انفتحت البوابة الحديدية.

‎صوتها لم يكن مجرّد صرير… بل صراخٌ معدنيّ، كأن أحدًا عُذِّب فيها لسنين ثم فُتح قفصه.

‎تقدّم الأطفال بخطى بطيئة. كلّ زوج ممسك بخيط وهميّ من الثقة... أو من الخوف.

‎سون في المقدمة، عينيه تتسلّلان فوق الصخور والرماد والأنقاض، دون أن يرفّ له جفن.

‎ماريو خلفه، يهمس لنفسه:

‎> "هذا ليس اختبارًا... هذا قبر."

‎حين عبروا الجدار الأول، انكشف المشهد.

‎وللحظة، شعر الجميع أنهم دخلوا إلى قلب جحيم صامت.

‎عشر حلبات امتدت أمامهم، على دوائر غير متساوية، حفَرٌ هائلة محاطة بجدران من الحديد الذائب،

‎لكن ذلك الحديد لم يعد صلبًا... لقد تحوّل إلى مزيج غريب بين المعدن والصخور، كأن الحلبة نفسها تتنفس تحت الأرض.

‎الأرض تئن، والدخان يتصاعد من بين الشقوق،

‎وفي بعض الزوايا، وُجدت عظام... لا، ليست عظامًا كاملة.

‎كانت نُسخًا من ماضي الذين فشلوا.

‎> "هذا... غير ممكن!"

‎قال أحد الفتيان، ثم تقيأ فورًا.

‎كل حلبة فيها شيء مختلف:

‎إحداها تغلي كأن تحتها بحر بركاني.

‎أخرى معلّقة على أعمدة صدئة، ترتجّ مع الريح.

‎وثالثة تكسو أرضها مسامير معدنية ضخمة، وأسطحها مائلة بخطورة.

‎ماريو شهق، نظر إلى سون:

‎> "إنها مصمّمة لتقتلنا... حتى دون أن يبدأ القتال."

‎ردّ سون بهدوء:

‎> "وربما… مصمّمة لتُخرج منّا مخلوقًا آخر."

‎"بلاك داون" ظهرت فجأة خلفهم، وكأنها خرجت من الظلال.

‎> "أنظروا جيدًا…"

‎"من لا يستطيع تخيّل موته هنا، لن يستطيع النجاة فيه."

‎وقفوا على الحواف، مثل طيور مذعورة على أسلاك كهرباء.

‎نادى المشرف الأول، بصوت مجلجل:

‎> "الثنائي الأول: نيرو آركين و لوكاس تايغر!"

‎تقدّم فتيان في الرابعة عشرة.

‎نيرو، نحيل، عيناه زجاجيتان، يبدو كمن عاش في زنزانة قبل هذا المكان.

‎لوكاس، أكثر صلابة، عضلات يده تظهر من تحت الكمّ القصير، وأصابع قدميه تضغط الأرض كأنها تريد أن تُمسك بها.

‎تم توزيعهم إلى الحلبة الثالثة...

‎تلك الحلبة، المعروفة بـ"فم الغول"، أرضها مليئة بالأشواك المعدنية المكسورة، وسقفها منخفض بعض الشيء، وحرارتها خانقة.

‎"قف."

‎قال نيرو فجأة لخصمه، وهو يقترب بخطى بطيئة.

‎> "لماذا؟"

‎سأله لوكاس وهو يرفع قبضة يده.

‎> "فقط أردت أن ترى وجه قاتلك."

‎ولم ينتظر.

‎ركض.

‎نيرو انطلق بسرعة لا تتناسب مع جسده النحيف.

‎خطوته الأولى انزلقت فوق رماد الأرض، ثم استدار بجسده في قفزة مائلة وضرب بركبته صدر لوكاس!

‎طَق!

‎تراجع لوكاس، سعل، الدم انبثق من فمه.

‎> "تبا... أنت سريع."

‎لكنّه ابتسم.

‎ثم… ركض.

‎ركض كوحشٍ فقد قيده، وانقضّ على نيرو بلكمة كاملة بجسده.

‎بوم!

‎ضربه في كتفه الأيسر.

‎كُسر العظم.

‎نعم… الصوت كان واضحًا.

‎"غغخاااه!"

‎صرخة نيرو كانت حادة، لكنه لم يسقط، بل لفّ جسده في الهواء، وتشقلب، ثم سحب قطعة من الحديد من الأرض وطعن بها فخذ لوكاس!

‎"آآآآغخخ!"

‎كلاهما يتنفس كأنّه يختنق.

‎دم هنا، دم هناك.

‎العينان جمرتان.

‎ضرب لوكاس صدر نيرو بكوعه، نيرو فقد توازنه، سقط.

‎رفع لوكاس قدمه ليهشم رأسه.

‎لكن نيرو انقلب في اللحظة الأخيرة، وسحب سكينًا صغيرة من خصره، ومررها بسرعة فوق كعب قدم لوكاس!

‎الدم تفجّر.

‎سقط لوكاس هذه المرة.

‎الاثنان على الأرض.

‎يرتعشان.

‎ينزفان.

‎لكن…

‎نيرو زحف.

‎وجهه مغطى بالتراب، أنفاسه مكسّرة.

‎اقترب من رقبة لوكاس…

‎وسحب السكين…

‎وغرسها في الحنجرة.

‎صوت الخنق أطول من صوت الطعنة.

‎ثم…

‎سكن كل شيء.

‎لوحة من الدم، جسدان، حلبة تتنفس الدخان، والمشرف يعلن:

‎> "نيرو آركين... ناجح."

‎وسُحبت جثة لوكاس.

‎السماء بدأت تسخن…

‎لكن الحلبة التالية كانت أبرد من الجليد.

‎صوت المشرف ارتفع من جديد:

‎> "الثنائي الثاني: كايرو ليف و تيو ماجنوس!"

‎خطيا إلى الحلبة الخامسة، والمسمّاة بـ"عين الصقيع".

‎هي دائرة حجرية تغوص قليلًا تحت الأرض، جدرانها ملساء كأنها مصقولة بالعظام،

‎وأرضها دائمًا رطبة… لا أحد يعرف لماذا.

‎كايرو وتيو…

‎كانا من أوائل من عقدوا صداقتهم في هذا المكان.

‎يأكلان معًا. يتدربان معًا.

‎وكانا من أكثر الثنائيات حماسة حين سُمح لهم باختيار حليف.

‎لكن الآن؟

‎لا أحد يبتسم.

‎كايرو يقف، جسده نحيل ومرن، شعره رمادي كثيف، وعيناه لا تهدأان.

‎مهارته: "الرؤية الخلفية" — يستطيع رؤية كل ما يحدث خلفه كما لو كان أمامه، دون أن يلتفت.

‎تيو، أضخم، جسده قوي، وجهه دائري الطبع لكن الآن صار مشقوق الحاجبين.

‎مهارته: "ضربة الزئبق" — لكمة واحدة في الدقيقة يمكنه أن يسرّعها لسرعة شبه خاطفة، لا تُرى بالعين المجردة.

‎المشرف أعلن:

‎> "ابدأوا."

‎لم يتحركا.

‎تيو قال، بصوت مليء بالخذلان:

‎> "كايرو… هل سنفعلها؟"

‎ردّ كايرو بصوت جامد:

‎> "أظننا لم نعد نملك الخيار."

‎باغته تيو بركضة مفاجئة.

‎ركض بسرعة متوسطة، ليُخفي اللحظة التي سيُطلق فيها ضربة الزئبق.

‎لكن كايرو… لم ينظر إليه!

‎نظر إلى الجدار.

‎ثم تحرّك في اللحظة المناسبة، استدار بجسده، وتفادى الضربة الخارقة كأنه يراها قادمة من مرآة خلفية.

‎"كيف…؟!"

‎تيو صُدم، لكنه لم يتراجع.

‎كايرو في تلك اللحظة سحب سكينًا صغيرة من كاحله،

‎وقفز باتجاه تيو، طعن ذراعه… لكن السكين لم تخترق العضل.

‎ردّ تيو بلكمة على البطن.

‎كايرو سقط، لكنه لفّ نفسه أرضًا وتدحرج بسرعة،

‎ثم ضرب قدم تيو اليمنى من الخلف، أسقطه.

‎هنا…

‎بدأت الدماء.

‎تيو أمسك بصخرة، ضرب بها وجه كايرو،

‎كايرو شق وجه تيو بأظافره، ثم حاول أن يخنقه بالحزام الجلدي.

‎كلاهما ينزف.

‎كلاهما يبكي بصمت.

‎كلاهما لا يريد أن يقتل، لكن القانون… القانون قال: اقتل صديقك.

‎كايرو حاول أن ينهي الأمر بطعنة في العنق، لكن تيو صدّها بساعده وصرخ:

‎> "أنا لا أريد هذا يا كايرو… أرجوك!"

‎لكن الردّ لم يكن صوتًا… بل دمعة، ثم لكمة في الحنجرة.

‎تيو خنق الهواء.

‎ثم، وفي لحظة ارتباك، كايرو استدار وضرب مؤخرة عنقه بقوة الحديد الحاد.

‎تيو ارتعش.

‎سقط.

‎كان يتنفس، لكنه لم يتحرّك.

‎كايرو وقف، ينهج… يترنّح.

‎رفع رأسه نحو المشرف، وقال:

‎> "لم أقتله… لكنني خرجت حيًا."

‎ردّ المشرف:

‎> "نجوت. لكنك لم تنجح."

‎"قانوننا واضح: القاتل فقط… يتقدّم."

‎كايرو تجمّد.

‎ثم…

‎ثم نظر إلى تيو، إلى صديقه الراقد أمامه،

‎وجلس بجانبه، وأغلق عينيه بيده.

‎ثم همس، بصوت ميت:

‎> "سامحني يا تيو..."

‎وطعن قلبه.

‎الجميع سمع صوت الطعنة.

‎الجميع سمع الشهقة.

‎الجميع فهم… أن الصداقة لم تكن درعًا. كانت نقطة ضعف.

2025/08/04 · 3 مشاهدة · 1031 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025