لم يكد يمر نصف ساعة على بدء القتال، حتى بدأنا نلاحظ شيئًا غريبًا على الشاشات.

‎الممرات… تتغيّر.

‎في القسم الشرقي، غاندي كان يطارد الروح التي تحولت إلى دخان أسود، لكنه فجأة توقف… الحائط أمامه بدأ يتحرك مثل ستارة من الطين، ينكمش ليفتح ممرًا جديدًا لم يكن موجودًا قبل دقيقة.

‎لم يكن هذا من فعل الروح… بل من فعل المتاهة نفسها.

‎– غاندي (بصوت عالٍ): "مين! توقفين الجدران لو كنتِ تسمعين!"

‎لكن الجدران أغلقت خلفه ببطء، تاركة أمامه طريقًا واحدًا، أضيق من أن يركض فيه بكامل سرعته.

‎في القسم الجنوبي، ليليا كانت على وشك أن تطعن روحًا في قلبها الشفاف، حين انشق الأرض تحت قدميها.

‎قفزت للخلف بسرعة، لكن إحدى ساقيها علقت في فجوة، وفي اللحظة نفسها انبثق من داخل الجدار ذراع طويلة تشبه الجذور، أمسكت بها وحاولت سحبها نحو الظلام.

‎صرخت، لكن بدلاً من طلب المساعدة، غرزت سكينها في الجذر، وقطعت نفسها حرة… الدم ينزف من ساقها، لكنها ابتسمت.

‎في القسم الشمالي شرقي كوبا سمع أصوات خطوات خلفه، لكنه حين استدار… لم يجد أحدًا.

‎ثم أدرك أن الأرضية التي كان يقف عليها منذ دقائق لم تعد موجودة، وأنه الآن يقف على جسر حجري ضيق يمتد فوق حفرة بلا قاع.

‎رفع يده، وضرب الأرض، محاولًا تدمير الجسر… لكن الحجارة تحركت وحدها، لتدفعه نحو الحافة.

‎تدحرج على الأرض وتشبث بزاوية الجدار، وعيناه تتوهجان غضبًا.

‎في القسم الغربي، سيمو كان قد شحن سهم الظل الثاني، لكن الهدف لم يظهر بعد.

‎أدرك السبب حين رفع رأسه… السقف نفسه بدأ ينخفض ببطء.

‎ركض، قفز، انزلق تحت الأبواب المتحركة، والعرق يقطر من جبينه، لكن سرعته وحدها لم تكن تكفي.

‎أطلق سهمه على السقف مباشرة، فانفجر جزء منه إلى غبار أسود، ليمنحه وقتًا إضافيًا للهرب.

‎في غرفة المراقبة، السيدة مين كانت واقفة بجانب بلاك داون، عيناها مغمضتان، وابتسامة صغيرة على شفتيها.

‎هي التي كانت تغيّر الجدران، تشق الأرض، تخفض الأسقف… كل قسم كان الآن ملعبًا مغلقًا تتحكم به كما تشاء.

‎بلاك داون، وهي تراقب، قالت:

‎> "الآن… لن ينفعهم الاعتماد على المهارات وحدها، ولن تكفيهم القوة الجسدية وحدها.

‎من لا يعرف كيف يوازن… لن يرى الباب المخفي أبدًا."

‎إيرلي، الذي كان واقفًا في الظل، تمتم بكلمات قصيرة، ثم ابتسم ابتسامة غريبة:

‎> "وهذا… قبل أن تتجمع الأرواح الكبيرة."

‎الشاشات بدأت تُظهر علامات… في كل قسم، الظلام في أحد الزوايا بدأ يتكدس ويتشكل… ليس روحًا صغيرة، بل شيئًا أكبر، أقرب إلى كائن كامل.

‎الهواء في القسم الشرقي صار أثقل من الرصاص.

‎غاندي، الذي كان يركض منذ بداية الاختبار، توقف… لأنه شعر بشيء أكبر من كل ما رآه حتى الآن.

‎الظلام في الممر الأمامي بدأ يتجمع، يلتف مثل دوامة من دخان أسود، ثم امتد ليغطي السقف والجدران.

‎من قلب هذا الظلام… خرجت يد.

‎يد بعرض كتف إنسان، لكن طول أصابعها أطول من ساعد غاندي نفسه، وكل إصبع ينتهي بمخلب منحني يلمع بلون العظم الميت.

‎ثم ظهرت كتفان واسعتان، وصدر مُشق بطول عمودي، ينبعث منه ضوء أحمر باهت كأن شيئًا بالداخل يحاول الخروج.

‎وأخيرًا… رأس بلا عينين، وفم ممتد حتى منتصف الخد، مليء بأسنان صغيرة وحادة مثل شفرات.

‎غاندي ابتسم، كأنه كان ينتظر هذا منذ البداية.

‎> "أخيرًا… خصم بحجم الحصة."

‎رفع يديه، وبدأت الشرارات الزرقاء تتقافز بين أصابعه، مهارة القبضة الصاعقة تشتعل من جديد.

‎لكن هذه المرة، لم يندفع مباشرة… بل بدأ يتحرك ببطء، يلف حول الممر، يراقب خطوات الكائن، يختبر المسافة.

‎الروح الكبيرة تحركت فجأة بسرعة لا تناسب حجمها، قافزة نحو غاندي، لكن الأخير انحرف في اللحظة الأخيرة، ووجه لكمة إلى ضلعها.

‎الضربة كانت قوية، الشرارة انفجرت على جسد الروح، فصرخت بصوت كزئير معدني ممزوج بالبكاء، وارتدت للخلف مترين.

‎لكنها لم تتألم بما يكفي… بل زادت شراستها.

‎انقضت من جديد، هذه المرة استخدمت ذراعها لتسد الممر وتمنعه من المناورة.

‎غاندي ضحك، ثم تراجع خطوتين للخلف، واستجمع قوة جسده كلها في ساقيه.

‎قفز، ودار في الهواء، وضربها بركلة جانبية على كتفها، مستعينًا بالشرارة التي غطت ساقه بالكامل.

‎الاصطدام كان كصوت تحطم جذع شجرة، والروح اندفعت إلى الجدار حتى غاص نصف جسدها فيه.

‎> "مهارة… وقوة جسدية، يا حبيب."

‎قالها غاندي وهو يلوح بيده لها وكأنه يدعوها لجولة ثانية.

‎لكن قبل أن يتحرك، بدأ الجدار من حول الروح يتغير…

‎المتاهة دخلت على الخط.

‎الأرضية تحت قدميه بدأت تميل، والجدار على يساره تحرك ليغلق عليه الطريق.

‎مين كانت تريد أن تجعل القتال أصعب… أو ربما أن تحاصر الاثنين معًا حتى النهاية.

‎الروح الكبيرة خرجت من الحائط، لكنها لم تعد كما كانت… الضوء الأحمر في صدرها أصبح أقوى، وبدأت تصدر هالة باردة تخترق العظم.

‎غاندي شد قبضتيه، الشرارة على يديه صارت أكبر من أي وقت منذ بداية الاختبار، وعيناه تلمعان بحماس غاضب:

‎> "حسنًا… لن نخرج من هنا إلا واحد."

‎الممر الضيق كان يضيق أكثر…

‎الجدار على يمين غاندي يقترب، الأرضية تميل للأسفل، وكأن المتاهة تريد أن تسحبه نحو فمها.

‎الروح الكبيرة تقترب، خطواتها ثقيلة، لكن عظامها تصدر طقطقة مع كل حركة، كأن جسدها يصرخ من الداخل.

‎غاندي ابتسم ابتسامة قصيرة… ثم ترك الشرارات تتلاشى.

‎مد ذراعه اليمنى للأمام، وأغمض عينيه لحظة…

‎– صرير العظم…

‎– تمدد الجلد…

‎– انتفاخ العضلات حتى صارت كحبال من الحديد تحت الجلد.

‎في ثوانٍ، صارت يده اليمنى بحجم رأسه مرتين، مغطاة بطبقة صلبة من اللون الفضي الداكن، عروقها تتوهج بخطوط زرقاء كهربائية.

‎مهارة: تضخيم اليد وتعزيزها.

‎حين فتح عينيه، كان الضوء الأزرق يعكس لمعة الجدران المتحركة.

‎> "جيد… الآن سنتحدث."

‎الروح الكبيرة اندفعت، مخالبها أمامها، لكن غاندي لم يتراجع هذه المرة.

‎خطوة للأمام، ويده العملاقة ارتطمت بذراعها، فسمعنا صوت كسر حاد، كأن أحدهم حطم قطعة سيراميك.

‎الروح صرخت، والهواء حولهما اهتز.

‎لكن المتاهة لم تتركه…

‎الأرضية أسفل قدميه انشقت فجأة، ليكشف عن فراغ أسود عميق.

‎قفز غاندي للخلف، لكنه شعر ببرودة تلتف حول ساقه: الجدار نفسه مد ذراعًا حجرية تحاول سحبه.

‎رفع يده الضخمة، وضرب الأرض بكل قوته…

‎الصدمة كانت كزلزال صغير، جعل الأرضية تتشقق، وذراع الجدار تتفتت إلى غبار.

‎الروح الكبيرة، التي كانت تستغل لحظات انشغاله، ظهرت فجأة خلفه، مخالبها موجهة لعنقه.

‎لكن غاندي دار نصف دورة، ويده المعززة ضربتها في الصدر مباشرة.

‎هذه المرة… لم يكن هناك ارتداد.

‎الصدر انفجر بوميض أحمر، والروح تراجعت مترين، تتهاوى وهي تحاول لملمة نفسها من جديد.

‎> "أعرف أنك ستعود… لكنني هنا حتى أُكسر كل قطعة فيك."

‎المتاهة أغلقت الممر تمامًا خلفه، لم يعد هناك طريق للهرب.

‎إنها معركة حبس، واحد منهما فقط سيخرج.

2025/08/06 · 1 مشاهدة · 1035 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025