بوف يسحب نفسًا من سيجارته، ينفث الدخان في وجه بيوم وكأنها رسالة تهديد.

‎— "أنا أعتذر… لأنني أوقفتك عن ملاحقة سيدي. لكن… لن أترك لك مجالًا للمسّه حتى."

‎بيوم يميل رأسه قليلًا، ابتسامة شريرة ترتسم على وجهه.

‎— "مسّه؟ ههههه… تظن أنني جئتُ من أجله؟"

‎بوف يضيق عينيه.

‎— "…ماذا؟"

‎بيوم يرفع إصبعه ويشير إليه مباشرة:

‎— "هدفي منذ البداية كان أنت."

‎بوف يعبس، ينزل السيجارة من فمه ويرميها في الوحل.

‎— "هل تحاول استفزازي؟"

‎— "لا… بل أصف الحقيقة. منذ أن رأيتك في ذلك البار، أدركت أن هذه الليلة لن تنتهي إلا وأنا أرى دمك يمتزج مع المطر."

‎بوف يضحك ضحكة قصيرة، ثقيلة:

‎— "أنت مجنون."

‎— "أعرف. في الحقيقة… هذا لقبي.

‎منذ لحظة دخولك البار، وأنا أراقبك. مشيتك… عينيك… طريقة وقوفك خلف سيدك. كلها تصرخ أنك لست مجرد حارس.

‎أنت… خصم جيد."

‎بوف يشد قبضتيه، وصوت طقطقة المفاصل يختلط بصوت المطر:

‎— "إذن… كنتَ تتبعني طوال هذا الوقت فقط لأنك تريد القتال؟"

‎— "بالضبط."

‎ثم يخطو بيوم خطوة للأمام، والبرق يضيء وجهه:

‎— "وأنا لا أختار إلا الذين أريد تذوق قتالهم… وأنت يا بوف، رائحتك تقول إنك ستكون وجبة دسمة."

‎بوف يزفر من أنفه، يخلع معطفه الثقيل ويرميه أرضًا.

‎— "إذن… لنجعل المطر شاهدًا على النهاية."

‎بيوم يبتسم ابتسامة واسعة، يمد يديه في الهواء وكأنه يرحب بالعاصفة:

‎— "آه… أحب هذه اللحظات."

‎المطر لا يرحم.

‎قطراته ترتطم بالأرض وبوجهي الرجلين، لكنهما لا يرمشان…

‎الهواء بينهما أصبح أثقل من الرصاص.

‎بوف يتقدم خطوة بطيئة، يده اليمنى تتوهج بخطوط حمراء داكنة، ثم فجأة تتمدد أصابعه وتتشكل لتصبح شفرة معدنية ضخمة، لامعة كحد السيف، تنبض بطاقة قاتلة.

‎صوت معدني حاد يملأ الأزقة: "شيننغ" — وكأن السيف نفسه يتنفس.

‎بوف:

‎— "هيا… أرني سبب كل هذا العناء."

‎وفجأة…

‎اختفى من مكانه!

‎اندفع نحو بيوم بسرعة جنونية، كأن جسده صار خطًا من الظلال والشرر.

‎الضربة الأولى، الثانية، العاشرة…

‎في أقل من نصف دقيقة، أمطرت شفرة بوف أكثر من ألف ضربة، كل واحدة منها تكفي لقطع جدار إسمنتي نصفين.

‎الشرر يتطاير، والهواء يقطع كما تُقطع الأقمشة.

‎لكن بيوم… لم يتحرك للخلف.

‎جسده يلتف، ينحني، يقفز، يرفع ذراعه لتصد الضربة، ثم يهبط ليتجنب الأخرى.

‎كل حركة منه دقيقة، كأن جسده يقرأ مسار السيف قبل أن يتحرك.

‎ابتسامة صغيرة ترتسم على وجه بيوم وسط هذه العاصفة القاتلة.

‎— "أسرع… أسرع… لم أصل بعد إلى حدودي."

‎ثم… ظهرت الألواح.

‎من فراغ الليل، تشكلت حول بيوم عشرات الألواح البيضاء.

‎ألواح بأحجام مختلفة… بعضها بحجم إصبع، وأخرى بطول مبنى كامل.

‎مظهرها نظيف ولامع، لكنها تبعث إحساسًا بالبرودة الحادة، وكأنك تلمس الموت نفسه.

‎صوتها وهي تتشكل كان مثل صوت الزجاج حين ينكسر، ثم يعاد تكوينه.

‎بوف يضغط على أسنانه:

‎— "هكذا إذًا…"

‎قفز مرة أخرى، وسيفه يلمع تحت البرق، يندفع مباشرة نحو صدر بيوم.

‎لكن في اللحظة الأخيرة، انزلقت ثلاثة ألواح أمامه، تصطدم بشفرته وتُصدر صوتًا حادًا كصرير الموت.

‎بيوم لم يكتفِ بالدفاع…

‎بألواح أخرى، بدأ يهاجم.

‎ألواح طويلة تتحرك كالثعابين، وأخرى صغيرة تندفع بسرعة الرصاص نحو بوف.

‎المسافة بينهما أقل من متر.

‎وفي هذا الحيز الضيق، تصادمت قوة بوف مع ألواح بيوم في مشهد يجعل الأدرينالين يتفجر في العروق.

‎الشرر يتطاير، كل ضربة تصدر موجة هوائية تدفع المطر بعيدًا لثوانٍ.

‎الجدران من حولهما بدأت تتشقق، وأصوات الحديد والحجر تتكسر في الليل.

‎بوف يصرخ وهو يضغط بقوته القصوى، لكن بيوم يبتسم…

‎ثم، وفي لحظة خاطفة، أحد الألواح اخترق دفاع بوف.

‎"بووووم"

‎لوح حاد يندفع داخل بطنه…

‎عيناه تتسعان، والدم يختلط بالمطر.

‎بوف يتراجع ثلاث خطوات للخلف، يضع يده على جرحه، أنفاسه ثقيلة، لكنه لم يسقط بعد.

‎بيوم يخطو نحوه ببطء، وصوته منخفض:

‎— "قلتُ لك يا بوف… كنتُ أنت الوجبة التي جئت من أجلها."

‎بوف يبتسم، رغم الدم:

‎— "هذا… لم ينتهِ بعد."

‎الهواء في الزقاق صار ثقيلًا كالرصاص.

‎المطر ينهمر بلا رحمة، لكن حرارة المعركة تمحو برودته.

‎بيوم يتقدم خطوة، والابتسامة على وجهه لا تختفي… بوف، رغم الدم الذي يسيل من بطنه، يرفع رأسه وكأن الجرح لا يعني شيئًا.

‎بوف يهمس بصوت غليظ:

‎— "أنت لست الوحيد… الذي يملك أسلوبه الخاص."

‎ثم فجأة، الطاقة الحمراء التي تغطي يده تتوسع، تتغلغل في كامل ذراعه، لتصل إلى كتفه.

‎الشفرة التي كانت بطول متر واحد، تمددت حتى صارت بطول رجلين، حافتها تتوهج بخطوط متوهجة كالحمم.

‎صوت المعدن وهو يتمدد كان أشبه بزئير وحش يتحرر من قيده.

‎بيوم يرفع حاجبه:

‎— "آه… هذا ما كنت أنتظره."

‎في لحظة، اختفى بوف من أمامه.

‎لم يكن اندفاعه هذه المرة بسرعة عادية… لقد تحطم الهواء من حوله، المطر انقسم نصفين وهو يمر، وعيناه كانتا تلمعان بلون الدم.

‎الضربة الأولى… لم تصب بيوم، لكنها مرت بجانبه، وخلّفت قطعًا عميقًا في جدار المبنى خلفه، الجدار انهار في لحظة.

‎بيوم قفز للخلف، وألواحه البيضاء تحركت كجدار متحرك، تدور من حوله لتصد ضربات بوف.

‎لكن كل تصادم الآن يصدر صوتًا أثقل… قوة بوف زادت أضعاف ما كانت عليه قبل قليل.

‎بيوم يضحك وسط العاصفة:

‎— "جيد… جيد جدًا…"

‎ثم، بأصابع يده، أطلق ثلاث ألواح طويلة، انطلقت بسرعة السهم نحو قدمي بوف.

‎الأرض تحت قدمي بوف انفجرت، لكن الرجل لم يسقط… بل داس على أحد الألواح ليدفع نفسه عاليًا في الهواء، ثم هبط بسيفه العملاق على بيوم بكل قوته.

‎"بـوووووم"

‎المطر تشتت حولهما، الأرض اهتزت، وأحد المباني القريبة فقد نصف واجهته.

‎لكن وسط الغبار، ظهر لوح ضخم، أبيض، عالق بين بيوم وبوف… صد الضربة، لكن الشقوق بدأت تتشكل عليه.

‎بيوم يغمغم:

‎— "أوه… اقتربت من كسري."

‎بوف يضغط أكثر:

‎— "سأفعل أكثر من ذلك."

‎بسرعة، بيوم أدار لوحه الضخم ليصد الضربة، ثم أطلق عشرات الألواح الصغيرة نحو جسد بوف، بعضها خدش ذراعه، وأخرى مرت بجانب وجهه تاركة خطوطًا من الدم.

‎المسافة بينهما انعدمت تقريبًا، حتى أن أنفاسهما تتداخل.

‎كل حركة الآن صارت مسألة حياة أو موت… لا مجال للتراجع.

‎البرق ضرب السماء مرة أخرى، والإثنان يثبتان أقدامهما على الوحل، بينهما بضع سنتمترات فقط، نظراتهما متشابكة… لا أحد ينوي الاستسلام.

‎المطر يتساقط بغزارة، والهواء مشبع برائحة الدم والبارود.

‎بيوم وبوف واقفان وجهاً لوجه، أنفاسهما حارة رغم برودة الليل.

‎ألواح بيوم تدور من حوله كأقمار قاتلة، وسيف بوف العملاق يقطر ماءً ودمًا.

‎بيوم يبتسم نصف ابتسامة، يميل رأسه قليلاً وهو يقول بنبرة باردة:

‎— "أظنك كنت جيدًا… لكنني الآن مللت."

‎بوف يحدق فيه بحدة:

‎— "مللت…؟"

‎بيوم:

‎— "نعم… لأنني واجهت من قبل شخصًا يمتلك مهارة تشبهك. يدعى كوانغ أودجين… لكنه يبدل أصابعه بخناجر. أي أن أظافره تطول وتصبح خناجر قاطعة."

‎عين بوف تتسع، ويتراجع نصف خطوة، العرق يختلط بمطر الليل على محياه:

‎— "أودجين…؟ هل واجهت خصمًا من أودجين…؟ لا… لا يمكن… هل… هل فزت؟"

‎بيوم يضحك بخفة، كأن السؤال لم يكن جادًا:

‎— "لا… لم أفز ولم أخسر… كان تدريبًا."

‎بوف يصيح بدهشة:

‎— "تدريب؟! تدريب… مع أودجين؟"

‎بيوم يرفع رأسه قليلًا، عيناه تلمعان كالبرق:

‎— "ولمَ لا؟… فأنا أحد أفراد…"

‎لكن قبل أن يكمل… اختفى.

‎جسد بيوم تلاشى من أمام عيني بوف، وفي رمشة عين، ظهر خلفه.

‎صوت معدني حاد يخترق المطر…

‎لوح أبيض، حاد كالشفرة، التصق بجانب رأس بوف.

‎بيوم يهمس بجانب أذنه:

‎— "…أحد أفراد أودجين."

‎"شووووووووووك"

‎انفجار دموي عنيف، قطرات الدم تطير وتختلط بقطرات المطر، وكأن السماء نفسها شاركت في الجريمة.

‎بوف جسده يترنح، عينيه تبهتان، قبل أن يسقط على الأرض بلا صوت.

‎بيوم يسحب لوحه من رأسه ببطء، يتركه يختفي في الهواء، ثم ينظر نحو الشارع المظلم أمامه.

‎ابتسامة هادئة تعود إلى وجهه، وصوته يتسرب في العاصفة:

‎— "…إلى الخصم التالي."

‎المطر يزداد، والمدينة تبتلع صوته، لكن هالته الشريرة تنتشر أكثر…

‎ليلة البرازيل لم تنتهِ بعد.

2025/08/05 · 2 مشاهدة · 1234 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025