في ليلة هذا اليوم

الساعة تقترب من الواحدة بعد منتصف الليل، والسماء فوق ريو دي جانيرو مشقوقة كأن برقًا قد مرّ بها ولم يعتذر.

‎أحياء خلفية تُشبه لوحة زيتية مرمية في القمامة. قناني مكسورة، كلاب تنبح على الهواء، وموسيقى باهتة تتسلل من نوافذ مخلعة.

‎فوق عمود كهرباء مهترئ، يقف شو.

‎واقف هناك، بثبات رجل لا يؤمن بالجاذبية، ولا بالخوف.

‎عينيه نصف مغمضتين، يُحرك رأسه ببطء… كأن أنفه يشمّ شيئًا في الهواء.

‎— "...إنها ليست رائحة بشر."

‎قالها بصوت منخفض كمن يتحدث مع جلده.

‎هالةٌ تتسرب عبر الرياح. لا تُرى… لكنها تقرص عظامه.

‎"ثلاثة كيلومترات فقط. الهالة تُمزق الهواء مثل سكين على رغيف من الصراخ."

‎فجأة، دوى صوت في الشوارع المهجورة، صوتٌ يُشبه الضحك… لا، بل سعال ضاحك… لا، ضحك مريض.

‎بيوم كان هناك.

‎من قلب أحد الأزقة خرج بخطى واثقة، يحمل حقيبة صغيرة كأنها مليئة بأسرار لا تليق بالعقل.

‎وجهه مغطى جزئيًا بقناع نصفه أبيض، نصفه محترق.

‎وهو يضحك بصوت غريب أشبه بتجشؤ الشياطين:

‎— "هاهاهاااااع! أظنّ… أنني وجدت خصم الليلة!"

‎في لحظات، دون سابق إنذار، أصبح أسفل العمود مباشرة.

‎شو لم يتحرك. عيناه ثبتتا على القادم. الهالة الآن واضحة… ليست بشرية.

‎أشبه بخطأ في النظام.

‎نزل شو بخفة فوق الأرض، كمن يقفز من شرفة غرفة نومه إلى المعركة.

‎بيوم ابتسم كمن يلتهم فرصة للدم.

‎— "أظنّ أنك كنت تلاحقني."

‎شو ردّ بسخرية ميتة:

‎— "يالَسوء حظك… نعم."

‎الهواء بينهما تغير… أصبح لزجًا… ثقيلًا… كأن الزمن قرر أن يراقب هذا اللقاء من مسافة آمنة.

‎بيوم ضحك مجددًا، ثم فتح ذراعيه كمن ينتظر حضن القدر وقال:

‎— "أخيرًا… كنت أبحث عن خصم قوي، أنهي به آخر ليلة لي في هذه الحفرة التي تُدعى البرازيل…

‎أنا ذاهب إلى روسيا، ولا أعتقد أنني سأجد هناك أكثر من دببة وأغبياء يبيعون أعضاء بشرية بالروبل!"

‎شو لم يبتسم، بل نظر إليه كما ينظر السكين إلى الجرح قبل أن يولد، وقال:

‎— "دعنا نُغيّر المكان… هنا كثير من العيون… وهناك أحياء مهجورة خلف الميناء… حيث لا أحد يسمع الصراخ."

‎استدار ومشى.

‎بيوم لم يتحرك على الفور، بل ظل واقفًا، ثم همس بصوت لم يسمعه أحد غيره:

‎— "أنت… تستحقني الليلة."

‎ثم تبعه.

‎في رمشة عين، اختفى كلاهما…

‎وكأنّ الأرض ابتلعتهما… أو أن الزمن تجمّد للحظة ليرى ماذا سيحدث بعد ذلك.

‎ثم، فجأة، ظهر بيوم في وسط الحي المهجور.

‎مكانٌ مهجورٌ حتى الأرواح تكاد تهرب منه… لكن بيوم كان مختلفًا.

‎وقفت هالته السوداء الملتوية كأنها غيمة عاصفة تستعد للتفجر، وأخرج يديه أمامه، متكئًا على قوى تخرّج من أعماق ظلامه.

‎قال بتهكم:

‎— "هل ستظهر أم تفضل القفز من عمود إلى آخر كالأرانب الصغيرة؟"

‎في مكان بعيد، بين أنقاض مبنى مهدّم، كان شو يراقب…

‎يتنفس ببطء، ثقته بنفسه لا تهتزّ، رغم غموض مهارة بيوم.

‎في نفسه همس:

‎“لا أعرف ما هي مهارته تحديدًا، لكنه قوي… قوي جدًا.

‎واثقٌ من ذلك، ويبدو أنه في مستوى مختلف عن كل ما عرفته.”

‎ولكن، شو لم يكن مجرد رجل يقفز بين الأعمدة.

‎هو نينجا، فارس الظلال، قاتل يحركه التمرس، السرعة، والفن.

‎بدأ بالتحرك.

‎بخفة الظل، انزلق من بين الأنقاض، وسرعان ما أصبح على بعد بضعة أمتار من بيوم.

‎وفجأة… بدأت الألواح تظهر.

‎قطع حادة، بأحجام مختلفة، تطير في الهواء، تتراقص وكأنها أوراق شجر قاتلة.

‎كانت مهارة بيوم تجسد هذه الألواح من العدم، تتحرك بإرادته، حادة وقاطعة كأنها سكاكين لا تهدأ.

‎شو لم ينتظر.

‎بسرعة خارقة، بدأ يتحرك بين الألواح، يتنقل كالريح، يختفي خلف عمود، ثم يلتقط قطعة خشب صغيرة من الأرض ويقذفها بقوة نحو بيوم.

‎لكن الألواح ارتفعت كحاجز بلا خيوط، تعترض الطلقة وتفرقها إلى شظايا صغيرة.

‎القتال كان قد بدأ.

‎بيوم هتف ضاحكًا:

‎— "هل هذا كل ما تملك يا نينجا؟"

‎شعر شو بأن الوقت يمر كأنه برق.

‎يحتاج إلى سرعة، إلى خدعة.

‎بدأ بالانقضاض، خطواته متتالية، ضربات سريعة، يهاجم الألواح ويشق طريقه نحو بيوم.

‎لكن بيوم، بابتسامة شيطانية، عزز دفاعه بألواح أكبر، بعضها طويل كالسيوف، وبعضها صغير كالرماح.

‎ومع كل ضربة كان بيوم يعكسها بسهولة، بل ويهاجم بدوره بألواح تطير من حوله كالعاصفة.

‎شو وقف فجأة، جذب نفسًا عميقًا، ثم استخدم مهارة نينجا سرية:

‎“ظل السكين”

‎— حركة خفية تهزّ الحواس…

‎اختفى من مكانه وظهر خلف بيوم بثانية.

‎أمسك كتفه بقوة، ثم ضربه بضربة حادة على الظهر، كأنها رمح مُغمد في الجحيم.

‎بيوم شعر بالألم، لكنه لم يسقط.

‎ضحك مرة أخرى، أكثر جنونًا:

‎— "حسنًا، يبدو أن القصة بدأت تشتعل."

‎السماء فوق الحي المهجور لم تنفصل عن الظلام الذي يكسو أرض المعركة.

‎كل حركة، كل تنفس، كان كأنه صدى معركة قديمة، مزج بين الفن والجنون.

2025/08/06 · 1 مشاهدة · 747 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025