في نفس وقت داخل إحدى طائرات المنظمة

‎الطائرة تهدر بهدوء في سماء مظلمة، أضواؤها الخافتة تنعكس على الغيوم التي تمرّ مسرعة أسفلها.

‎في الداخل، المقاعد واسعة ومريحة، لكن الجو ليس للراحة… معظم الركاب هم المختبرون الناجون من الجولة الأولى، يجلسون بصمت، بعضهم يحدق من النوافذ، وبعضهم يراجع في رأسه ما حدث.

‎في المقصورة الأمامية، حيث كانت السيدة بلاك داون، كانت جالسة على مقعد فخم قرب نافذة جانبية، بين يديها جهاز اتصال مشفر.

‎رنّ الجهاز بنغمة قصيرة، فأجابت على الفور:

‎— "أهلاً صديقتي شيماء… كيف حالك؟"

‎جاءها الصوت من الطرف الآخر، دافئًا لكنه متعبًا قليلًا:

‎— "أهلاً عزيزة… أنا بصحة جيدة. وأنتِ؟ كيف أجواء الاختبار الأول؟"

‎ابتسمت بلاك داون بخفة، وألقت نظرة على الركاب في الخلف:

‎— "كما تعلمين… لقد تقدم مئتان وثلاثون مختبر فقط. الاختبار كان صعبًا عليهم… وكما سمعتِ، أنا جعلت الشروط والقوانين أكثر قسوة هذه المرة. كل ذلك من أجل طلبات أكاي."

‎ضحكة قصيرة خرجت من شيماء:

‎— "أعرفك… دائمًا عندما يطلب أكاي شيئًا، تجعلين الأمر جحيماً للآخرين."

‎بلاك داون مالت برأسها للخلف، تحدق في سقف الطائرة:

‎— "أحيانًا يجب أن يكون الجحيم غربالاً… حتى نرى من سيصمد حتى النهاية."

‎ساد صمت قصير، فقط صوت الطائرة يملأ الأذن، ثم قالت شيماء بنبرة جادة:

‎— "هل أنتِ متأكدة… أنكِ ستساعدينني؟"

‎ابتسمت بلاك داون، تلك الابتسامة التي تحمل مزيجًا من الحنان والقوة، وقالت بثقة:

‎— "شيماء… لقد تحدثنا في هذا الموضوع. وقلت لك… لن أتركك وحدك أبدًا."

‎وتوقف الحديث للحظة… وكأن وعدها لم يكن مجرد كلمات، بل عهد قديم لا يمكن كسره.

‎شيماء (بصوت منخفض):

‎— "أحيانًا… أشعر أنها ليست خطة جيدة… وكأننا نمشي على حافة هاوية. لا أعلم… أشعر أن انتقامي لن يكون كما يجب."

‎بلاك داون أغمضت عينيها للحظة، وكأنها تزن كلمات صديقتها. ثم أجابت بهدوء، لكن في صوتها قوة تحمل ثقة القادة:

‎— "قلت لكِ من قبل، أكاي يحتاج الناجحين في الاختبار هذا العام… لأنهم تم تنقيتهم جيدًا قبل البداية. لا نريد أن ندخل في المعركة ونحن نحمل بيننا من يسقط من أول موجة."

‎صوت شيماء ازداد حدة، لكنه لم يخلُ من الحزن:

‎— "أنا لا يهمني سقوط الآخرين… أنا فقط أريد أن أصل إليه، أن أجعله يدفع الثمن."

‎ابتسمت بلاك داون بخفة، وكأنها تفهم تمامًا ما تحمله هذه الكلمات من نار:

‎— "ولهذا السبب بالذات… عليكِ أن تصبري. كما تعلمين… أكاي ليس فقط رئيس المنظمة، بل هو قائد فرقتي — فرقة بيق وان. هذا العام… هو يريد أن يضم الناجحين كلهم إلى فرقته. لماذا؟ لأنه يريد أن يبدأ في صناعة أقوى فرقة، الفرقة التي ستكون وريثة لفرقة أوڨا."

‎توقف صوتها لثوانٍ، وكأنها تترك للكلمات وقتًا لتغوص في عقل شيماء.

‎ثم أكملت، بنبرة تحمل وعدًا خفيًا:

‎— "ولهذا السبب، وضعني أنا وراغنا كمشرفين رئيسيين على الاختبارات… لأنه يثق أننا سنخرج جيلًا قويًا يستحق الانضمام إليه. لكن ما لا يعرفه… هو أن هذا الجيل، حين يكتمل، سيكون . انتقامك منه سيكون شديدًا… وقويًا… لدرجة لن ينساها ما بقي من حياته."

‎من الطرف الآخر، جاء نفس عميق من شيماء، وكأنها تحاول أن تتنفس كل هذه الكلمات لتقنع نفسها.

‎— "أرجو… أن يكون كذلك، بلاك."

‎بلاك داون بصوت أكثر دفئًا هذه المرة:

‎— "شيماء… أنا لا أرجو، أنا أضمن. أنتِ لستِ وحدك في هذا الطريق، وأنا لن أتركك أبدًا. أحيانًا، الانتقام الذي ننتظره طويلًا… يكون ألذّ بكثير مما نحصل عليه بسرعة."

‎ساد صمت قصير… كان يمكن سماع هدير محركات الطائرة في الخلفية.

‎ثم فجأة، انقطع الاتصال، تاركًا في الجو فراغًا ثقيلًا… وكأن كل كلمة قيلت ما زالت معلقة بينهما.

‎بلاك داون أبقت الجهاز في يدها لثوانٍ، تحدق في زجاج النافذة حيث المطر يسيل مثل دموع بطيئة.

‎همست لنفسها:

‎— "انتظرِ قليلًا… وستحصلين على ما تريدين، يا شيماء."

‎منزل شيماء –

‎المطر يطرق النوافذ كأصابع الموت، والريح تعصف بستائر الغرفة كأنها تحاول اقتلاعها.

‎داخل هذا المنزل الكبير، الذي كان يومًا يعج بالحياة… الآن هو صامت. صامت لدرجة أن صوت عقارب الساعة في الصالة يمكنه أن يقطع قلبك نصفين.

‎على الطاولة الخشبية في غرفة المعيشة، وُضعت صورة مؤطرة لرجل في الأربعينيات، يقف بوقار، مرتديًا بدلة سوداء، وفي عينيه ذلك البريق الذي لا تراه إلا في القادة الحقيقيين.

‎تحت الصورة، كلمات محفورة: "إلى من كان أساس هذه العائلة."

‎شيماء جلست على الأريكة، بيدها كوب شاي بارد لم تلمسه منذ ساعة.

‎شعرها الطويل كان ينسدل على كتفيها، وعيناها مركّزتان على تلك الصورة… لكنها لم ترَ صورة، بل شريط ذكريات بدأ يتسلل من عقلها.

‎> "قبل خمس سنوات… كنتُ زوجة رئيس المنظمة السابق. زوجة الرجل الذي كان يقف شامخًا أمام الجميع، ولا يخاف أحدًا.

‎لكن… جاء ذلك اليوم."

‎يدها ترتجف وهي تضع الكوب جانبًا.

‎> "مجزرة أودجين… إنجلترا. ليلة تحولت فيها الشوارع إلى أنهار دماء.

‎قالوا إنها كانت صدفة… قالوا إنني يجب أن أتعلم التعايش معها… لكنني كنت هناك.

‎رأيتهم، واحدًا واحدًا، وهم يمزقون جسده أمامي، ثم يختفون في الظلام."

‎شيماء تنهض، تتجه نحو المكتبة، وتفتح درجًا سريًا، تخرج منه ملفًا أسود اللون، مليئًا بالصور والوثائق.

‎تقلب الصفحات بسرعة، كل صورة أكثر دموية من الأخرى، حتى تتوقف عند تقرير رسمي يحمل توقيع أكاي.

‎تمتمت بصوت مسموم بالغضب:

‎— "أكاي… ذلك الخائن. لم يكتفِ بأخذ مكانه… بل سحب كل ملفات الاغتيال، وأخفى القضية، وحوّلها إلى… صدفة؟"

‎ضحكة قصيرة خرجت منها، ضحكة لا تشبه الفرح، بل تشبه كسر الزجاج بقبضة يدك:

‎— "صدفة…! يا لك من شيطان بربطة عنق."

‎تسير بخطوات بطيئة نحو غرفة النوم. هناك، بجانب السرير، صورة أخرى لزوجها، لكن هذه المرة كانت في كواترو، خلال إحدى الاحتفالات الرسمية.

‎تجلس على الأرض، تمسك بالصورة بكلتا يديها، وتحدق فيها حتى تتسع عيناها بالدموع.

‎— "أتعلم… لقد كنتَ تقول دائمًا إن المنظمة أكبر من أي شخص، وإن العدالة ستصل حتى إلى الظلام… لكنك كنت مخطئًا، حبيبي.

‎العدالة تموت إذا كان من يملكها خائنًا."

‎عينيها تتجمدان، وملامحها تتحول من الحزن إلى التصميم القاتل:

‎— "أكاي… سحب ملفاتك من المنظمات العالمية، وأصدر أمرًا بعدم ملاحقة عائلة أودجين… فقط حتى لا يخسر بعض الفرق.

‎بل أكثر… أمر فرقة أوڨا شخصيًا بعدم الاقتراب منهم، وكأن دمك كان ثمنًا لاتفاقه معهم."

‎تضع الصورة على الأرض، ثم تنهض ببطء، تذهب إلى الخزانة الكبيرة في الزاوية.

‎تفتحها، فتظهر أمامها أسلحة مخبأة بعناية… مسدسات، خناجر، أقنعة، وحتى ملفات تحمل أسماء وصورًا.

‎— "خمسة أعوام… وأنا أنتظر هذه اللحظة.

‎خمسة أعوام… وأنا أبتسم أمامه كأن شيئًا لم يحدث… فقط لأرى اليوم الذي يسقط فيه."

‎تسحب دفترًا صغيرًا من الرف العلوي، على غلافه كلمة واحدة: "القائمة."

‎تفتحه، وتبدأ بتمرير أصابعها على الأسماء… حتى تتوقف عند اسم أكاي، وتضغط عليه بأصابعها حتى تتحول عقد يدها إلى بيضاء.

‎— "لن يكون انتقامًا عاديًا… سيكون عاصفة.

‎تعود لتجلس على الأرض، تحمل صورة زوجها من جديد، لكن هذه المرة، صوتها صار أهدأ… لكنه أخطر:

‎— "انتظرني… قريبًا، سآتي لهم… واحدًا تلو الآخر."

‎الريح تعصف بالخارج، والمطر يزداد قوة، وكأن الطبيعة نفسها تستعد للمجزرة القادمة

2025/08/05 · 3 مشاهدة · 1102 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025