سُمع رنين الجرس عند الباب.

‎توقفت نيفيرو عن قضم بسكويتها، ورفعت حاجبها.

‎قال بالمند دون أن يتحرّك:

‎> "لو كان عزرائيل، أخبروه أننا مشغولون بالحنين إلى ماضينا الأسود."

‎قام موريس متكاسلًا، فتح الباب، وما إن فعل، حتى لفحته رائحة عطرٍ فاخرة، تسبق صاحبها بخطوتين.

‎دخل رجلٌ طويل، بهيّ الهيئة، أنيق حتى في الليل، يرتدي قميصًا أبيض بخطوط رمادية ناعمة، وسروالًا أسود مكويًا بإتقان، ونظارة مربعة تُخفي عينين لامعتين تشعّ ذكاءً وثقة.

‎كان يحمل حقيبة جلد صغيرة، وضعها جانبًا ثم قال بنبرة دافئة ساخرة:

‎> "هل أتيت في وقت الكعك أم وقت النحيب؟"

‎صرخت نيفيرو:

‎> "تااااااي؟!"

‎وقف شو وهو يركض نحوه، فتح ذراعيه لكن تاي انحرف بزاوية أنيقة وقال:

‎> "أنا معلم يا شو، عانق الهواء لا أنا."

‎ضحك بانغ بصوت عالٍ وقال وهو يصفق على فخذه:

‎> "هاهاها! لم تتغير يا رجل، ما زلت تتفادانا كأننا مرض جلدي!"

‎اقترب تاي، وانحنى قليلًا أمام بانغ:

‎> "ها أنت ذا… بانغ المبلول، آخر أسير حرب عاد للحياة."

‎وقف بانغ وأمسك بكتفيه:

‎> "أوه تاي… لا تقل إنك صرت محترمًا."

‎قال تاي وهو يتنهّد:

‎> "في العلن، نعم. في الخفاء؟ أنا أستاذ في قذف الطباشير على الرؤوس."

‎جلسا جنبًا إلى جنب على الأريكة، كأن الزمن لم يمضِ، كأن السجن لم يكن، كأن الحرب لم تطرق بابهم.

‎سأل تاي:

‎> "كم سنة مرت؟ خمس؟"

‎رد بانغ:

‎> "خمس سنوات، وأسبوعان، وثلاثة أيام... لكن من يحسب؟"

‎قال تاي وهو يتكئ على الوسادة:

‎> "أنا! منذ اختفائك، أصبحتُ مضطرًا لتعليم الحمقى وحدي. آخرهم تلميذ دخل الصف وقال لي: أستاذ، هل القنابل تنفجر في البطن؟"

‎قهقه بانغ وصرخ:

‎> "وما ردك؟"

‎قال تاي ببرود:

‎> "أعطيتُه قنبلة تدريب… وقلت: جرّب وعلّمني."

‎غطى شو وجهه من الضحك، وعلّق بالمند قائلاً:

‎> "أنت السبب في أن أولاد المنظمة صاروا بلا أذن يمنى."

‎قالت نيفيرو:

‎> "هل قلت لأولادك يومًا: ‘أغلق فمك وإلا استدعيت بانغ’؟"

‎قال تاي:

‎> "قلت أكثر… أخبرتهم أن بانغ هو شيطان السجون، يسحب الأرواح من فتحات التهوية."

‎هتف بانغ:

‎> "كفى… سأختنق من الضحك!"

‎ثم أمسك كوب ماء، لكن شو قال:

‎> "انتظر! ذاك ماء نيفيرو، فيه خمس قطرات سم!"

‎قال تاي:

‎> "سمّ؟ هذه طريقته لتنقية الماء! سم خفيف يقتل البكتيريا وثلثي الإنسان."

‎انفجروا ضحكًا من جديد، حتى تساقطت رقائق البطاطا على الأرض.

‎رفع موريس صوته لأول مرة:

‎> "آه، ما أجمل أن يعود بيتنا للضجيج…"

‎قال بالمند وهو يمضغ:

‎> "بيت؟ هذا كهف مجانين."

‎قال تاي وهو يضحك:

‎> "بل جناح في مصحّة… وأنا طبيبكم الفاشل."

‎ثم نظرت نيفيرو إلى تاي وقالت:

‎> "هل اشتقت إلينا، فدموع التماسيح تُفسد الأرضية."

‎رد تاي مبتسمًا:

‎> "في الحقيقة لا بل ... سمعت أن بانغ تحرّر، فقلت لنفسي: حان الوقت لنحتفل بعودة الكارثة."

‎رمى بانغ منشفة عليه وضحك:

‎> "وأنا قلت لنفسي: لا تكتمل المهزلة إلا بقدوم هذا الفيلسوف المغرور."

2025/08/04 · 3 مشاهدة · 550 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025