‎في غضون خمس ساعات فقط، وفي خرقٍ صريح لقوانين الجغرافيا والمنطق، انقسمت السماء نفسها لتفسح الطريق لطائرات المنظمة. كانت ستّ طائرات ضخمة، طلاءها أسود غير لامع، كأنها ابتُلعت من الظلال ثم بُصقت من فم العدم.

‎داخل كل طائرة، جلس المختبَرون بصمتٍ غريب. لا أحد يتكلم. لا أحد يتنفس بصوتٍ عالٍ. كل العيون كانت مشدودة إلى نوافذ مغبّشة، تنقل لهم صورة السماء بلونٍ رماديّ كالحزن.

‎2780 مقاتلًا.

‎كلّهم بأرقام، لا أسماء.

‎كلّهم وُعدوا بالمجد... أو الموت.

‎ اكثر من 200 منهم لم يصعدوا أصلاً.

‎لم يستطيعوا أن يتحمّلوا ضغط "القاعة".

‎فكيف سيكون الأمر الآن... حين يبدأ الاختبار الحقيقي؟

‎الطائرات لم تهبط كما تفعل الطائرات.

‎بل سقطت ببطء... كأنها تنزل على وسادة من العظام.

‎تحطمت الغيوم السوداء وهم يهبطون،

‎وانكشفت جبال غونغا كايلاش.

‎جبال... لا تشبه أي جبال.

‎ليست مكسوة بالثلج، بل بالسواد.

‎كأن فوهة من الجحيم رفعت نفسها من قاع الأرض وزرعت هنا.

‎صخورها سوداء. لا رمادية.

‎منقوشة بندوب الحمم القديمة،

‎تشبه أجساد من تعرّضوا للحرق ثم عادوا للحياة.

‎في السفح، كانت هناك شقوق تنفث الغاز كأنها تتنفس.

‎غاز مائل إلى الأخضر... ثقيل، كريه، ينفجر على فترات،

‎وصوته يشبه تنفّس شيطانٍ نائم.

‎في القاع، حلباتٌ بلا أسوار،

‎تُسمّى بـ:

‎"حلبات الحمم الغازية".

‎المكان... يتكلّم

‎لا أحد قال كلمة.

‎لكن الجبل نفسه كان يهمس.

‎كل من نزل شعر وكأن الأرض ترفضه.

‎كأن الجاذبية صارت أشد.

‎كأن الهواء... ليس هواءً.

‎الحرارة خفيفة في الأعلى،

‎لكن في الأسفل؟

‎يمكنك أن تسمع صوت الحمم وهي تتحرك تحتك.

‎كأنها وحش تحت الأرض... ينتظر.

‎الرائحة؟

‎مزيج من الكبريت، والحديد، و... اللحم.

‎نعم، كان هناك لحم محترق.

‎لكن لا أحد تجرّأ أن يسأل: من الذي احترق؟

‎خرج المشرفون من الطائرات أولًا.

‎وجوههم مغطاة بأقنعة من المعدن،

‎بذلاتهم سوداء محكمة،

‎يحملون لوحات زجاجية بأسماء...

‎لكن لم يكتب عليها سوى: "مرشّح/غير مرشّح".

‎واحد منهم، اسمه كان كادِس،

‎وقف في مقدمة حلبة،

‎ورفع صوته:

‎> "مرحبًا بكم في المرحلة الأولى من الاختبار.

‎هنا... لا توجد كاميرات. لا توجد قوانين.

‎من يسقط... يُترك.

‎ومن يهرب... يُحرق.

‎ومن ينتصر؟... سنفكر في مكافأته لاحقًا."

‎المنظر

‎من الأعلى، بدت غونغا كايلاش كجثة تنزف.

‎شقوقها تنفث الغازات،

‎وفوهاتها تُخرج ومضاتٍ برتقالية من الحمم النائمة.

‎أحد المختبرين تقيّأ فور خروجه من الطائرة.

‎آخر سقط على ركبتيه، وبدأ يضحك.

‎ضحكة لا تشبه شيئًا سمعته من قبل.

‎ضحكة شخص أدرك أنه لن يعود... لكنه سعيد بذلك.

‎وقف الجميع أمام الحلبة.

‎2780 مرشّحًا.

‎قلوبهم تدق،

‎لكن بعضها بدأ يخون أجسادهم.

‎وفي السماء...

‎بدأت الغيوم تتحرك عكس الرياح.

‎كأن شيئًا ما في هذه الجبال...

‎استيقظ.

‎وقفت "بلاك داون" فوق صخرةٍ تطل على الحلبة.

‎لم تكن ترتدي قناعًا هذه المرة.

‎وجهها كان واضحًا...

‎لكن لا أحد استطاع أن يقرأ تعابيره.

‎الظلال كانت تلعب على ملامحها كأن الضوء نفسه يرفض أن يلامسها.

‎رفعت يدها اليمنى، وتكلمت بصوتٍ جهير:

‎> "غدًا، الساعة السادسة صباحًا،

‎سينطلق أول اختبار رسمي."

‎> "الشروط؟ القوانين؟ التفاصيل؟

‎ستُعلَن عند الفجر."

‎> "أما الآن... فاختباركم ليس في القتال،

‎بل في البقاء."

‎> "كل واحد منكم، مسؤول عن نفسه.

‎اجلبوا معدات التخييم،

‎أقيموا خيمكم،

‎وناموا هنا... بين الغاز، والحمم، والظلام."

‎> "الجبال لن ترحم من يخطئ."

‎ثم ابتسمت... ابتسامة خالية من الرحمة،

‎واختفت في الضباب المتصاعد من الشقوق.

‎بدأت الأرض تصدر طقطقة خافتة،

‎وكأنها تتهامس بأصوات موتى قدامى.

‎المختبَرون تفرّقوا على طول سفح الجبل.

‎كلٌّ يبحث عن بقعة أقل سوادًا... وأقل خطرًا.

‎لكن لا مكان هنا آمن.

‎البعض نصب خيمته بسرعة.

‎آخرون كانوا يجهلون كيف يفتحون الأوتاد.

‎وكان هناك من لم يحضر حتى أدوات التخييم.

‎واحد صنع مأوى من الصخور،

‎وآخر نام فوق كيس النوم وحده،

‎عيناه تحدقان في السماء... وكأنها ستبتلعه.

‎الغاز؟ ما زال يتسرّب.

‎أحيانًا على شكل نفخة صغيرة،

‎وأحيانًا كأنه زفير تنين نائم.

‎كل خيمة أضيئت بمصباحٍ باهت.

‎الضوء كأنّه يُبتلع من الظلمة من حوله.

‎لا أصوات ضحك. لا أحاديث.

‎حتى التنفّس كان خافتًا.

‎رائحة الخيام؟

‎بارود... عرق... ترقّب.

‎أحدهم جلس يشحذ خنجره داخل خيمته.

‎آخر يراقب كل من حوله،

‎عيناه لا ترمش،

‎يده قريبة من سلاحه.

‎في الأعلى،

‎مرّت طائرةٌ صغيرة، أضواؤها خافتة،

‎تسجّل كل شيء من بعيد.

‎أما النجوم... فقد اختفت.

‎كأن السماء أغلقت عينها،

‎وأعلنت أن هذا المكان... خرج من تحت سلطة الحياة.

‎نام بعضهم.

‎استيقظ آخرون كل خمس دقائق.

‎والجبل؟ ظل يتنفس...

‎كأنه يحضّر نفسه ليبتلع أول ضحية مع الفجر.

2025/08/04 · 5 مشاهدة · 732 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025