ظلّ الصوت يرنّ في رأسها، كصفعةٍ ساطعة لا تُمحى:
"تشاي… قاتل مأجور، آلة قتل من عائلة أودجين."
الكلمات ارتطمت بقوة على جدار قلبها، فجرت فيه شقوقاً عميقة من الألم، جروح لم تُشفى، منسية تحت طبقات الأمل والثقة.
كانت تتنفس بصعوبة، كما لو أن الهواء نفسه صار سمًا يخنق روحها، حاصرها في دائرةٍ لا مفر منها.
كيف يمكن؟
كيف يمكن للرجل الذي أحبته، الذي كان ملاذها، أن يكون ذلك الظل القاتل؟
بدأت الصور تنهال في ذهنها كعاصفة:
ابتسامات تشاي التي كانت كالشمس تدفئ قلبها في ليالي الوحدة، يده التي أمسكت يدها بأمان، ووعوده التي كانت كالوشم محفورة في جلد الزمن.
لكن الآن، كل شيء يبدو كذبًا مخيفًا، خدعة مظلمة.
شعرت برعشةٍ في يديها، كأنّهما تتحولان إلى حجارة ثقيلة لا وزن لها.
صوت أنفاسها صارخ في أذنيها، يتسارع ثم يتقطع، كأن روحها تحاول الهروب من الأسر.
بداخلها، كانت حرب مستعرة، معركة بين الرغبة في التصديق، وبين القسوة التي لا تعرف رحمًا.
أريد أن أؤمن به، أن أصدق أن هذا ليس حقيقيًا...
لكن جزءًا آخر من عقلها كان يصرخ:
هذا هو الواقع... وهذا هو تشاي الحقيقي...
دموعها لم تنزل بعد، لكنها كانت تخفق خلف جدران العين، تحاصرها مشاعر مختلطة:
حيرة، خيانة، خوف، حب، غضب، ألم لا يوصف.
شعرت بكيانها يتفتت، كل قطعة تنسحب بعيدًا، وكأنها فقدت ذاتها شيئًا فشيئًا.
لكن رغم كل شيء، هناك شرارة صغيرة، ضوء خافت في عمق الظلام، يقول لها:
"لا تستسلمي. حتى لو كان قلبك محطمًا، يجب أن تكملي."
آني عرفت أنها أمام خيار: إما أن تسقط في هاوية اليأس، أو تقاوم العاصفة التي تهب عليها من كل جانب.
لكن الآن، في هذا اللحظة، كان الألم هو السيد.
الجسد يئن، النفس تصارع، والقلب يحترق بنار الحقيقة.
تشاي، عبر شاشة الهاتف المهتزّة، كان يرى كل تفصيل، كل تمزّق في جسد آني، وكل قطرة دم تسقط كسحب سوداء على الأرض.
صوته انفجر، ملء المكان بحبال الغضب:
> "آني! أسمعيني!
سآتي إليك، سأقتلك، آكاي!
ستدفع ثمناً لكل دمعة سقطت من عينيها!"
آكاي، وجهه كالقمر البارد في ليلة بلا نجوم، ابتسم ابتسامة قاتلة، رفع يده وكأنها تمسك زمام الموت، وقال:
> "اصمت، أيها الغبي."
ثم بصوت هادئ لكنه يذيب العظام، قال:
> "أنت في باريس، أنت هناك… بعيد.
خطوة واحدة منك، وستكون آني ميتة.انا اراقبك
المطلوب رأس تلك المرأة، وحش أودجين.
تريد إنقاذها؟ اقضِ المرأة اللتي شاركتك المجزرة قبل خمسة أعوام .سأعيد الاتصال بك"
وقف للحظة، كأنه يستمتع بسلطته المطلقة، ثم أغلق الهاتف.
وصدى الكلمات ظل يدوي في عقل تشاي، قيدٌ لا يُكسر، قرارٌ لا مفر منه.
تشاي… كان كالبركان المشتعل تحت قشرة هادئة مزيفة، انفجر فجأة، وابل من الغضب غمر الجو حوله، هالة مظلمة تتصاعد من جسده، كأنها لهب أسود يلتهم كل شيء في طريقه.
صرخاته كانت كالرعد، تزلزل الأعماق، صوت يصعب كتمانه:
> "آكاي! سآتيك… سأحطمك!
لا أحد يتجرأ على الاقتراب منها، لا أحد!"
لكن الغضب لم يكن سوى غلاف، خلفه عاصفة أعظم من العواصف، عذاب نفسي يتلاطم بلا هوادة.
في أعماق عقله، كلمات آكاي تتكرر، كأنها سكاكين تغرز في صدره مرارًا وتكرارًا:
"إذا تحركت خطوة… تموت آني.
اقضِ على وحش أودجين"
يبدأ التشويش يلتهم وعيه، وجه آني يتجسد أمامه، ألمها، دموعها، صرخاتها التي لم يصلها.
كيف له أن يختار؟
كانت روحه ممزقة بين حبها… وبين دم العائلة الذي يجري في عروقه، بين الولاء وبين الخيانة.
كل نبضة قلب كانت تعني قيدًا جديدًا من الألم، كل فكرة كانت كسجن مظلم يخنق روحه.
يحاول أن يصرخ، أن يهرب، أن يقاتل هذا المصير الذي كتب له، لكنه محاصر، أسير بين صخور العذاب.
في تلك اللحظة، أدرك أنه ليس فقط يقاتل مع آكاي، بل يقاتل مع نفسه، مع ظلال الماضي، مع أوجاع القلب الممزق
صراخه يتحول إلى همسات حزينة، دموع تسيل، لكنه يختبئ خلف جدار من الغضب، حتى لا يرى أحد ضعفه.