في تمام الساعة 23:00 ليلاً، كانت السماء تغطيها غيوم كثيفة، والبرد ينهش جدران المنازل بصمت خافت.
في أحد أحياء تونس الراقية، تقف في نهاية الشارع فيلا فخمة محاطة بجدار حجري عالٍ وكاميرات مراقبة موزعة بدقة فوق الزوايا.
ومع كل ذلك، لم تصدر كاميرا واحدة أي إنذار حين توقّفت سيارة سوداء بلا لوحة أمام البوابة.
البوابة…
فُتحت وحدها.
من السيارة نزل أربعة أشخاص تباعًا، كأنهم أشباح خرجت من باطن الأرض، دون أن يصدر منهم صوتٌ أو تنفس، فقط خطواتهم كانت كافية ليخبو ضوء الشارع مؤقتًا.
أوبيتو كان يسير في المقدمة. عباءة رمادية ثقيلة تتدلى على كتفيه حتى كعبيه، يغطي وجهه قناع معدني بارد، وعيناه خلفه تُحدّقان في المجهول.
خلفه…
نيڤيرو، فتاة طويلة، ذات خصرٍ نحيل، ترتدي معطفًا أبيض عليه بقع حمراء كأنها آثار طلاء… هش.
شو، القصير، الغريب، الذي لا يعرف أحد إن كان عبقريًا أم مجرد مجنون.
يرتدي قبعة ساحر، ورداء أسود مزخرفًا بأقمار وهلالات، ويحمل عصا خشبية يزعم أنها مصنوعة من عظام شاعر مات حزينًا.
وأخيرًا…
بالمند، ، ذو الجسد المرعب، الذي لا يخلع نظاراته الشمسية حتى في الظلام.
على ظهره حقيبة ضخمة لا يعرف أحد ما بداخلها،
دخلوا جميعًا إلى فيلا موريس…
في الداخل، كان موريس جالسًا في الصالة، يرتدي روبًا منزليًا غريبًا عليه صورة تنين يشرب شايًا.
على الطاولة أمامه، إبريق شاي، وطبق فيه فطائر "البايلا" الإسبانية.
رفع رأسه ببطء وقال:
> "أهلاً، لقد تأخرتم… كنت أظنكم نسيتم كيف يُفتح الباب."
قال شو وهو يخلع قبعته بانحناءة مسرحية:
> "يا زعيم، نحن نُجيد التأخير كما نُجيد القتل. الفارق أن القتل لا يغضب أحدًا."
ضحكت نيڤيرو وهي تدور حول الطاولة:
> "واو، بايلا! لم أكن أعلم أن قائدنا العزيز يعرف الطبخ… أم أن هذا من مطبخ الجيران؟"
رد موريس وهو يصب لنفسه كوب شاي:
> "الجار طباخ ماهر… لكنه اختفى فجأة. غريب، أليس كذلك؟"
نظر إليه بالمند وقال بصوتٍ أجش:
> "أكلته؟"
أجابه موريس بهدوء قاتل:
> "لم آكله… فقط أقنعته بأن الموت خيار منطقي."
انفجرت نيڤيرو ضاحكة، ثم قالت:
> "أشتقت إليكم، أيها المجانين."
جلسوا كلهم حول الطاولة، وصار الحوار مهرجانًا من المزاح الثقيل والسخرية السوداء.
قال شو:
> "هل تتذكرون آخر مهمة؟ حين ظنّنا أن الفتاة الصغيرة هي الهدف، وتبيّن أن الكلب هو القاتل؟"
ضحك موريس:
> "ذلك الكلب… مزّق قناعي الجديد. كنت سأخنقه، لكن نيفيرو أصرت على تبنّيه!"
ردت نيفيرو وهي تمضغ قطعة بايلا:
> "أجل، وقد ربّيته أفضل مما رُبّيت أنت."
ضحك أوبيتو، وهو نادرًا ما يضحك، ثم قال:
> "كان يُطيعه أكثر مما نُطيع موريس."
نظر موريس إليهم جميعًا، تلك العائلة الغريبة التي اجتمع فيها القاتل والمهرج والراهبة الشيطانية.
رفع كوب الشاي وقال:
> "مرحبًا بعودتنا… الموتى يحيون من جديد."
ردوا بصوتٍ واحد:
> "إلى الظلال!"
بينما كان الضحك لا يزال يتردد في أرجاء الصالة، وتكاد الطاولة تنقلب من جنون النكات والذكريات، انفتح باب الحمّام بصوت خافت، وخرج منه رجلٌ طويل القامة، عارِ الصدر، يلف حول خصره منشفة بيضاء، وشعره الأسود الطويل مبلل تقطر منه المياه.
وقف للحظة، ورفع حاجبه بتثاقل، وهو يحدق بالجالسين، ثم قال بصوت مبحوح:
> "أوه... ظننّتُ أنني سمعت أصوات غربان تتشاجر... فإذا بها وجوه مألوفة."
تجمّد الجميع في أماكنهم.
عيونهم تسمرت نحوه، لحظة صمت رهيبة... ثم فجأة—
صرخ شو:
> "بـاااااااااااااااااااااااااااااانغ؟!"
قفز فوق الطاولة وركض نحوه بسرعة، لكن المنشفة كادت تسقط، فقال بانغ بنبرة هادئة:
> "اقترب أكثر وسألفّك بهذه المنشفة وأرميك من النافذة."
ضحكت نيفيرو حتى دمعت عيناها، وقالت وهي تلوّح له بيدها:
> "أيها القذر، ما زلت تدخل الحمّام وتنسى أننا موجودون! أما زلت تقضي ثلاث ساعات وكأنك تكتب مذكّراتك؟"
قال بانغ وهو يتوجه نحو الخزانة:
> "كان السجن بلا حمّام… اسمحوا لي أن أودّع المعاناة كما يليق."
قال بالمند، بصوته الأجش كالصخر:
> "ظننتك متّ هناك، فأنا من أرسل الطعام في آخر مرة."
رد بانغ بنصف ابتسامة:
> "أوه، ذلك الطعام الذي كانت فيه مسامير وخبز محروق؟"
ضحك أوبيتو وقال:
> "نعم، بالمند اعتقد أن المسامير ترفع المناعة."
اقترب موريس منه وأعطاه منشفة جديدة:
> "لقد تغيّرت الفرقة كثيرًا منذ دخلت السجن... لكن رؤيتك بهذا الشكل أعادت لنا مستوى القبح القديم."
صفق شو ضاحكًا:
> "بل زادت وسامته! الآن هو بانغ، قاتل بوسامة استحمامية."
ضحك الجميع… ضحكًا حقيقيًا، كأن اللحظة كسرت كل الجليد الذي تراكم فوق سنوات الفقد والدم.
ثم جلس بانغ على الكنبة وقال:
> "اشتقت إليكم يا حثالة الظلال…"
رفعت نيفيرو كوب الشاي وقالت:
> "إلى بانغ، السجين الذي لم يتعلم شيئًا من السجن!"
قال بانغ وهو يغمض عينيه مبتسمًا:
> "بلى… تعلمت كيف أقتل دون أن أصرخ."
وانفجروا جميعًا من جديد في ضحك هستيري…
ضحك عصابة تعود للواجهة…
واحدة من أخطر الفرق في العالم:
فرقة "النيّات السوداء".