلامسان الأرض، كأنه محبوس داخل الفراغ نفسه. ‎ ‎ ‎الظل الضخم اقترب، كان أمادا، بجسدها العملاق، بخطوات تجعل الأرض تهتز تحت قدميها. ‎في لحظة ظهرت خلف بيوم، يدها الكبيرة تغطي نصف جمجمته، أمسكت رأسه كما يُمسك طفل كرة صغيرة. ‎ ‎بيوم حاول الصراخ، حاول تحرير نفسه، لكن قوته قد انتهت، جسده لم يعد سوى جثة تمشي. ‎ضغطت أمادا بخفة، ضغطة واحدة فقط. ‎ ‎ـــ بوووووووووم! ‎ ‎الرأس انفجر، الدماء تناثرت على الأرض والجدران والهواء، بقايا الجمجمة تطايرت، والدم الحار سال مثل نافورة. ‎ ‎سقط الجسد بلا رأس، ارتطم بالأرض ارتطاماً ثقيلاً، وتبعثرت الألواح الفخارية كلها في الهواء كأجنحة مكسورة، قبل أن تتحول إلى شظايا صغيرة ثم تختفي كأنها لم تكن. ‎انفجرت السماء بصوت مكتوم كأنها أعلنت حدادها على رأسٍ تهشّم كالزجاج، وبقي الجسد بلا حياة يتدلى للحظات قبل أن يسقط على الأرض مثقلًا بدمائه. هالة بيوم التي كانت قبل ثوانٍ تزلزل الأرض وتتحدى السماء، انطفأت فجأة كشمعة تحت ريح عاصفة. صمت المكان إلا من صوت ارتطام جسده على الأرض، ارتجاج موجع أرسل صدى الموت إلى أعماق الحلبة الدموية التي صنعها. ‎ ‎كايزو ظل واقفًا للحظة، يرمق الألواح المتجمدة في الهواء قبل أن تتلاشى شيئًا فشيئًا وكأنها لم تكن. عينيه كانتا تنظران إلى الجثة ببرود، لكن داخله كان يغلي. التفت ببطء نحو أمادا، التي لا تزال واقفة كجدار لا يهتز، قطرات دماء بيوم تتساقط من يديها العريضة. ‎ ‎كايزو (بصوت منخفض، غاضب مكتوم): ‎ـ لِمَ قتلته بهذه السرعة؟ لو تركناه لبضع لحظات فقط، لكنا انتزعنا منه أسرارًا… لكنا عرفنا أماكن بقية أفراد عائلة أودجين. ‎ ‎رفعت أمادا رأسها قليلًا، نظرة صارمة متجمدة، وكأن الدماء على يديها لم تكن سوى غبار. أجابت ببطء، بلهجة تقطر احتقارًا: ‎ـ أنت لا تفهم يا كايزو… هذا ليس مجرد عدو. هذا من أودجين. وكل نفس يتنفسه يجعل الأرض أنتن، والسماء أضيق. وجوده بحد ذاته عار يجب أن يُمحى. ‎ ‎كايزو ضيّق عينيه، الغضب في صوته صار أوضح: ‎ـ لكنكِ بفعلك هذا… دفنتِ معلومات لا تُقدر بثمن! نحن لسنا هنا لنطهر الأرض من العفن، بل لنُنهي المهمة كما خُطِّط لها. ‎ ‎أمادا مدت يدها ومسحت بقسوة بقعة الدم عن ذراعها، ثم نظرت إليه بابتسامة باردة، صوتها يخرج عميقًا كالرعد: ‎ـ أنت تتحدث كثيرا و هذا يزعجني … . . ‎ ‎ظل الاثنان صامتين للحظات، نظرات متوترة في الهواء. خلفهما، جسد بيوم ممدد وسط بركة من دمه، كأنه شاهد أخرس على خلافهما. ‎ ‎كايزو أدار ظهره بخطوات بطيئة، قال بصوت مشبع بالاستياء: ‎ـ سنرى… أوڨا لن تكون مسرورة بما فعلتِ. ‎ ‎أمادا (بابتسامة باردة، وهي تحدق بجثة بيوم): ‎ـ فلتغضب من يهتم .

2025/08/19 · 6 مشاهدة · 816 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025