السماء لا تزال زرقاء، لكن وهج الشمس فوق الصحراء كان كأنها أعدّت انتقامًا خاصًّا لهذا اليوم.

‎الريح اليوم لم تكن تعوي... كانت تصرخ.

‎كان "تاي سون" واقفًا بقدميه العاريتين على الرمال، وبجسده العاري إلا من ضمادات ملتفة حول ذراعيه. الرمل المغلي كالزيت ينهش قدميه، لكنه لم يتحرك. أمامه صف طويل من الصخور المتفحمة، وخلفه "تاي"، جالسٌ على صخرة ضخمة يشرب شايًا باردًا، كأنه يشاهد حفلة تعذيب من أجل المتعة فقط.

‎قال تاي بلا رحمة:

‎> – اليوم... تبدأ الحصة الثالثة.

‎– إن لم تسمع اللحن الثالث... لن تأكل.

‎– وإن سقطت قبل ذلك... فسوف تُدفن في هذا الرمل، وستعزف لك الأرض لحنك الأخير.

‎سون لم يجب. لم يكن يستطيع. فمه مشقوق من الجفاف، عينيه كأنيابهما تتقاتلان من شدة الضوء. لكنه أومأ.

‎قال تاي:

‎> – كل لحن تملكه، هو نوع من السم.

‎– ولكي تخلق لحنًا، لا يكفي أن تسمع الصوت.

‎– يجب أن "تصبح" الصوت.

‎– هذا ما ستفعله اليوم.

‎ثم رمى إليه شيئًا غريبًا... نايًا بدائيًّا مصنوعًا من عظم بشريّ.

‎نظر إليه سون، مذهولًا.

‎قال تاي ببرود:

‎> – هذا ناي "الفَجْرَة" الذي استخدمه سيد السمّ السابع.

‎– اليوم ستعزف به.

‎– لا، لا لتعزف موسيقى… بل لتستخرج من روحك "ذبذبة القتل".

‎كان على سون أن يجري عبر الصحراء، وهو يعزف على الناي دون توقف.

‎لكنه لا يملك أي نغمة في رأسه… لا شيء سوى الجفاف.

‎كل خمس دقائق، يبدأ يرى أشياء.

‎أولًا رأى أمه.

‎ثم رأى ثعبانًا عملاقًا يطارده.

‎ثم نفسه… لكن ميتًا… يركض بجانبه.

‎كل ذلك بينما تاي من بعيد، يصرخ:

‎> – إن عزفت نغمةً خاطئة… سيموت شخص تعرفه.

‎وكان سون يصدق.

‎بل أصبح يعزف كأنه يُنقذ أرواحًا.

‎بعد ساعة كاملة من الركض، سقط. لكن تاي لم يقترب.

‎بل أرسل نحوه صوتًا من بعيد:

‎> – جيد.

‎– الآن… ازحف.

‎– عزفك بدأ يُشبه صوت القبور.

‎– لكن نحتاجه يُشبه موت إله.

‎وبينما يزحف على بطنه وسط الرمال الحارقة، بدأ يشعر بشيء…

‎ذبذبة…

‎نبض…

‎كأن شيئًا داخل جسده يُريد أن يخرج عبر أصابعه.

‎عينيه ارتجفت.

‎الناي في يده صار كأنه حيّ.

‎وفجأة، خرج صوتٌ… صوتٌ غير مألوف… نغمة مائلة، مزعجة… وكأنها تصرخ باسم شخصٍ ما.

‎وفجأة!

‎كل العقارب في الصحراء… تجمّعت نحوه.

‎تاي صرخ، ضاحكًا بجنون:

‎> – نعم!!! هذا هو!!!

‎– لقد استدعاهم "اللحن الثالث"!

‎– هذا لحن "سمّ النسيان"!

‎– عقارب الرمال لا تسمع سوى هذا النوع من الذبذبات!

‎سون لم يفهم، كل ما يعرفه أن جسده يحترق من الداخل، والناي يهتزّ، وعشرات العقارب تلتف حوله.

‎صرخ وهو يعزف، يعزف، يعزف…

‎حتى فقد الوعي.

‎في المساء

‎استفاق داخل حفرة رملية باردة.

‎تاي واقف أمامه.

‎قال:

‎> – لقد مررت بالحصة الثالثة.

‎– بقي لحنان… اثنان فقط.

‎ثم اقترب منه، وأخرج زجاجة صغيرة.

‎بداخلها… عقرب ميت.

‎قال له، وهو يبتسم كأنه والد فخور بابنه:

‎> – هذا أول من مات بسبب لحنك.

‎– احتفظ به. هو أول ضحية لسيمفونيتك القاتلة.

‎قال تاي، بصوته الصارم:

‎— "لقد وصلت إلى الحصة الرابعة... وهذا يعني أنك ستُجرد اليوم من شيء أعزّ من اللحم، وأثمن من العظام... أعصابك."

‎سون، نصف واقف، نصف ميت، لم يفهم تمامًا.

‎تاي أكمل:

‎— "الحصة الرابعة: صرخة العصب العاري. لا مهارة دون ألم، ولا لحن سم دون أن يتعلم الجسد الرقص مع الصراخ."

‎أشار تاي نحو دائرة غريبة مرسومة فوق الرمال، محفوفة بنقوش سوداء، يتصاعد منها بخار أخضر خفيف. في وسط الدائرة... آلة غريبة الشكل، ليست بآلة موسيقى، ولا هي بآلة تعذيب، بل مزيج بينهما. قطعة معدنية تُوضع على الصدر، تمتد منها أسلاك دقيقة إلى الأذنين والعينين واللسان.

‎— "اجلس وسط الدائرة، وسأشغّل جهاز ارتعاش العصب. هذا الجهاز سيربط سلالمك الروحيّة بذبذبات سميّة… ستمشي عبرها النغمات، لكن لا تسمعها بأذنك… بل بأعصابك. كل سلك سيوقظ وترًا داخليًا. كل نغمة ستُوقظ ألما خفيا كنت تظنه مجرد إرهاق. ستبدأ ترى السمّ. لا كمادة… بل كلحن يعزف على نخاعك.

‎سون، وهو بالكاد يزحف نحو الدائرة، قال:

‎— "أنا… جاهز…"

‎تاي وضع الجهاز عليه، وبدأ ببطء بتدوير مفتاح صغير على الجانب. اهتزّ الهواء فجأة. لا موسيقى، لا أصوات، لكن كل ذرة في جسد سون بدأت ترتجف كأوتار ممزقة. يده اليسرى اختل توازنها، عينه اليمنى دمعت من دون أن يبكي.

‎ثم بدأ "اللحن". لا أحد سمعه سوى سون، لكنه سمعه كما يسمع الرضيع صرخة ميلاده… كل خلية من خلاياه عزفت نغمة سم خاص بها.

‎الوتر الأول: نغمة السمّ العصبي

‎ألم مرّ كلسعة كهربائية في عموده الفقري، تلاه ارتعاش عضلي عشوائي. لم يفهم أولًا. ثم صرخ صرخة حيوان يُسلخ حيًا.

‎تاي قال بهدوء:

‎— "لا تقاوم… بل استقبل. كل صرخة هي جسرٌ إلى النغمة التالية."

‎الوتر الثاني: نغمة السم البصري

‎ضباب أحمر اجتاح رؤيته. رأى الأشجار تتلوى، الرمال تبتسم له بأفواه بشرية، ووجه أمه يتحول إلى عقرب.

‎صوت لحن لا يُعزف سكن رأسه، كأن أحدهم يعزف على شبكة عينيه كأنها آلة وترية. الدم بدأ ينزف من أنفه، لكن سون… لم يصرخ. فقط حفر أظافره في الرمال، وقال بصوت خافت:

‎— "هذه… بداية النغمة…"

‎الوتر الثالث: نغمة السم اللامرئي

‎هذه النغمة لا تسمع، ولا تُحس. لكن بمجرد أن بدأت… اختفى الزمن. لم يعد يعرف كم مضى. دقائق؟ ساعات؟ أيام؟ جسده لا يزال هناك، في الدائرة. لكن عقله صار في غرفة بلا أبواب، كل جدار فيها يعزف نغمة ببطء، كأن كل فكرة تُقطّع وتُشوى.

‎حتى قال بصوت مختنق:

‎— "أشعر… بلحنٍ داخلي… كأنه لا ينتهي… وكأن السمّ… صار أنا."

‎تاي ابتسم لأول مرة، ثم أوقف الجهاز.

‎سون سقط أرضًا. لا حراك. لكن… في عينيه لمع شيء جديد. لم تكن نغمة خارجية، بل ولدت داخله. مهارته بدأت تتشكل. لم تُطلق بعد، لكنها تفتحت كما يتفتح زهرة من داخل جمجمة.

‎تاي قال:

‎— "ما عشته اليوم… هو عزف على أوتارك الداخلية. بقيت حصة واحدة… حصة أخيرة… حيث لن تعزف لحنك… بل ستسمعه خصمك."

‎ثم نظر إلى الأفق، حيث الظلال تقترب…

2025/08/06 · 2 مشاهدة · 992 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025