الساعة السادسة صباحًا.

‎حين لم يكن في السماء إلا زُرقة باهتة تنزف من رحم الليل، دوّى صوتٌ صارمٌ في الممرات الحجرية للمبنى المهجور:

‎> "أيها المتدرّبون... انهضوا، لقد حان موعد الاختبار."

‎فتحت العيون بتثاقل... ليست تلك أعين أطفال، بل مخالب ذئاب صغيرة تنتظر أول معركة لتنهش.

‎الأرض باردة، الهواء كالسكاكين، ورائحة الخوف تختلط مع صدأ الحديد وعرق الأمس.

‎سون نهض أولًا، دون أن يتكلّم، كعادته.

‎ماريو تمطّى متذمّرًا، لكن شيئًا في عينيه كان يقظًا، كأنّه نام مفتوح القلب.

‎في الميدان القديم، تجمّعوا جميعًا. 2760طفلًا. 2760 رقمًا في دفتر اختبار لا يعرف الرحمة.

‎على صخرة بارزة، قفزت "بلاك داون"، بردائها الداكن وصوتها الذي يشبه صفعة في شتاء.

‎> "اختبار اليوم بسيط جدًا..."

‎"كل شخص... سيختار حليفًا."

‎ارتفعت همهمات خافتة. وجوه الأطفال تضيء بأمل صغير.

‎بعضهم ضحك، البعض الآخر تنفّس الصعداء. سون رمق ماريو، وماريو هز رأسه كما لو أنّه كان ينتظر هذه اللحظة.

‎> "سنقسمكم إلى ثنائيات. شخصان، شخصان... تساعدان بعضكما، تحميان بعضكما... أو تسقطان معًا."

‎ابتسمت بلاك داون كأنها تخدعهم بقصيدة.

‎في ركنٍ جانبي، كان "راغنا" قد أعدّ أوراقًا بخطّ دقيق.

‎كل طفل يكتب اسمه واسم حليفه. سون كتب اسمه، ثم نظر إلى ماريو، وبعينٍ هادئة كتب:

‎> "سون & ماريو "

‎تتابعت الثنائيات:

‎آلما مع فتاة غريبة الأطوار تُدعى "أوفا".

‎غاندي، رغم عنجهيّته، اختار فتى أضعف منه لسبب لم يفهمه أحد.

‎الكل أصبح مع أحد، كأنهم وجدوا أخيرًا مأوى في هذا الجحيم.

‎صفٌ طويل من أوراق الأسماء. كل ورقة فيها أمل... وظل.

‎عادت بلاك داون إلى صخرتها.

‎الهواء صار أثقل، الضوء شحّ فجأة، والسماء عكست لون عينيها.

‎> "الآن نبدأ بالشروط."

‎سكونٌ. لا أحد يجرؤ أن يقطع صوتها. كانت تملك قدرة عجيبة على جعل الجميع يصغي حتى لو لم تكن تتحدث.

‎> "كل شخص اخترتموه..."

‎توقّفت قليلًا، وكأنها تتلذّذ بما ستقوله...

‎"...هو عدوّكم."

‎صوتها اخترقهم كرمح.

‎تجمّدت الوجوه، تكسّرت النظرات.

‎همهمات انطلقت فجأة كعاصفة:

‎> "ماذا؟!"

‎"لكنهم حلفاؤنا!"

‎"هذا سخيف!"

‎"قلتم أننا سنساعد بعضنا!"

‎ضحكت. ضحكة طويلة... وباردة.

‎> "هذه هي الشروط... ومن لا يقبل، فلينسحب فورًا."

‎سكتت للحظة، ثم أضافت:

‎> "...ومن ينسحب، س... لا، لا أريد أن أكمل، لأنني واثقة أنكم ستقبلون."

‎ثم انحنت قليلًا، وضحكت من جديد، ضحكة مستفزة كأنها تتغذى على ذهولهم.

‎سقط الصمت أولًا...

‎لكنّه لم يكن صمتَ استسلام، بل صمتَ دماغ يحاول استيعاب طعنة في القلب.

‎سون لم يحرّك حاجبه.

‎ماريو بجانبه شهق كأن أحدًا وخزه بإبرة في عنقه.

‎> "عـدوّي...؟"

‎تمتم فتى صغير وهو ينظر إلى حليفه الذي كان يبتسم له قبل لحظة.

‎بعض الأطفال تراجعوا خطوة، آخرون نظروا في عيون رفاقهم باهتزاز لا واعٍ.

‎غاندي انفجر بالضحك فجأة:

‎> "كنت أعلم أن شيئًا كهذا سيحدث... لا يمكن أن تمنحنا المنظمة شيئًا مجانيًا!"

‎ضحك، ثم التفت إلى زميله وقال بنبرة مرعبة:

‎"كنتُ سأقتلك لاحقًا، الآن سأفعلها أبكر."

‎في الجهة المقابلة، فتاة طويلة القامة وبيضاء البشرة، "أوفا"، رفعت يدها وقالت ببرود:

‎> "وماذا عن من اختاروا حلفاء ضعفاء؟"

‎ردّت بلاك داون:

‎> "هذه مشكلتكم... أنتم مَن اختار، وأنتم مَن سيتحمّل."

‎في داخل سون، لم يكن هناك اضطراب... لكنّ عقله بدأ يُحلّل.

‎"ماريو خصمي؟"

‎"إنه سريع، لكنني أسرع في التعلّم... لا، لا! هذا لا يعقل!"

‎ماريو نظر إليه.

‎الصمت بينهما كان أكثر حدة من ألف كلمة.

‎ماريو هو الذي كسر ذلك الحاجز أولًا، بصوت شبه هامس:

‎> "سون... هل سنفعلها؟ هل سنقاتل؟"

‎سون ردّ، دون أن يلتفت:

‎> "لا ادري."

‎ماريو ابتسم، نصف ابتسامة... تلك التي يبتسمها من يعرف أن طعنةً ستأتيه من يدٍ يحبّها.

‎وفي الخلف، كانت آلما تحدّق في الأرض، ثم رفعت رأسها فجأة:

‎> "إنها لعبة خبيثة... يريدون أن نكسر بعضنا، لا أن نكسر القاعدة."

‎بخطواتها الثقيلة المتعمدة، تقدّمت "بلاك داون" إلى مقدّمة الميدان.

‎صمت الجميع. الصدمة السابقة جعلت الهواء أثقل من أن يُستنشق.

‎ابتسمت ابتسامة مائلة، ثم رفعت ذراعها وأشارت نحو الشرق، حيث امتدّ وادٍ من الرماد الداكن.

‎> "هناك، في أحشاء تلك الأرض التي كانت يومًا مصنعًا مهجورًا... بنيت عشر حلبات."

‎صوتها صار كأنه قصيدة جنازة.

‎> "حلبات من حديد، أُقيمت منذ سنوات طويلة، لكن... بفعل الحرارة، والنار، والدماء... انصهر الحديد، تشقّقت الأرض، وتحولت كلّ ساحة منها إلى فوهة موت."

‎تحرّك بعض الأطفال في أماكنهم بقلق.

‎> "أنتم لا تواجهون خصمكم فقط."

‎"بل تواجهون أرضًا قد تنفجر، تتفتت، تسحق، أو تحرق..."

‎"أجل، أول أعدائكم... هي الحلبة نفسها."

‎استدارت فجأة وحدّقت بعيني سون، وكأنها تتحدّاه دون كلمات.

‎> "سنبـدأ اليوم."

‎"وسنُنهي مع غروب الشمس."

‎"الذي ينجو... سيأكل."

‎"الذي يخسر... سيُمحى اسمه من السجلات."

‎رفعت يدها فجأة، وأسقطت بها سيفًا صغيرًا من الغمد على الأرض.

‎> "والآن، القوانين:"

‎هزّت رأسها واحدة واحدة، كأنها تُعدّ الضربات.

‎> "الأسلحة... مسموحة."

‎"الغش... مسموح."

‎"الاستسلام... غير مسموح."

‎تقدّمت خطوة أخرى. أصبحت أقرب من وجوه الأطفال.

‎> "لكن هناك قانون واحد فقط، لا غير..."

‎توقّفت، ثم نظرت إلى السماء، كأنها تباركها بشيء مظلم.

‎> "من يقتل خصمه... ينجح إلى الاختبار الثاني."

‎صمت.

‎كأن شيئًا قد سُحب من الهواء.

‎حتى الصدى خاف أن يكرّر كلماتها.

‎بعض الأطفال ابتلعوا ريقهم.

‎ماريو قال دون أن يشعر:

‎> "...قتل؟"

‎سون لم يرد، لكنه عضّ شفته حتى كاد يجرحها.

‎عيناه بقيتا على الأرض، ثم ارتفعتا ببطء نحو الحلبات خلف الجدار الأسود.

2025/08/04 · 5 مشاهدة · 900 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025