‎جلس الاثنان على صخرة ناتئة، وأطلق تاي نظراته نحو الأفق، ثم قال:

‎تاي:

‎> "قبل أن تتقن المهارة، يجب أن تفهم أصلها…

‎الكيريو ليست طاقة فقط، بل مرآة.

‎ثلاث فئات منها، وكل فئة تكشف شيئًا عن صاحبها:

‎الأحادي، المتعدد، والمتجانس."

‎سون:

‎> "أسماء تبدو بسيطة، لكنها لا تشرح شيئًا…"

‎تاي (ابتسم بهدوء):

‎> "لأن البساطة خدعة.

‎الأحادي… هو من لم يستطع أن يتجاوز نفسه.

‎لا يتقن إلا مهارة واحدة، لأنها كل ما احتمله كيانه.

‎إنه مقيد لا بقدراته… بل بخوفه من التشتت."

‎سون:

‎> "وهل التعدد قوة؟"

‎تاي:

‎> "المتعدد… هو من انفتح على احتمالات كثيرة.

‎يتقن مهاراتٍ متعددة، لكنه يظل مهددًا بالتفتت.

‎إن لم يعرف من هو، ستأكله مهاراته قبل أن يستخدمها."

‎صمت قليلًا، ثم أكمل:

‎تاي:

‎> "أما المتجانس… فذلك نادر.

‎هو من استطاع أن يقف على الحافة…

‎لم يتقيد، ولم يتشتت…

‎بل جعل من تباين داخله توازنًا.

‎إنه لا يستخدم المهارات، بل يُعيد تعريفها."

‎سون (وقد زادت حيرته):

‎> " مثل كيم؟"

‎تاي (بصوت خفيض كأنه يحدث نفسه):

‎> "كيم… مثال حي على التناقض.

‎يملك مهارة واحدة، لكنها تسمح له بسرقة كل شيء.

‎هو أحادي… لأنه لا يملك سوى مهارة النسخ.

‎وهو متعدد… لأن ما ينسخه، يعيش فيه مؤقتًا.

‎لذلك يُدعى متجانس… لكنه ليس مستقِرًا."

‎سون:

‎> "أيعني هذا أن الكيريو لا تُعرّف بالقوة، بل بالاتساق؟"

‎تاي:

‎> "بالضبط.

‎الكيريو لا تقول لك ماذا يمكنك فعله… بل من أنت حين تفعله."

‎صمتت الصحراء، كأنها تأملت الجملة الأخيرة.

‎سون (بصوت متردد، كمن يحاول الربط بين المعاني):

‎> "لم أفهم كل شيء، لكنني بدأت أستوعب…

‎ومع ذلك، الحياة لا تبدو عادلة.

‎إن كان أحدهم أحاديًا… فسيخسر حتمًا أمام المتعدد، أليس كذلك؟

‎فذاك يملك أكثر، وهذا أقل."

‎تاي (هز رأسه ببطء):

‎> "وهنا وقعت في أول خطأ فكري.

‎القوة ليست في العدد… بل في الجوهر.

‎مهارة الأحادي – إن كانت متقنة – تتفوق على ثلاث مهارات متوسطة لدى المتعدد.

‎لأنه ركّز كيانه بالكامل في مسار واحد، حتى صار ذلك المسار سيفًا لا يُصد."

‎توقف قليلًا ثم أكمل، بنبرة أكثر جدية:

‎> "أما المتجانس… فهو الأخطر إن لم تكن مستعدًا له.

‎لا يجمع فقط بين الكمية والحدة… بل غالبًا ما يملك مهارة نادرة.

‎والنادر… لا يُقاس بالمألوف."

‎سون (وقد شدّه المفهوم):

‎> "نادرة؟ كيف تعني؟"

‎تاي:

‎> "المهارة النادرة هي تلك التي لا تُولد إلا مرة بين كل عشرة ملايين.

‎ليست مجرد اختلاف في الشكل… بل اختلاف في البنية، في التأثير، في النتيجة.

‎الأحادي الذي يملك مهارة نادرة، ويمتلك عقلًا حادًا…

‎يستطيع إسقاط متعدد يملك سبع مهارات، إن كانت كلها عادية.

‎لأن المهارة النادرة تغيّر قواعد اللعبة."

‎سون (وقد بدت عليه الحيرة):

‎> "لكن إن امتلك المتعدد مهارات نادرة أيضًا؟"

‎تاي (بتنهيدة ثقيلة):

‎> "هنا نصل إلى الاستثناء.

‎المتعدد الذي يملك ثلاث مهارات نادرة أو أكثر… يصبح تهديدًا يصعب مواجهته بالقوة وحدها.

‎لكن تذكّر دائمًا: النُدرة مكلفة.

‎جسده سيتعب بسرعة، وذهنه سينهار أسرع مما تظن.

‎وهنا… تبدأ لعبة العقل."

‎سون (بفضول حقيقي):

‎> "وكيف أعرف نوع الكيريو الخاص بي؟"

‎تاي:

‎> "عادة… يُجرى اختبار دقيق على مدار ثلاثة أيام تحت إشراف معلمين متخصصين.

‎يراقبون كيف يتفاعل جسدك، كيف تتجاوب روحك…

‎لكن أحيانًا، وإن كنت محظوظًا…

‎تلتقي بمن يرى ما في داخلك دون أن تنطق."

‎سون (ابتسامة خفيفة تتسلل إلى وجهه):

‎> "وهل أنا من المحظوظين؟"

‎تاي (أغلق عينيه قليلًا، كأنه ينصت إلى صدى داخلي):

‎> "ربما…

‎"ركّز الآن… لا تتحرك."

‎صوت تاي لم يكن أمرًا، بل كان نداءً للكون نفسه.

‎جلس على الرمال، تلك الرمال الساخنة التي جُرحت تحت قدميه، كأنها تستقبل حكمة أقدم من الزمن.

‎أغلق عينيه ببطء، كأنه يغوص في بئر لا نهاية له، بئر تحوي أسرار الحياة والموت، حيث الزمن يتوقف، يتحول إلى قطعة زجاجية شفافة تعكس كل شيء، لكنه لا يتحرك.

‎ثم، بهمسٍ لا يشبه صوته، صدى يتسلل من أعماق الوجود:

‎"داشنكرت… عين النهار."

‎وفجأة، انقلب الصمت إلى ثقل كوني.

‎لم يكن مجرد صمت، بل هو هدوء قبل العاصفة، صمت كأن الأرض نفسها تحبس أنفاسها.

‎وأمام سون مباشرة، ظهرت العين.

‎عينٌ هائلة، ضخمة، تقف في صحراء القفر كمنارة في بحر مظلم.

‎ارتفاعها يتجاوز السبعة أمتار، عدستها سوداء قاتمة، كثيفة كغابة من الظلال التي تبتلع كل شعاع ضوء، تاركةً خلفها ظلامًا أعمق من الليل.

‎حول العدسة السوداء، تتلوى شعيرات ضخمة، كالخطوط التي ترسمها يد عملاقة على صفحة الزمن، تتحرك ببطء، بانتظام غريب، كأنها تنبض بتنفس بطيء وثقيل.

‎الهالة المنبعثة من تلك العين ليست مجرد طاقة.

‎هي شعور غامض، ثقيل، كأن شيئًا ما – شيئًا أبديًا – يراقبك، منذ ولادتك وحتى هذه اللحظة.

‎كأنها تعوي عليك، تحذر، وتنتظر أن تقف وجهاً لوجه مع مصيرك.

‎سون، في تلك اللحظة، تجمد.

‎بدا وكأن أطرافه ترتعش، لا يعرف إن كان هذا خوفًا أم إدراكًا عميقًا يتسلل إلى روحه.

‎صوته خرج متلعثماً:

‎"ما هذا…؟!"

‎كأن الكلمات لم تكن تفي بما يراه، كأن ذهنه يحاول استيعاب حجم شيء يفوق كل ما عرفه.

‎هل يمكن حقًا أن تكون هذه عين قوته؟

‎للمرة الأولى، لم يكن سون يتعلم، بل كان يُقاس، يُوزن بثقل هذه العين التي تشع بحزن لا يوصف.

‎ولم تكن دموعها دمًا عادياً.

‎كانت دماء زرقاء، دموية لكنها ليست حمراء، كأنها دماء السماء حين تغضب، دماء أعماق البحار التي لا يعرفها الإنسان.

‎الدم الأزرق يتساقط من العين، ينكسر تحت أشعة الشمس كالبلور، يُشبه دموع الأساطير التي تبكيها الأرض على موت قديم.

‎تلك الدماء تملأ الهواء برائحةٍ غريبة، مزيج من الحزن والقدرة، وكأنها تنذر بأن ما سيأتي أكبر من مجرد اختبار.

‎ثم، كما ظهرت فجأة، اختفت العين.

‎انكمشت الهالة حول جسد تاي، التي كانت تشع بسحر خفي، تعانق الهواء كتميمة ترفض أن تُكسر.

‎هالة تاي لم تكن مجرد ضوء، بل كانت موجات تلمع كالزئبق السائل، تحيط به كسيرورة من القوة الهادئة، تحمل بين طياتها أسرار السموم والظلام والنور في آن واحد.

‎عاد كل شيء إلى وضعه الطبيعي، لكن سون لم يعد كما كان.

‎كانت تلك اللحظة كبداية رحلة لا عودة منها، كبصمة حية محفورة في أعماقه، علامة تُنذر بأن القادم أعظم، وأظلم، وأقسى.

‎تاي فتح عينيه وقال بهدوء كأنه يعلن حُكمًا:

‎> "أنت… أحادي الكيريو.

‎لكن، لحسن حظك، لديك نسبة 64% لتتعلم مهارة نادرة."

‎سون (بلهفة متوهجة):

‎> "هل يمكنني تعلم مهارتك؟"

‎تاي (أدار وجهه إلى الأفق):

‎> "للأسف، لا.

‎نسبة توافقك مع مهارتي… 51%.

‎والحد الأدنى لتعلّم أي مهارة هو 55%.

‎قد تبدو قريبة، لكنها في الحقيقة… بعيدة بعد السماء عن البحر."

‎سون (بقلق):

‎> "وماذا أفعل؟ ما المهارة التي سأتعلمها إذًا؟"

‎تاي:

‎> "السؤال خاطئ.

‎ليس الأمر كما تظن…

‎أنت لا تختار المهارة.

‎بل تُولد بمجموعة محدودة مما يمكنك تعلمه،

‎وما نسميه الاختيار… ليس إلا وهمًا ضمن حدودك."

‎سون (باندفاع):

‎> "ومع هذا… قلت إنني أملك ثلاث مهارات ممكنة! هذا جيد، أليس كذلك؟"

‎تاي (نظرة صارمة، فيها حنان مستتر):

‎> "جيد… نعم.

‎لكني أنا من سيختار لك المهارة."

‎سون (باندهاش):

‎> "لماذا؟ أليس هذا قراري؟"

‎تاي (بصوت منخفض لكنه حاسم):

‎> "لأن الحماسة تضلّل…

‎ولأن بعض المهارات، إن دخلت قلبًا لم يُهيأ لها،

‎تحوله إلى عدو لنفسه… قبل أن يصبح خطرًا على العالم .

‎وهذا أمرٌ قد حُسم، سواء نجحت أو فشلت.

‎"

‎."

‎ثم حدّق في سون وقال بثبات:

‎> "ولهذا…

‎تحتاج إلى مهارة تُنفّذ بسرعة، تُتقن بسرعة،

‎لكن تفتح لك مجالًا للتعمق مع الوقت… حتى تبلغ الإتقان الكامل."

‎سون (بجدية):

‎> "كم سيأخذ ذلك من وقت؟"

‎تاي (بصوت أكثر قسوة مما اعتاد سون):

‎> "قلتُ لك: ثلاثة أيام.

‎لكن لا تنخدع بلين العبارة.

‎التدريب الطبيعي… يحتاج عامًا، أو حتى عامين، لإتقان 20٪ من المهارة.

‎أما أنت… فستصل إلى 20٪ في ثلاثة أيام فقط."

‎توقف لحظة، ثم أكمل بنبرة صارمة:

‎> "أنا آسف يا سون…

‎لن أرحمك."

‎سون (بثقة رغم كل شيء):

‎> "لا بأس…

‎لست خائفًا. لن أتراجع."

‎تاي (ابتسامة خفيفة تمر على وجهه ثم تختفي):

‎> "جيد.

‎مهارتك… ليست نارية، ولا جسدية، ولا وهمية.

‎بل لحن."

‎سون (بتعجب):

‎> "لحن؟!"

‎تاي:

‎> "نعم.

‎اللحن في يدك… ليس صوتًا فقط، بل موجة قاتلة.

‎كل لحن… يطلق موجة سُمّية مختلفة.

‎إنها مهارة لا تظهر خطورتها من أول وهلة.

‎بل تعمل في الصمت… كما يعمل الزمن."

‎سون (بغموض):

‎> "أظنها ضعيفة… لا سيوف فيها، ولا نار."

‎تاي (نظر إليه كمن يعلّم طفلًا لمس شيئًا ناريًا دون أن يشعر):

‎> "أنت أحمق.

‎إنها من أكثر المهارات سُمًّا.

‎من يملكها لا يُشهرها، بل يُفعّلها من تحت جلده.

‎حتى لو نسخها أحد، فلن يستطيع استخدامها كما تفعل…

‎لأنها تعتمد على تكوين جسدك، على نوع مقاومتك.

‎وهذه ميزة لا تُنقل بالنسخ."

‎سون (أغمض عينيه ببطء):

‎> "إذاً… فلنجرب."

‎تاي (بصوت منخفض):

‎> "استعد… منذ الآن، لم يعد بإمكانك العودة كما كنت."

2025/08/06 · 2 مشاهدة · 1508 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025