ظن سون أن الأمر انتهى…
لكن الأرض تحته ارتجّت فجأة، والجدران بدأت تتحرك بسرعة جنونية، أكثر من مئة مرة في الدقيقة،
أبواب تُفتح وتُغلق، ممرات تختفي وتظهر، السقف يهبط فجأة ثم يرتفع كأنه يتنفس.
من على الأرض، بدأت جثتا الفتاتين ترتعشان.
اللحوم تتقشر كقماش محترق، العظام تبرز من بين الجلد، والأصوات الخارجة منهما كانت مزيجًا بين ضحكة طفلة وبكاء امرأة مشنوقة.
ثم…
ارتفعتا ببطء، أطرافهما تضاعفت، أربعة أذرع لكل واحدة، والمخالب صارت أطول من ذراع سون نفسه.
العيون السوداء تحولت إلى بقع بيضاء عمياء، لكنها تتحرك كأنها ترى كل شيء.
سون شد قبضتيه، لم يعد يملك رفاهية التراجع.
لكن القتال الآن أصبح أشبه بالجنون الخالص، ليس لأن خصومه أقوى، بل لأن المتاهة نفسها تحارب معه وضده في الوقت ذاته.
قفزة من الأولى… لكنه انحنى، وفجأة اختفى الجدار خلفه، فوجد نفسه يندفع إلى ممر جديد لم يكن موجودًا قبل ثانية.
الأخرى حاولت ضربه من الأعلى، لكن السقف هبط فجأة، جعل مخالبها ترتطم به وتتفتت أطرافها… لكنها أعادت بناء نفسها في لحظة.
ضربة قدم خاطفة من سون شقت معدة إحداهن، لكن الجدار على يمينه تحرك فجأة، دافعًا جسده نحو الأخرى، التي استقبلته بصفعة بمخالبها شقت جلده من الكتف حتى الخاصرة.
القتال أصبح خريطة متغيرة:
ممر يضيق حتى يكاد يخنقه، ثم يتسع فجأة ليطلق ساحة جديدة.
أرضية تهبط به إلى مستوى أسفل، حيث تهاجمه الفتاتان من الأعلى.
جدار يختفي ليتركه مكشوفًا أمام هجوم مباغت.
سون بدأ يقرأ حركة المتاهة كما يقرأ خصمه.
صار يستخدم تغيراتها لصالحه:
حين ينغلق الجدار، يدفع إحدى الفتاتين نحوه ليسحقها،
وحين يرتفع السقف، يقفز ليتفادى هجمة ويلهبها بضربة ساق نازلة على رقبتها.
السرعة كانت خارقة…
ضربات سون الجسدية أصبحت مثل الطبول في طقوس حرب بدائية،
والفتاتان تتحركان كظلَين في عاصفة، تتسلقان الجدران، تنقضان من الزوايا، وتظهران فجأة من فتحات الأرض.
الدماء كانت ترسم أقواسًا في الهواء، والعرق يتصبب، والهواء أصبح خانقًا من كثرة الحركة.
حتى أن سون فقد الإحساس بالاتجاهات… لم يعد يعرف أين البداية أو النهاية، فقط يعرف أن البقاء للأسرع والأقسى.
في لحظة جنونية، دفع سون الفتاتين إلى ممر ضيق، انتظر حركة الجدار،
ثم…
بوووم!
أغلق الجدار عليهما معًا، سحق عظامهما لوهلة، لكن قبل أن يظن أن الأمر انتهى،
تسربت أجسادهما عبر الشقوق كالدخان، لتعودا للظهور خلفه.
سون التفت، ابتسامة وحشية على وجهه:
> "حسنًا… لنخرج كل ما تبقى من هذا الجسد."
واندفع مجددًا، في معركة جسدية خالصة، ضد خصوم لا تموت… وضد متاهة تتحرك أسرع من نبض قلبه.
في زاوية بعيدة من المتاهة، حيث الجدران ملطخة بألوان غريبة كأنها بقايا أرواح ذابت على الحجر،
كان بيتو يتحرك بخطى حذرة.
عيناه تتفحصان المكان، أنفاسه ثابتة، لكن أصابعه كانت مشدودة كوتر قوس.
الصمت لم يدم طويلًا…
من بين شق في الأرضية، خرجت كتلة مظلمة، التفت وتشكّلت ببطء إلى هيئة بشرية، لكن وجهها كان مشوهًا تمامًا، بلا عينين ولا فم… فقط تجويف أسود عميق.
> "روح من الدرجة الثالثة…"
همس بيتو، وابتسامة قاتلة رسمت على شفتيه.
اندفعت الروح نحوه، أطرافها تمتد وتلتف كأفاعي من ظل، محاولة الإمساك به.
لكن بيتو كان أسرع؛ انحرف بجسده جانبًا، ثم وجه لكمة سريعة إلى مركزها،
ارتطم الظل بالجدار، وتناثر كالدخان قبل أن يعيد تكوين نفسه.
المعركة تحولت إلى مطاردة صاعقة:
بيتو يقفز فوق الجدران،
الروح تلحقه وتضرب بأذرعها السوداء،
ضربات سريعة، مراوغات، ارتدادات، أصوات ارتطام تملأ الممرات
بيتو، بخطوة خاطفة، اقترب منها ووجه سلسلة لكمات مباشرة،
كل لكمة تتبعتها أخرى، حتى انكمش جسد الروح على نفسه، قبل أن تنفجر في موجة من الصراخ الحاد، وتطير للخلف.
وقف بيتو، يمسح العرق من جبينه، وصوت تنفسه يملأ المكان…
لكن فجأة، قبل أن يلتقط أنفاسه، شعر بشيء خل
استدار…
كان هناك رجل.
لا صوت لخطواته، لا انعكاس لظله على الجدران، فقط يقف… يراق
"من أنت؟" قال بيتو، لكن الرجل لم يرد.
خطا خطوة واحدة فقط للأمام، ورفع يده اليمنى ببطء.
في لحظة…
لمع الهواء كما لو انشق النسيج نفسه، و… شخخخ!
انقسم جسد بيتو إلى نصفين متساويين، الدماء تقذف في كل اتجاه، وجهه ما زال مصدومًا حتى بعد موته.
الجسد سقط أرضًا…
لكن الرجل لم ينتظر حتى يلمس الدم الأرض،
اختفى.
اختفى بالكامل،
حتى الكاميرات المثبتة في كل زاوية لم تلتقط إلا فراغًا، وكأن وجوده كان خطأ في الواقع نفسه.