هدأت الضحكات شيئًا فشيئًا، وكأن ليل الدعابة قد انقضى فجأة، وانتقلوا إلى صمت ثقيل، كأن الغرفة تنفست من جديد، ولكن بهواء ملوّث بالحقيقة.
رفع موريس نظره، مسح بقية الابتسامة من على وجهه، وأغلق غطاء علبة الشاي بصوتٍ خافت.
ثم قال بصوته الجهوري الهادئ، لكن فيه نغمة جديّة جعلت الجميع يصغي:
> "وصلنا أنا وتاي إلى خطوة… صغيرة، لكنها حاسمة."
انتصب بالمند في جلسته، عبس شو، بينما تمتمت نيفيرو:
> "صغيرة؟ أتأمل ألا تكون خطوة نحو القبر…"
تابع موريس دون أن يبتسم:
> "هذه المهمة… ليست كالتي سبقتموها. ولسنا من يُطلب منهم فعل هذه النوعية من الأمور، لكن..."
نظر إلى بانغ، ثم إلى تاي، وقال:
> "نحن نعلم أن أودجين... ليست مجرد منظمة. إنها ظل، جذر في عمق الأرض، وطيف يتنكر في ألف قناع."
هزّ شو رأسه وقال:
> "أنت تقول ما نعرفه. لكن هل هناك منطق في هذا الجنون؟ هذه المهمة تشرف على قتلنا. لا نملك المعدات، لا المخابر، لا الدعم الرسمي الكافي."
قاطعه تاي وهو يجلس للأمام، نظارته تلمع تحت ضوء المصباح الأصفر:
> "بالضبط، ولهذا السبب أنتم مَن اختير."
رفع حاجب بالمند ساخرًا:
> "نحن؟ لأننا أرخص؟"
ضحك بانغ وقال:
> "لأننا لا نملك من يعوّل علينا، إن متنا؟ حفرة وشاهدة."
قال تاي ببرود وهو يتجاهل السخرية:
> "أودجين ليست منظمة من ورق. لا تتبعوا تجارتهم، لا تحاولوا اقتحام معاملهم، لا تبحثوا عن مخابئهم… تلك مهام للمجلس الأعلى. لديهم وحدات استخبارات، أقمار صناعية، روبوتات تجسس، ومئات العملاء."
ثم أضاف، وهو يشبك أصابعه:
> "ما يريده مجلس الإدارة، وما أكده أكاي، هو شيء واحد فقط… تتبعوا الأفراد. لحومهم. أنفاسهم. خيوط ظهورهم. لا المهمات، بل المنفذين."
صمت الجميع.
تابع تاي، ويداه لا تزالان مشبوكتين:
> "أعضاء أودجين يتحركون بذكاء، يسكنون المدن تحت أسماء وهمية، يدخلون الجامعات، يعملون في أسواق البورصة، بعضهم حتى… يحاضر في الأخلاق."
ضحك بانغ ضحكة مقتضبة، وقال:
> "رائع… نطارد أشباحًا ذات كرافات أنيقة."
أكمل تاي:
> "لكن إن عرفتم واحدًا… فقط واحدًا، وتأكدتم من هويته… فإن فرقة أوقا ستتكفل بالباقي."
قالت نيفيرو وهي تعبث بسكينها:
> "وكيف نعرف عضوًا؟ أيرتدي شارة؟"
قال موريس:
> "كل واحد منكم سيحصل على ملف مشفر، يتغير أسبوعيًا، فيه أسماء مشتبه بها، تصرفاتهم، آخر ظهور، صلاتهم المحتملة."
ثم أضاف بصوت خافت:
> "لكن تذكّروا… هذا ليس اختبارًا للقتل. نحن نريد أن نعرف فقط… من هم؟ وأين يختبئون؟"
رد شو:
> "لكنهم يقتلوننا بمجرد أن يشعروا بظلّنا…"
قال بانغ بابتسامة ساخرة:
> "إذًا دعونا لا نملك ظلاً."
قال تاي وهو ينظر إليه بابتسامة نادرة:
> "لهذا عدت، يا بانغ."
قال بالمند فجأة:
> "وماذا عنّا؟ إن اكتشفونا؟"
قال موريس بجمود:
> "إذا اكتشفوكم، فأنتم فشلتم."
أخفض الجميع أعينهم… لحظة صمت دامية، كأنما الزمن نفسه بلع ريقه.
ثم قالت نيفيرو بخفة دم:
> "سؤال أخير… هل نُمنح على الأقل تأمينًا على الحياة؟"
قال تاي وهو ينهض:
> "نعم. سنرسل لكم زهورًا جميلة عند وفاتكم."
ضحك بانغ ضحكة صغيرة وقال:
> "أنا أريد زنابق سوداء. تناسب ذوقي."
قال بالمند:
> "أنا أريد تمثالًا يبكي من الحجر."
أكمل تاي، وهو يتجه إلى الخارج:
> "وأنا أريدكم أحياء. ليس لأنكم مهمّون… بل لأن موتكم ممل."
خرج من الغرفة، وترك خلفه صمتًا يقطعه صوت الريح.
عاد "تاي" إلى منتصف الغرفة، ممسكًا بحاسوبه اللوحي، فتحه أمامهم وعرض شاشة مظلمة تحوي صفًّا من الصور... وجوه باهتة، عيون سوداء أو مغبّشة، تعابير جامدة كأنما التُقطت قبل دقائق من دخول الجحيم.
قال بصوته الجاد:
> "منذ خمسةٍ وعشرين عامًا، فرقة 'أوقا' نجحت في إلقاء القبض على بعض أعضاء 'أودجين'… لحظة تاريخية في مدينة ناها اليابانية كما تعلمون."
.
تابع تاي، وهو يقلب الصور واحدة تلو الأخرى:
> "تمّت محاكمتهم سرًا… لا سجلات علنية، لا أسماء… فقط صورهم وُضعت على الشبكة السوداء. لا ملامح واضحة ولا بيانات، كل شيء تم طمسه، لكننا استخرجنا هذه من الأرشيف المشفّر."
اقتربت نيفيرو بفضول، نظرت إلى الشاشة وقالت وهي تمضغ علكتها:
> "يا إلهي، هذه المرأة… شعرها يشبه عش طير!"
ضحك شو وقال:
> "تبدو كأنها تُخبئ قنبلة في شعرها المجعّد!"
قال تاي وهو يشير إلى الصورة:
> "هذه واحدة من المجهولات… لا اسم، لا بصمة،
تقدّم بالمند وقال:
> "وهذه؟ الطويلة؟ تشبه معلمة رياضة غاضبة."
أجاب تاي:
> "جسد رياضي، قاتلة تقود مهمات الصيد… يشتبه انها وحش أودجين ، اللذي افتعل مجزرة في أنجلترا قبل 25 عام مع آلة قتل الاخطر عالميا ."
سحب بانغ الصورة واقترب بعينين ضيقتين:
> "وها هو... هذا الرجل ."
صمت الجميع.
بانغ قال بصوت منخفض:
> "أنا كنت أحترمه."
قال موريس وهو ينظر للصورة:
> "مات وهو يغطي انسحاب الباقين… لحرق أثرهم بالكامل."
همست نيفيرو:
> "ولم يتركوا له حتى اسمًا."
هزّ تاي رأسه:
> "بل تركوا له لقبًا… 'الشاهد المحروق'."
قال شو بسخرية:
> "كم هو شاعريّ… نُحرق ونُدفن ونحن أبطال في التقارير."
عاد تاي إلى الشاشة، وأشار إلى صورة امرأة بعينين خبيثتين:
> "وهذه... إيفا. العجوز... زعيمة أودجين."
نظر إليها بانغ مطولًا ثم قال:
> "يا رجل، لو نظرت إليّ هكذا وأنا نائم، سأموت من السكتة قبل أن تقتلني."
ضحكوا قليلًا.
قال بالمند:
> "أليست كبيرة في السن؟"
رد تاي:
> "العمر غير معروف. لكن الصورة تعود لأكثر من عشرين سنة. ومنذ سنتين فقط، تم رصدها قرب حدود سيبيريا، تسير بثبات كما لو كانت شابة."
قالت نيفيرو:
> "الشيطان لا يشيخ."
قال موريس أخيرًا، وقد أغمض عينيه بتفكير:
> " و ايضا 4 لا أسماء، لا أماكن، لا سِجلات… فقط وجوههم
يعني لدينا 4 لرجال و امرأة مجهولين
صرورة لذالك القاتل آلة أودجين
صرورة للقاتلة وحش أودجين
و صورة لزعيمتهم
."
قال شو:
> "وهل سنسير في الشوارع نحمل صورهم ونسأل: من رأى هذه العمة الشريرة؟"
ضحك بانغ:
> "أنا سأطبعها على قميصي، وأضع عبارة: مطلوبة للقتل."
قال تاي بجدية:
> "كل منكم سيحصل على نسخة مشفّرة من الصور. لا تُشارك خارج الفرقة. هذه المهمة... تتجاوز حدود الأخلاقيات التقليدية."
صمت الجميع.
ثم قال موريس وهو يعيد ترتيب الأوراق على الطاولة:
> "غدًا… سنُقسم أنفسنا إلى مجموعتين. واحدة تبدأ البحث في أوروبا الشرقية… والأخرى تتحرك عبر الممرات الاقتصادية في إفريقيا."
قالت نيفيرو:
> "وأين سأذهب؟"
قال بانغ وهو يشرب آخر رشفة من كأسه:
> "أنتِ تذهبين إلى الجحيم، وسنأتي لاحقًا للحاق بك."
ردّت بابتسامة باردة:
> "هناك، سأنتظركم بفنجان قهوة... وسُمّ."
عاد "تاي" للوقوف أمام الشاشة، أطفأ الصور، ثم فتح خريطة ثلاثية الأبعاد للعالم، خطوط حمراء تمر بين القارات، ومربعات صغيرة تظهر فوق مدن مختلفة.
قال بصوت ثابت:
> "الآن… إلى المرحلة الأهم.
منذ شهر، رصدنا تحرّكات غير طبيعية في ثلاث قارات.
اختفاء رجال أعمال، ظهور أسلحة غير مشروعة، اختراق بيانات عسكرية، كلها إشارات على أن أحد أفراد أودجين حرّك شيئًا."
اقترب بانغ وهو يحكّ ذقنه:
> "قل لي فقط… هل ظهروا في تونس؟ أريد عطلة هناك."
ضحك شو:
> "أظنهم لا يحبون الكسكس، يا بانغ."
ابتسم تاي بخفة ثم أشار إلى ثلاث مناطق:
> "الأماكن المُشتبه بها هي:
ساو باولو، البرازيل: شخص غريب دخل السوق السوداء، بدأ يشتري جثثًا من الطب الشرعي بعدد مهول .
كييف، أوكرانيا: مدير في وكالة الاتصالات الدولية تم اغتياله بعد كشفه لتسريبات غير مفسَّرة.
جاكرتا، إندونيسيا: تم ضبط رسالة مشفّرة بصيغة قديمة جدًا، لا يستخدمها إلا التنظيمات السرية مثل أودجين."
قال بالمند:
> "البرازيل؟ أرجوكم أرسلوني أنا، لديَّ أقارب هناك."
قالت نيفيرو:
> "وأنا أريد أوكرانيا، أشعر أنني سأجد لي زوجًا بين القتلة هناك."
تاي رفع يده وأشار بخطورة:
> "اسمعوا جيدًا…
في كل واحدة من هذه المدن، احتمال أن يكون أحدهم – وأقصد أحد الأعضاء الحقيقيين من عائلة أودجين – قد مرّ منها… أو لا يزال موجودًا."
هنا تقدّم موريس، وسحب كرسيه وجلس بجديّة، عيناه ثاقبتان:
> "لكن انتبهوا جيدًا…
إن رأيتم أحدًا من الأفراد المجهولين، أولئك الذين لا نملك عنهم شيئًا…
فأكملوا المراقبة. التقطوا الصور، واتركوا أجهزة التتبع."
صمت… ثم أردف بصوت ثقيل:
> "لكن… إن رأيتم 'الرجل آلة قتل أودجين الاخطر عالميا ' أو 'المرأة الوحش'، انسحبوا فورًا."
ارتبك الجميع.
شو قال ساخرًا:
> "من أسماءهم فقط يبدو أن علينا أن نهرب ونحن نبكي."
قال بانغ وهو يتكئ للخلف:
> "أعتقد أنني وقعت في حب وحش أودجين اضن حسب صورة ستكون جميلة."
قهقه شو بشدة:
> "وأنا سأرسل لها باقة ورد إن مزّقتني أولًا."
رد موريس بجدية، قاطعًا المزاح:
> "هذا ليس مجالًا للهزل.
إن رأيتم هذين… انسحبوا.
هذه مهمة تجميع وتحليل، لا انتحار.
أودجين ليست فقط منظمة… إنهم أساطير تمشي على قدمين."
ساد صمت ثقيل.
ثم قال تاي:
> "غدًا، تتوزعون.
كل مجموعة تحمل جهاز تعقّب، صور الأفراد، والتعليمات.
أول من يلمح أيًّا منهم… عليه ألا يُخطئ.
لأن الخطأ مع أودجين… لا يُغفر."
وقف بانغ وأخذ نفسًا طويلًا، ثم قال ضاحكًا:
> "سجّلوا كلامي…
إن رأيت 'الرجل الآلة'، سأطلب منه توقيعًا."
ردت نيفيرو:
> "وأنا… سأهديه عبوتين من دم شو، فهو طازج ومليء بالخوف."
أخذ موريس نفسًا عميقًا، وأطفأ الشاشة بإيماءة من جهازه المحمول، ثم قال بصوته الهادئ المعتاد، لكن هذه المرة بنبرة تشي بخطورة قادمة:
> "قبل أن ننهي الاجتماع… هناك أمر صغير، لكن قد يقودنا إلى بابٍ كبير."
نظر إليه الجميع باهتمام.
قال وهو يفتح ملفًا ورقيًا صغيرًا، وأخرج منه صورة لرجل نحيف، أصلع، بنظارات، يقف أمام مدخل فندق متواضع:
> "هذا الرجل يعمل حاليًا موظف تنظيف في أوتيل صغير في ضواحي بوخارست، رومانيا."
نظر شو إلى الصورة وضحك:
> "هل تخلّى العلماء عن المختبرات وصاروا يغيّرون الأغطية؟"
أجابه موريس، وهو يحدّق بالصورة:
> "كان تقنيًا في مختبر يدعى تيرما 9، تابع لأودجين منذ عامين .
اختفى بعد سقوط المختبر.
اسمه على الأوراق مزوّر… لكن حركته وملامحه كشفتاه."
قال بانغ وهو يمطّ عنقه:
> "وماذا ستفعل؟"
رد موريس بثقة:
> "سأذهب وحدي.
سأراقبه، أدرسه… ثم أجعل لسانه ينطق بما كان عليه نسيانه."
قاطعه بالمند ضاحكًا:
> "موريس، هل ما زلت تستخدم طريقتك القديمة؟ النظرة الهادئة ثم الكلمة الناعمة ثم الضرب حتى الاعتراف؟"
ابتسم موريس ابتسامة جانبية وقال:
> "كلا… الآن أكتفي بنظرة واحدة، والباقي ينهار من تلقاء نفسه."
قهقه بانغ وهو يصفق ببطء:
> "آه كم اشتقت إليك أيها الوحش البارد."
نيفيرو قالت مازحة:
> "إن لم يعترف الموظف، دع شو ينظف الفندق مكانه، سيبكي بعد أول غرفة."
ضحك الجميع مرة أخرى، لكن عينَي موريس ظلّتا معلّقتين على صورة الرجل،
لأن تحت هذا الوجه المألوف، قد تختبئ أول خيوط العنكبوت…
أودجين، وإن غابت، لم تَمُت.