الموقع: إيطاليا – مدينة ميلانو

‎الزمن: الساعة 12:17 ظهرًا

‎في شارع "فيا ديل كورسو"، حيث السياح يتزاحمون لشراء البوظة،

‎كان رجل يرتدي قميصًا أزرق سماوي، يمسح واجهة النُزل الصغيرة بحركات مملّة جدًا.

‎وجهه تعب، عيناه شبه نائمتان،

‎لكن اسمه في وثائق العمل:

‎> “ماركو بينيفينتو”

‎مهنة: موظف تنظيفات في نُزل متواضع.

‎لكن موريس يعرف أن اسمه الحقيقي ليس "ماركو".

‎ولا هو عامل تنظيفات.

‎هو أحد الذين شاهدوا شيئًا لا يجب أن يُروى.

‎فقط شاهد.

‎لا يحمل أسرارًا… لا رسائل…

‎لكنه شاهد.

‎وذاكرته قوية.

‎في الجهة المقابلة من الشارع، يجلس موريس في مقهى قديم، يتظاهر بقراءة مجلة عن الموضة.

‎هو لا يحمل سلاحًا، لا يركض، لا يصرخ.

‎بل يراقب "ماركو" منذ ساعة ونصف.

‎حذاء ماركو فيه رقعة من الخلف.

‎كلبٌ مرّ بجانبه قبل قليل، ولم ينتبه له.

‎علامات رجل يبدأ بالتوتّر.

‎الساعة 12:24

‎العامل ينزل من الدرج الخلفي للنُزل، يمشي باتجاه صندوق القمامة.

‎موريس ينهض ببطء، يمشي خلفه،

‎خطوة بخطوة،

‎دون أن يقترب أكثر من 20 مترًا.

‎العامل يُلقي بكيس القمامة، ثم يتوقف فجأة…

‎وينظر للخلف.

‎لا أحد.

‎لكن في المرآة الجانبية لسيارة متوقفة،

‎يرى ظلًّا… شخصًا واقفًا عند نهاية الزقاق.

‎الساعة 12:27

‎العامل يدخل مخبزًا.

‎يطلب فطيرة سبانخ.

‎لكنّه لا يأكلها.

‎يجلس فقط…

‎ينتظر.

‎موريس يدخل بعده بدقيقتين،

‎يطلب زجاجة ماء، يجلس على الطاولة البعيدة،

‎يخرج دفتر ملاحظات صغير…

‎ويكتب:

‎> "لا يأكل. ينتظر من؟

‎يريد الهرب؟

‎أم يستدرجني؟"

‎الساعة 12:35

‎العامل يخرج من الباب الخلفي للمخبز.

‎موريس لا يخرج فورًا.

‎بل ينتظر دقيقة كاملة.

‎يُخرج مرآة صغيرة، يرى العامل يمشي عبر الزقاق الجانبي.

‎موريس يبتسم،

‎ثم يقول في نفسه:

‎> "غبيّ، ما زلت تعتقد أن التقدّم هو مَن يربح…"

‎ويخرج من باب الطوارئ الآخر… الذي يؤدي إلى نفس الزقاق من الجهة المعاكسة.

‎الاصطدام

‎العامل يمشي بسرعة،

‎ثم يتوقّف فجأة…

‎يجد أمامه موريس، يقف عند الحائط، ينظر إلى ساعة في معصمه.

‎يرتجف.

‎لكنه يتظاهر بالهدوء.

‎يقول بصوت عالٍ:

‎> "أنا مجرد عامل. لماذا تلاحقني؟"

‎موريس لا يردّ.

‎بل يُخرج منديلًا، يمسح حذاءه،

‎ثم يجيب:

‎> "لأنك لم تنظر في المرآة حين غادرت المطبخ.

‎وأنا لا ألاحق الرجال الذين لا يكذبون.

‎لكنك كذبت."

‎العامل يبدأ بالمشي للخلف ببطء.

‎موريس يخطو للأمام…

‎خطوة واحدة فقط.

‎العامل يركض فجأة!

‎موريس لا يتحرّك.

‎بعد 4 ثوانٍ…

‎يسمع العامل صوت شيء يلتفّ حول كاحله.

‎يسقط أرضًا.

‎لقد تعثّر بسلك تم شده بين جدارين…

‎زرعه موريس قبل ساعتين.

‎في حال قرّر العامل "الركض بدل التفكير".

‎موريس يقترب، لا يسرع.

‎يجلس القرفصاء بجانبه، ينظر إليه،

‎ثم يقول:

‎> "أنا لم أركض خلفك…

‎أنت من ركض نحوي."

‎العامل كان يرتجف، نظر إليه بعينين مفتوحتين كأنما ستنفجران، ثم تمتم:

‎— "أنت… أنت موريس… رأيتك مرة في بثّ مباشر… قائد فرقة شهيرة

‎ابتسم موريس بخفة، ثم قال دون أن يغيّر نبرة صوته:

‎— "حسنًا، يبدو أنّ لي سمعةً تُسبقني. أخبرني فقط… هل رأيت أحدًا من العائلة أودجين بما انك كنت تعمل عندهم؟"

‎هزّ العامل رأسه بعنف وهو يصرخ:

‎— "أقسم بالله، لم أقابل أحدًا منهم قطّ! لكن… سمعت عنهم… من أحد الرجال الذين كنت أعمل عندهم…"

‎اقترب موريس ببطء، وقال:

‎— "تابع."

‎تنفّس العامل بصعوبة، ثم قال بصوتٍ متقطع:

‎— "الرجل كان مدير مختبر لزراعة الأعضاء… وكان المختبر تابعًا بشكل سري لعائلة أودجين… قبل أن تقبض عليه المنظمة.

‎في إحدى الليالي، سمعته يهمس في الهاتف… قال إن قصر العائلة الحقيقي يقع في… فرنسا.

‎لكنّه لا يعرف موقعه بالتحديد… قال إنّ لا أحد يعرف… حتى هم لا يتحدثون عنه مباشرة… وكأنّه مكان ملعون."

‎سكت العامل، ينتظر ردة فعل موريس، لاهثًا، متوسلًا بعينيه أن ينتهي الأمر هنا.

‎لكن موريس… لم يُجب.

‎أخرج سكينًا صغيرة من جيب معطفه. حادة، لامعة، كأنّها مصممة خصيصًا لإنهاء الكلمات الأخيرة.

‎اقترب.

‎وهمس بجانب أذنه:

‎— "كلّ من يتكلم… لا يخرج حيًا."

‎طعنة واحدة.

‎نظيفة.

‎دقيقة.

‎ثم سقط جسد العامل كدمية فقدت الخيوط التي تحرّكها.

‎مسح موريس السكين في كمّه، ثم رفع رأسه نحو السماء، كأنّه يشمّ هواء فرنسا من الآن، وقال لنفسه:

‎— "فرنسا إذًا… لنبدأ الرحلة."

‎ثم استدار، واختفى في الزقاق، وترك وراءه صمتًا أثقل من الموت.

2025/08/06 · 3 مشاهدة · 712 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025