قسم الجراحة–
رائحة الحديد الصدئ مختلطة برائحة الكحول الطبي، والأرضية البيضاء ملطخة ببقع صفراء لا تعرف إن كانت دمًا قديمًا أم شيئًا آخر.
الإضاءة الخافتة تجعل الظلال تبدو كأشباح ممددة على الأسرة الجراحية المكسورة.
سون يدخل بهدوء… خطواته لا تصدر أي صوت، لكن عينيه تتحركان في كل اتجاه، كما لو كان يقرأ لحنًا مكتوبًا على الجدران.
في وسط القاعة، يقف رجل ضخم، رأسه يلامس السقف، جسده مشوه كأنه خليط من عضلات وبقايا أدوات جراحية ملتصقة بعظامه.
وجهه بلا ملامح… سوى فم ضخم مليء بأسنان معدنية، يصدر صريرًا عند كل حركة.
> سون (بهمس): "لحن واحد يكفيك… لكن أيّ سيمفونية ستناسبك يا عزيزي؟"
الرجل الضخم يتحرك فجأة، الأرضية تهتز، السرير الجراحي يطير من مكانه، وينقض على سون بقبضة تكفي لسحق جمجمة حصان.
لكن سون يختفي من أمامه في ومضة، ظهر خلفه، سكين صغيرة في يده، يلمع نصله بلون أزرق غامق.
في لحظة دوران، عين سون تغمض نصف غمضة، ابتسامة باهتة على شفتيه، ثم همس:
> "سيمفونية الحيّة الزجاجية…"
النصل يخترق كتف الضخم… لا دم، لكن صوت طقطقة يأتي من الداخل.
السم يدخل العظم مباشرة، يذوبه من الداخل كما يذيب الحليب الساخن قطعة سكر ببطء.
الضخم يصرخ بصوت معدني مخلوط بالغضب، يضرب الحائط بجانبه فيتفتت، ثم يهاجم بجسده كله، محاولًا سحق سون تحت وزنه.
لكن سون يتحرك بسرعة حيوان جائع… يقفز على الطاولة الجراحية، ثم إلى عمود الإضاءة، ثم ينقض مرة أخرى، هذه المرة على ساقه.
ضربة ثانية من السم…
العظم يلين، الساق تنثني بزاوية غير ممكنة، لكن الضخم يستمر في القتال وكأن الألم وقود له.
الغرفة تتحطم حولهما، المعدات الطبية تتطاير، الأدوات الجراحية تلمع وهي تسقط على الأرض.
سون يلتف حول خصمه مثل ظل، يضرب نقاطًا دقيقة في ذراعيه وضلوعه، كل ضربة تترك خلفها صوت تفتت داخلي.
في أقل من دقيقة، الضخم بدأ يترنح، كتفه الأيمن هبط للأسفل، ساقه اليسرى لا تحمل وزنه، وأنفاسه صارت متقطعة.
لكن رغم ذلك، حاول آخر هجوم… قفز للأمام، ذراعيه مفتوحتين لسحق سون.
سون لم يتحرك… بل انتظر اللحظة التي تقترب فيها المسافة إلى الصفر، ثم أدار جسده نصف دورة، سكينه مرت بمحاذاة عنق الضخم، ليس للقطع، بل لغرس السم في العمود الفقري.
في لحظة…
جسد الضخم تجمد، عضلاته انكمشت، وصوت كسر متتابع انتشر من الداخل، ثم انهار على الأرض ككومة من العظام الطرية.
سون وقف بجانبه، مسح نصله بقطعة شاش، وقال بهدوء:
> "الحيّة الزجاجية… لا تترك جثثًا، بل أواني مكسورة."
ثم مشى خارج قسم الجراحة، تاركًا خلفه صمتًا ثقيلًا ورائحة السم
.سون يمسح آخر أثر للدم من على نصله، يسير في ممر طويل مظلم، جدرانه مغطاة بصور أشعة عظمية قديمة، وبعضها يتحرك كأن العظام بالداخل تحاول الخروج.
خطواته صامتة… لكن في منتصف الممر، يسمع صوتًا غريبًا:
طنـ… طنين… طنين… دانغ… دانغ…
إيقاع معدني، بطيء في البداية، ثم يتسارع.
الظل أمامه يتشكل… رجل يرتدي معطف موسيقي قديم، كتفيه مغطاة بريش أسود، وعلى رأسه قبعة عازف أوركسترا.
في يده عصا قائد أوركسترا… لكنها ليست خشبًا، بل معدن أسود يلمع، ومن طرفها تخرج رموز موسيقية مضيئة تدور حوله.
> الخصم: "أسمع لحنك يا سون… لكنني هنا لأعزف النهاية."
سون (يبتسم بخفة): "وأنا هنا… لأكسر الآلة."
الخصم يرفع عصاه، يلوح بها في الهواء… الرموز الموسيقية تتحول إلى خناجر صغيرة، تطير بسرعة حسب الإيقاع.
تان تان تان تان! – كل نغمة، خنجر يخترق الهواء نحو سون.
سون يختفي بخطوة سريعة، يظهر على يمينه، لكن اللحن يتغير فجأة…
دوووووم! – رمز موسيقي ضخم بحجم الباب يسقط أمامه، يمنعه من التقدم.
سون يتحرك بشكل متعرج، يبحث عن الثغرة… ثم يهمس:
> "سيمفونية الفراشة المسمومة…"
يطلق خيطًا من السم في الهواء، يتحول إلى ضباب ملون، يتسلل بين الرموز الموسيقية.
الخصم يتراجع خطوة، يلوح بالعصا لتفريق الضباب، لكن بعضه يلامس جلده… وعيناه تبدأان في رؤية الظلال ترقص حوله.
الخصم يضحك وسط الهلوسة، يرفع عصاه، ويبدأ عزف إيقاع أسرع:
تان تان دانغ! تان تان دانغ! – كل نغمة تخرج منها رموز موسيقية على شكل مخالب تلتف حول الممر.
سون يقفز بينها، يصد بعضها بسكينه، يتفادى الأخرى بسرعة البرق، لكن الرموز تتحرك مع الإيقاع وكأنها تلاحقه بالرقص.
سون يقترب، يضرب بسكينه نحو ذراع الخصم، لكن اللحن يتبدل فجأة إلى إيقاع منخفض…
دووووو… دانغ! – موجة صدمة من الرموز تضرب جسد سون وتدفعه للخلف مترين، صدره يثقل وكأن قلبه يبطئ مع النغمة.
> الخصم: "كل لحن… مرض مختلف."
سون (بهمس): "وهذا… سم مختلف."
سون يختفي للحظة، يمر خلف خصمه بسرعة لا يمكن تتبعها، يغرس نصله في كتفه، السم يتسرب مباشرة للدم.
هذه المرة اختار… سيمفونية الثعلب السام.
الخصم يفتح فمه ليتحدث، لكن عيناه تفرغان، يده تسقط العصا، والرموز الموسيقية تتلاشى في الهواء.
يسقط على ركبتيه، يتنفس ببطء، صوته يختفي، ذاكرته تتلاشى أمامنا، حتى صار ينظر حوله كطفل ضائع.
سون يلتقط العصا، يديرها بين أصابعه، ثم يرميها على الأرض:
> "الألحان الجميلة… تموت بصمت."
{{من منظور سون}}
جثا الموسيقي على ركبتيه، عينيه فارغتين… وأنا وقفت أتنفس ببطء، أشعر بالسم يبرد في دمي.
أدركت فجأة… أنني استخدمت سيمفونية الحيّة الزجاجية على الضخم… وبعدها الفراشة المسمومة، والآن الثعلب السام…
ثلاث سيمفونيات… في أقل من ساعة.
تاي… قال لي حرفيًا:
> "أكثر من واحدة، وسينفجر جسدك من الداخل… مثل بالون مملوء بزيت مغلي."
لكنني لم أنفجر.
لم أختنق.
لم ينهار قلبي… بل أشعر أنني أستطيع عزف لحن آخر.
ابتسمت… أو ربما تباهيت.
> "انظر يا تاي… يبدو أنني آلة موسيقية بلا كسر."
ثم… الأرض اهتزت.
الجدران حولي انفتحت فجأة، والأرضية بدأت تتحرك للأعلى والأسفل كقطع منصة ضخمة.
المتاهة صارت مثل صلصال، الممرات تلتف، الأرضيات تنقلب، وأبواب جديدة تنبثق من لا مكان.
لكن الأسوأ… أن من كل زاوية، خرجت أيادٍ سوداء هزيلة، أصابعها طويلة كالإبر، تتحرك مثل مخلوقات جائعة.
أصواتها تشبه حفيف أوراق جافة، لكنها تضرب بسرعة الرصاص.
قفزت الأيادي من كل اتجاه، بعضها يخطف الهواء أمام وجهي، بعضها يحاول الإمساك بكاحلي.
رفعت سكينتي، سيمفونية العقرب الأسود… السم ينتشر على نصلي، وأي يد تلمسه تتحول أصابعها إلى رماد يتطاير قبل أن تلمسني.
لكنها كثيرة… كثيرة لدرجة أنني وجدت نفسي أتنقل بينها مثل برق، أضرب، أصد، أقطع، والسم يتطاير في الهواء كغبار فضي.
أدرت جسدي نصف دورة، صدّيت هجوم يدين بساقي، ثم غرست نصلي في جدار جانبي حيث كانت أيادٍ تخرج.
في اللحظة نفسها… استعملت حركة دفاعية بظهر السكين لأقطع أصابع أخرى تحاول الإمساك بكتفي.
كل ضربة كانت لحنًا، كل خطوة كانت إيقاعًا.
المتاهة تتحرك، لكنني أتحرك أسرع…
إنها تحاول ابتلاعي، وأنا أكتب على جدرانها لحنًا بالسم، كأنني أوقّع على لحمها الداخلي.
الأيادي بدأت تتجمع في كتلة واحدة… تتحول إلى ذراع عملاقة بحجم الممر، كأن المتاهة قررت أن تضع كل لعناتها في قبضة واحدة.
قفزت للخلف، وأطلقت زفيرًا باردًا… ثم اندفعت للأمام، نصلي يلمع بسيمفونية الحيّة الزجاجية مرة أخرى.
الاصطدام كان مثل كسر جدار زجاجي ضخم… الذراع العملاقة تفتتت، والأيادي تناثرت إلى غبار أسود.
وقفت وسط الممر الجديد الذي فُتح أمامي، أتنفس ببطء، وابتسامة ساخرة على وجهي:
> "ثلاث سيمفونيات… ونجوت.
ربما يا تاي… سأعزف الخمسة كاملة."