بعد 5 دقائق

‎في غرفة المراقبة، حيث العيون الباردة تتابع كل حركة، وحيث تُسجَّل الأصوات في ذاكرة الحديد، دوّى صوت عالٍ كأنّه صرخة مبهمة من عالم آخر. لم يكن مجرّد صوت عابر، بل كان أشبه بانفجار، تلاه تحطّم شيء ثقيل، ثم ارتطام عنيف، كأن جسدًا ضُرب بقوة غير بشرية على أحد الجدران.

‎السيدة بلاك، التي كانت تجلس على مقعدها كملكة تحكم ممالكها من العتمة، انتفضت فجأة. عيناها ضاقتا بحذر، وحاجباها ارتفعا في قلق غامض. التفتت إلى الجميع، صوتها كان حادًا لكنه متزن:

‎"ما الذي يجري؟ هل سمعتم هذا؟"

‎راغنار، الذي كان يقف في الزاوية، عيناه مفتوحتان على آخرهما، أجاب بصوت متوتر يلمع بالريق:

‎"هناك شيء... ليس على ما يرام. الكاميرات لا تُظهر أي شيء، كأن الظلام نفسه قرّر أن يبتلع الحقيقة."

‎كانت الشاشة أمامهم تبث الفراغ، بلا أي تشويش، بلا أي خلل تقني... مجرد صمت رقمي، صمت يحمل في طياته كابوسًا يتربص بهم.

‎السيد إيرلي، الذي كان يحفظ كتب الرعب والتاريخ الأسود عن ظهر قلب، شحب وجهه قليلًا، وعيناه تسمرتا في الفراغ أمامه، قبل أن يقول بصوت خافت، شبه مترنح:

‎"هيت... لقد قرأت عنه. لكن... كيف علقت روحه هنا؟"

‎السيد إيرلي لم يحوّل نظره عن الشاشة الفارغة، وكأن شيئًا ما خلفها كان يراقبه هو الآخر، ثم قال بصوت يشبه السقوط الحر:

‎"هذا خطئي... خطأ لا يمكن تصحيحه بسهولة. لكنني سأذهب لأحاول إصلاحه، قبل أن يفتك بالأطفال."

‎مين، التي كانت صامتة طوال الوقت، رفعت رأسها ببطء، نظراتها لم تكن تحمل تعاطفًا أو قلقًا، بل يقظة باردة، كأنها آلة قاتلة وُلدت لهذا النوع من المواقف:

‎"أهو نفس الكيان الذي قتل بيتو؟"

‎هزّ السيد إيرلي رأسه، نظرته غارقة في الظل:

‎"نعم... إنه هو. والآن... هو في طريقه إلى الأقسام الأخرى."

‎راغنا، الذي كان يحفظ كتب الرعب والتاريخ الأسود عن ظهر قلب، شحب وجهه قليلًا، وعيناه تسمرتا في الفراغ أمامه، قبل أن يقول بصوت خافت، شبه مترنح:

‎"هيئت... لقد قرأت عنه. لكن... كيف علقت روحه هنا؟"

‎السيد إيرلي لم يحوّل نظره عن الشاشة الفارغة، وكان شيئًا ما خلفها كان يراقبه هو الآخر، ثم قال بصوت يشبه السقوط الحر:

‎"هذا خطئي... خطأ لا يمكن تصحيحه بسهولة. لكنني سأذهب لأحاول إصلاحه، قبل أن يفتك بالأطفال"

‎مين، التي كانت صامتة طوال الوقت، رفعت رأسها ببطء، نظراتها لم تكن تحمل تعاطفًا أو قلقًا، بل يقظة باردة كأنها آلة قاتلة وُلدت لهذا النوع من المواقف:

‎"أهو نفس الكيان الذي قتل بيتو؟"

‎هزّ السيد إيرلي رأسه، نظرته غارقة في الظل:

‎"نعم... إنه هو. والآن... هو في طريقه إلى الأقسام الأخرى"

‎كان الحديث وحده كافيًا ليغير أجواء الغرفة، الهواء أصبح ثقيلًا، والضغط تصاعد كما لو أن الجدران اقتربت من بعضها البعض.

‎بلاك داون، ببرود قاتل، التفت إلى مين، وقال ببطء، كأنها تزن الكلمات داخل عقلها:

‎"مين، هل تستطيعين حجزه داخل متاهة ما؟"

‎مين أغلقت عينيها للحظة، كأنها تشعر بنبض الكيان الملعون، ثم فتحتهما ببطء، نظرتها لم تكن مطمئنة:

‎"حالته مرتفعة جدًا... إن سجنته، فسيكلفني ذلك طاقة هائلة. وإن استنزفت نفسي تمامًا، فسيبطل الاختبار بأكمله"

‎سيدة بلاك، دون أن تتردد، وقفت، جسدها مستعد للحركة، وملامحها كانت تحمل شيئًا لم يره أحد منذ زمن طويل:

‎"حسنًا... سأذهب وأقتله بنفسي"

‎راغنا، بحدة، صرخ بها:

‎"لا، سيدة بلاك! دعيني أذهب، أنتِ ابقي هنا!"

‎لكن بلاك لم تلتفت إليه، كان القرار قد أُتخذ بالفعل، وقدر الدماء قد بدأ في الغليان.

‎"لا، راغنا" صوتها كان قاطعًا، مثل شفرة تقطع الحبال المتشابكة. "نحن لا نعرف مدى قوته، ولا أريد المخاطرة بأي شخص منكم"

‎ثم، وبلا تردد، فتحت الباب. الهواء البارد اندفع إلى الغرفة كما لو أنه هرب من شيء لم يكن يجب أن يُحبس.

‎"مين، خذيني إليه"

‎وبدون أي كلمة إضافية، بدأت مين في تغيير الطرق، الجدران تحركت، الأروقة التوت، كأن البناء بأكمله قد صار متاهة متغيرة، واندفعت بلاك تجري، سرعة خطواتها تكاد تسبق صوت أنفاسها.

‎الطريق كان يبدو بلا نهاية، لكنه كان يقودها نحو شيء واحد:

‎نحو الشر الذي لا يموت.

‎كان المكان يضجّ بالصمت، لكنه لم يكن ذلك الصمت المريح،

‎ بل صمتاً مشحوناً بالتوتر، أشبه بصمت اللحظات الأخيرة قبل وقوع الإعصار. في ذاك الطابق المعزول من المستشفى، كانت الأضواء تخفت وتضيء بشكل متقطع، كان المكان نفسه يحتضر أو يحاول التنفس بصعوبة. جدران مشروخة، نوافذ تئن تحت وطأة الرياح، وأجهزة طبية متوقفة عن العمل، كأنها تراقب بلا حول ولا قوة ما سيحدث.

‎في قلب كل هذا، وقفت بلاك داون، جسدها مشدود كوتر قوس، ملامحها ثابتة كتمثال نُحت من معدن بارد. كانت أنفاسها منتظمة، لكنها مملوءة بتركيز قاتل، نظرتها محاطة بهالة من الهواء حولها مشبّعة بطاقة مشؤومة، كأنها تجذب ظلام هذا المكان ليكون جزءاً منها.

‎أما أمامها، فكان "هيت"... أو ما تبقى منه.

‎كان يقف بلا تعبير، كأن جسده مجرد قشرة خاوية،

‎لكن العينين... العينان كانتا تحكيان قصة مختلفة. كانتا عميقتين، سوداويتين كأنّهما بوابتان إلى العدم، لكن بداخلهما، شيء آخر... شيء أشبه بنار تحترق ببطء. كان هيت قاتلاً مأجوراً في حياته السابقة، لكن الآن؟ الآن كان مجرد شبح... جسد بلا روح، أو روح بلا جسد، لا أحد يعرف.

‎ارتفعت هامتهما معاً، تضخمت حتى شعرت بها الجدران ذاتها، حتى الهواء أصبح ثقيلاً، كان الأوكسجين نفسه يُسحق تحت وطأة هذه الطاقة. شعر المختبرون في الطوابق السفلى بشيء غريب. بقشعريرة زاحفة امتدت من عمودهم الفقري حتى أطراف أصابعهم، تساءلوا إن كان هذا المبنى سيبقى صامداً بعد هذه الليلة.

‎ثم... تحرّكت بلاك داون.

‎لم يكن مجرد هجوم، بل كان انقضاضاً أشبه بطعنة برق خاطف، كانت سرعتها لا توصف، لم تترك خلفها حتى أثر، فقط فراغ المكان الذي كانت تشغله قبل لحظة.

‎لكن هيت لم يكن هناك.

‎بلمح البصر، ظهر فوقها، كأنه لم يتحرك بل انتقل مباشرة عبر الفراغ؛ قبل أن تدرك ما حدث، كان قد وجّه ركلة مدمّرة إلى صدرها، قوة الضربة جعلت الدم يتفجّر من فمها قبل أن تطير جسدها عبر الغرفة. اصطدمت بالجدار، فانفجر خلفها إلى شظايا متناثرة، لكن بليك لم تسقط. بل، بحركة إنسيابية، استخدمت قدمها للارتداد عن الجدار، يداها تتحركان كأنّهما امتداد لوعيها، تسحب سحابتها القاتلة، ثم...

‎بدأ الهجوم الحقيقي.

‎كانت الهجمات كثيفة، كل ضربة كانت تحمل وزن جبل، لكنها لم تكن عشوائية، كانت ضربات قاتلة، كل واحدة موجهة لتسلبه حياته إن أخطأ في الدفاع ولو للحظة. لكن هيت لم يكن مجرد خصم، كان يواجهها كأنه يعرف تحركاتها مسبقاً، كل هجوم كان يُقابله بردة فعل أقرب إلى التوقع، كل لكمة كانت تُردّ بأخرى.

‎المعركة لم تكن تحدث على الأرض فقط، بل في الهواء نفسه.

‎الجدران كانت تتكسر، الغبار كان يتناثر، المكان كله كان يتحطم تحت وطأة القتال. في تلك اللحظة، تدخّلت مين. لم تكن مجرد مقاتلة، كانت شيئاً آخر، كانت اليد الخفية التي تُغيّر الواقع نفسه.

2025/08/07 · 5 مشاهدة · 1069 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025