مدريد

كانت الشمس تميل إلى الغروب حين وقف تشاي أمام باب منزلٍ صغير يكسوه الطلاء الأبيض المتشقق، ورائحة الياسمين تنبعث من الحديقة الأمامية. رفع يده وطرق الباب ثلاث طرقات متتالية… طَرق… طَرق… طَرق.

‎آني (من الداخل بصوت متحمس): "لحظة، لحظة، لا تكسر الباب!"

‎فتح الباب ببطء، وظهرت آني مبتسمة، ترتدي قميصًا منزليًا واسعًا عليه رسم قطة نائمة، شعرها مرفوع بعشوائية كأنها كانت في سباق مع الوقت.

‎آني: "تشاي! مرحبًا… تفضل، كنت أنتظرك."

‎دخل تشاي، وكانت أول ملاحظة له أن البيت… غريب. ليس بالفوضوي ولا المرتب، بل في مكان ما بين الاثنين، وكأنه في حالة "استراحة أبدية".

‎تشاي: "جميل هنا… هادئ."

‎آني (بضحكة): "انتظر حتى ترى الجدة… الهدوء سينتهي."

‎قادته إلى غرفة الجلوس حيث كانت هناك أريكة ضخمة تتوسطها… كتلة بشرية ملتفة ببطانية ملونة، لا يظهر منها سوى وجه صغير وعينان نصف مغمضتين.

‎آني: "تشاي، هذه جدتي… جدة، هذا صديقي الذي أخبرتك عنه، تعرفت عليه في صالة الرياضة."

‎الجدة (بصوت بطيء وكأنها خرجت للتو من سبات ): "هاه؟ رياضة؟… أنتم الشباب تضيعون طاقتكم على أشياء غريبة."

‎تشاي (مبتسمًا وهو ينحني قليلًا احترامًا): "تشرفت بلقائك."

‎الجدة (وهي تعود لتغطي نفسها): "إذا كنت تريد أن تعجبني… أحضر لي شاي بالنعناع."

‎آني (متذمرة): "جدة! الضيف للتو دخل."

‎الجدة: "وما المشكلة؟ سأعتبره اختبارًا له."

‎لم يملك تشاي إلا أن يضحك، ثم ذهب إلى المطبخ ليكتشف أن المطبخ نفسه… ساحة حرب، أكوام من الأطباق، وأدوات المطبخ في أماكن لا علاقة لها بوظيفتها.

‎تشاي: "أمم… آني، أين الكؤوس؟"

‎آني: "تحت التلفاز، في الدرج الثاني."

‎تشاي (مندهش): "… تحت التلفاز؟"

‎وبالفعل وجد الكؤوس هناك.

‎عاد ومعه الشاي، فابتسمت الجدة، لكنها بدل الشكر قالت: "أنت طويل، هل يمكنك تغيير المصباح المحترق في السقف؟"

‎آني: "جدة! هذا ليس عامل صيانة."

‎الجدة: "كل رجل يزور البيت يجب أن يثبت أنه يعرف كيف يستخدم سلّمًا."

‎بدأ الجو يتحول إلى مسرحية منزلية، الجدة تمطر تشاي بطلبات صغيرة:

‎جلب وسادة إضافية.

‎البحث عن جهاز التحكم الضائع (الذي كان تحت وسادتها).

‎فتح علبة بسكويت لا أحد يعرف منذ متى هي موجودة.

‎لكن مع كل ذلك، كانت الجدة تلقي تعليقات طريفة:

‎الجدة: "أنت تبدو قويًا… لكن هل تستطيع رفع شيء أثقل من الأوزان؟ مثل معنوياتي حين يخسر فريقي المفضل؟"

‎تشاي (ضاحكًا): "هذا أصعب تحدٍّ عرض عليّ حتى الآن."

‎وفي لحظة صمت، همست آني لتشاي: "لا تهتم، جدتي إذا أحبت شخصًا… ترهقه قليلًا أولًا."

‎مرّت ساعة وهم يتبادلون النكات، حتى طلبت الجدة أخيرًا من آني أن تحضر العشاء. آني دخلت المطبخ، وتركت تشاي وحده معها.

‎الجدة (بابتسامة ماكرة): "هيه، يا فتى… أنت من النوع الذي يزور مرة ثم يختفي أم أنك ستعود؟"

‎تشاي: "إذا سمحتِ لي… سأعود."

‎الجدة: "حسنًا… سأرى إذا كنتَ تستحق مكانًا في قلبي… أو على الأقل في قائمة الأشخاص الذين يجلبون لي

‎الشاي."

‎الجدة (وهي تمضغ قطعة من البسكويت القديم وكأنها كنز): "أخبرني يا فتى… ما هي مهارتك؟ أعني… تلك التي وُلدت بها."

‎تشاي (يتردد قليلًا، ثم يبتسم): "هي… معقدة بعض الشيء، واسمها الأليون."

‎الجدة (تفتح عينيها ببطء، وكأن كلمة سحبتها من أعماق ذاكرتها): "الأليون… يا إلهي… لم أسمع بهذا الاسم منذ عقود."

‎آني (مستغربة): "جدة؟ أنت تعرفينها؟"

‎الجدة (تضع يدها على جبينها وكأنها تحاول تذكر نص قديم): "مرّت بي في كتب الأساطير حين كنت في سنكِ، كانت توصف بأنها مهارة نادرة، لا يحملها إلا من اختارتهم يد القدر. يقال إنها تمنح صاحبها قدرة على…"

‎تتوقف فجأة، تحدق في تشاي بنظرة فاحصة: "لكن… إذا كانت حقيقية، فهذا يفسر الكثير."

‎تشاي (يميل للأمام): "وما الذي تفسره؟"

‎الجدة (تضحك فجأة وتلوح بيدها): "آه لا شيء… أحب أن أترك الغموض يفسد الفضول."

‎آني (متعصبة قليلًا): "جدة! كفي عن الألغاز."

‎الجدة (تلتفت لآني): "مهارته تذكرني بمهارتك أنتِ."

‎آني: "مهارتي؟"

‎الجدة: "نعم، الشفاء… تلك اليدان اللتان تداويان الجروح، هل نسيتِ أني أنا من علمك كيف تتحكمين بها؟"

‎تشاي (مندهشًا): "أنتِ أيضًا تمتلكين مهارة؟"

‎الجدة (بابتسامة فخر وكسل في نفس الوقت): "أمتلكتها… لكني الآن أفضل الشفاء على نفسي من عناء القيام بأي شيء."

‎آني: "بالمناسبة، الجدة كانت في شبابها مغامِرة، حتى لقبها الناس المُعيدة للحياة."

‎الجدة (تضحك وهي تحتضن البطانية): "صحيح، لكن الآن لقبي هو المعيدة للوسادة."

‎ينفجر تشاي ضاحكًا، بينما الجدة ترفع حاجبًا وتقول: "لكن احذر يا فتى، إذا كان ما تحمله حقًا هو الأليون… فمصيرك لن يكون هادئًا."

‎الجدة (تعتدل قليلًا على الأريكة، نبرة صوتها تتحول إلى ماكرة): "حسنًا يا فتى… بما أننا في فترة ما قبل العشاء، لدي بعض الأسئلة… الشخصية."

‎تشاي (يبتسم بحذر): "حسنا… تفضلي."

‎الجدة: "كم طولك بالضبط؟"

‎تشاي (مستغرب): "أمم… 190سم ."

‎الجدة (تومئ بجدية): "جيد، الطول المثالي لتعليق الستائر."

‎آني: "جدة!"

‎الجدة (تتجاهلها): "سؤال آخر… كم مرة في الأسبوع تمارس الرياضة؟"

‎تشاي: "أربعة أيام تقريبًا."

‎الجدة (بدهاء): "وهل تستطيع حمل شخص بالغ لمسافة عشرين مترًا؟"

‎تشاي: "أعتقد… نعم؟"

‎الجدة: "ممتاز، إذا مرضت سأتصل بك بدل الإسعاف."

‎آني (تتنهد): "جدة، اتركيه وشأنه."

‎الجدة (تنظر مباشرة في عينيه): "وأنت… هل لديك حديقة منزلية؟"

‎تشاي: "لا، ليس بعد."

‎الجدة: "إذن لا مشكلة، يمكنك العمل في حديقتنا نهاية الأسبوع."

‎تشاي (ضاحكًا): "أشعر وكأني أتقدم لوظيفة عندك."

‎الجدة: "بالضبط، كل شخص يقترب من آني يجب أن يمر بمقابلة عمل… وأنا لجنة التحكيم."

‎آني (متذمرة): "هذه ليست مقابلة، هذا استجواب."

‎الجدة (تتجاهل مجددًا): "آخر سؤال… إذا اضطررت للاختيار، هل تفضل البقاء في البيت ومشاهدة المسلسلات معي، أم الخروج مع آني للركض في الحديقة؟"

‎تشاي (يضحك): "أختار… البقاء معك."

‎الجدة (تصفق ببطء): "إجابة ذكية… بدأ يعجبني."

‎آني تضع يدها على وجهها، بينما الجدة تنظر لتشاي وكأنها وجدت حليفًا جديدًا ضد حفيدتها في معركة الكسل.

2025/08/06 · 2 مشاهدة · 904 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025