الهاتف رن
كانت أصابع تشاي ترتعش فوق شاشة الهاتف، قلبه ينبض كأنه يريد أن يخرج من صدره، وعيناه تلتقطان كل تفصيل في الصورة المتقطعة التي ترسلها له المكالمة.
ظهر وجه آكاي، لكن ليس ذلك الوجه الذي عرفه من قبل، بل وجه قاتم، كظل يكسوه العدم، يبتسم بابتسامة ساخرة، والدمعة الخفية تتجمد في زاوية عينه.
ثم الصورة تتحول…
آني… مقيدة، جسدها يرتجف، عيونها تترقرق بين الألم واليأس، بينما جدتها ممددة في زاوية، مقتولة بلا رحمة، دماءها تلطخ الأرض الباردة.
آكاي يقترب من آني، في يده السيف، ذي الحد اللامع كالبرق في ليل مظلم، يرفع السيف بثبات وكأنه ينفذ حكمًا مقدرًا لا مفر منه.
آني، رغم قيودها، تبتلع أنفاسها بصعوبة، تظهر هالة ضوء خافتة حول يديها… مهارتها في الشفاء تنبض بالحياة، تعيد شظايا جسدها المتألم إلى مكانها.
لكن الألم النفسي أعظم، أعمق من جراح جسدها، معركة تدور في أعماقها بين حب الماضي وحب الحاضر.
تتمزق روحها بين ذكريات آكاي، الذي كان حبيبها القديم، وبين تشاي، حبيبها الجديد، الذي ما زال يملك قلبها.
هي لا تفهم… لماذا يفعل هذا بها؟
لماذا يحول من أحبته إلى جلاد؟
تشاي، قلبه يشتعل بلهيب غضب لا يُطفأ، صوته انفجر مثل بركان كان مكبوتًا:
> "ابتعد عنها!
سأفعل ما أريد، لكنها ليست لعبة في يديك!"
الصمت خيم للحظة، ثم صوت السيف يقطع الهواء، والصراخ يعلو، والمعركة تبدأ في قلوبهم قبل أن تبدأ في القصر المظلم.
آني مقيدة، جسدها محاصر بقيود لا تسمح لها حتى بالحركة، لكنها شعرت بأسرع من ذلك: أسرع من الجروح على جلدها، أسرع من الألم الجسدي.
كان الألم الأكبر في قلبها، في عقلها، في روحها.
سمعت صوت آكاي، ببطء، ببرودة قاتلة، كأنه ينفخ غبار الموت فوق رفات ذكرياتها:
> "آني… قبل أن يذهب كل شيء بعيدًا، يجب أن تعرفي الحقيقة."
رفعت عينيها، تلك العيون التي كانت تحاول التمسك بنورها، نظرت إلى ذلك الوجه الذي كان يومًا ما حبها، لكنها الآن ترى فيه ظلًا مظلمًا لا تعرفه.
قالها ببطء، كما لو كان يرسم على وجهها قدرها:
> "تشاي… حبيبك الجديد، ليس سوى قاتل مأجور.
آلة قتل من عائلة أودجين."
الكلمات ارتطمت في صدرها كصفعة من نار، جسدها اهتز، دموعها جفت قبل أن تتساقط، صوتها بدا وكأنه محبوس في حلقها:
> "قاتل؟… تشاي؟"
ذاك الصوت لم يكن فقط دهشة، بل انهيار عميق لكل ما بنيته على حبه.
في ذهنها تداعت صور الذكريات:
ابتساماته، لمسات يديه، الوعد بأن يكون لها ملجأ، حامٍ من العاصفة.
كيف يمكن أن يكون ذلك الرجل… ذلك الظل القاتل؟
آكاي استمر، يزرع السم في جراحها القديمة:
> "ليس فقط قاتل… بل هو آلة قتل شهيرة، واحدة من أخطر الأسلحة في أودجين.
دماؤه ملطخة بأسرار لا يمكن محوها."
آني بدأت تشعر بعاصفة داخلها، عواصف من الألم، الغضب، الخيانة، والارتباك.
هل كان هذا هو تشاي الذي عرفته؟
هل هو مجرد قناع؟
أم أن حبها كان مجرد خدعة في مسرح مظلم؟
بين الألم والخوف، بين الحقيقة والرفض، شعرت بأن العالم ينهار تحت قدميها.
صوتها تمتم بصعوبة:
> "كيف… كيف لي أن أستمر،
وكيف لي أن أثق بقلبي،
إذا كان حبي مجرد آلة قتل؟"
بدا الصدرهى وكأنه يضيق عليها، القيود تشتد، والألم يصبح أقسى.
لكن في تلك اللحظة، كان هناك شيء آخر.
ذرة صغيرة من مقاومة، من رغبة في النهوض، حتى لو كانت الحقيقة قاسية.
وهكذا بقيت، مقيدة، مجروحة، لكن بقلب لا يزال ينبض، رغم كل شيء، رغم كل الصدمات.
صوت الحديد يطرق اللحم، ورائحة الدم تملأ المكان… كل خفقة من قلبها كانت صرخة مكتومة.