بدأت الأرضية تتبدّل، المسارات تتغيّر، الغرفة نفسها لم تعد كما كانت، أصبحت مكاناً خارج قوانين الفيزياء، الزمن نفسه بدأ يفقد معناه، السرعة أصبحت غير قابلة للقياس، لم يعد هناك مقياس بشري يستطيع استيعاب ما كان يحدث.

‎لم يعد هناك سوى الدم... والركلات... والدمار.

‎كانوا يتحركون بسرعة لا يمكن رؤيتها، فقط ومضات، فقط لحظات خاطفة تظهر فيها أطرافهم للحظة قبل أن تختفي مجدداً. ضربات في الرأس، في البطن، في الصدر، لم يكن هناك مكان في جسد لم يتلقى ضربة، لم يكن هناك لحظة راحة، كان كل شيء يتحطم، المكان كله يتفكك، كأنه غير قادر على استيعاب هذه القوة.

‎ثم... تغيّر كل شيء.

‎صرخ "هيت"، لم يكن مجرد صراخ؛ بل كان انفجارًا للطاقة ذاتها. جسده انتفخ، طاقته تضاعفت، الأرض نفسها لم تحتمل ثقله، انحنت تحته. رفع قدمه وضرب الأرض بقوة، وفي لحظة، انبثقَ شرارُ البرق، لم يكن برقًا عاديًا، بل كان شيئًا أقرب إلى موتٍ متوهج، اتجه مباشرة نحو "بلاك" بسرعة لم يكن هناك وقت للرد عليها.

‎لكن "بلاك" لم تكن سهلة.

‎فُتحت السحابة، دفاعها لم يكن مجرد درع، بل كان شبكة، كانت الشرارة تنزلق خلالها، لم تكن وحدها، بل كانت جزءًا من شيء أكبر، شيء يجعلها أكثر من مجرد مقاتلة واحدة.

‎ثم... ظهرت الظلال.

‎أدخلته "بلاك" إلى مجالها المظلم، كانت الظلال تهاجمه من كل اتجاه، لكن "هيت" لم يكن ليتوقف. صرخ مرة أخرى، وانفجر المكان مجددًا.

‎عاد القتال، وعاد العنف، وعادت الدائرة الجهنمية من الضربات.

‎لم يكن هذا قتالًا عاديًا. بل كان حربًا بين كائنين لم يكن من المفترض أن يُوجدا في هذا العالم---

‎نظر إلى الأعلى، عيناه كانتا مشعتين بطاقة لا حدود لها، ثم...

‎انفجر السقف.

‎لم يعد هناك مستشفى، لم يعد هناك سقف، كانا الآن في السماء، يقاتلان فوق المبنى كأنّهما ظلان يتصارعان في العدم.

‎ضربات، ضربات، ضربات.

‎لم يكن هناك مجال للراحة، لم يكن هناك وقت للاستيعاب ما يحدث، فقط دمار، فقط عنف لا حدود له. كانا يسقطان من الأعلى إلى الأسفل، ثم يعاودان الصعود، كأنّهما محكومان بحلقة لا نهائية من القتال.

‎ثم... تغيّر المشهد مجددًا.

‎كانت تشبهها، نسخًا منها، لكن مشوهة، محاطة بهالة سوداء، لم تكن مجرد خدع، بل كانت كائنات حيّة، تتحرك كأنّها نسخة متكررة من نفس الإرادة القاتلة.

‎لكن "هيت" لم يكن ليُخدع.

‎وسط كل هذه النسخ، وسط كل هذه الفوضى، استطاع تحديد الأصلية، استطاع أن يرى "بلاك" الحقيقية. في لحظة خاطفة، أمسكها من قدمها، ثم...

‎تحطم المكان.

‎ارتطمت بالجدار، ثم بالأرض، الدماء تناثرت، لكن "بلاك" لم تكن هزيلة. رغم كل شيء، رغم الألم، رغم الجروح التي شقّت جسدها، استدارت في الهواء، استخدمت قوّته ضده، التفتت حوله كإعصار قاتل، دوّامتها دفعته به إلى الأرض، سقط على ركبتيه، لكنه لم يكن منهكًا، بل كان غاضبًا.

‎ثم… انفجرت الأرض.

‎ضربة واحدة.

‎هزة عارمة اجتاحت المكان كما لو أن بركانًا قد انفجر تحتهم. أرسلت موجة ضغط مفاجئة حطّمت الزجاج، ومزّقت الجدران، وسحقت الأرض تحت الأقدام.

‎اختفى الجميع من المشهد للحظة.

‎ثم ظهرا مجددًا — "هيت" و"بلاك" — في الهواء، جسداهما متداخلان في وابل من الضربات التي لا تُرى بالعين المجردة. كانت السرعة مرعبة، كل لكمة تُحدث موجة تصادم تمتد عشرات الأمتار، وكل تفادٍ يترك خلفه خطًا ناريًا من الطاقة.

‎أرعدت السماء.

‎البرق ضرب الأرض.

‎والهواء تحوّل إلى بحرٍ من الضغط لا يرحم.

‎وفي خضمّ الفوضى… ظهر ظلٌّ آخر.

‎راغنا.

‎لحظات فقط...

‎راغنا بصوته عبر مكبر الصوت:

‎"لقد انتهى الاختبار، والناجين هما الناجحين. لدينا أمر طارئ، على كل المختبرين الخروج من المستشفى قبل الانهيار."

‎ثم خلع المعطف، وقال:

‎"مين، الأمر زاد عن حدّه. سأُساند بلاك داون، إدعمينا من الخلف."

‎من أعلى برجٍ نصفه محطّم، انحنى راغنا إلى الأمام.

‎عيناه الزرقاوان العميقتان تابعتا كل حركة تحدث في الأسفل. بأصابعه الطويلة، مرر يده على شفرة سكينه ببطء، وكأنه يستمع لهمس المعدن.

‎ثم، دون تحذير، قذف العشرات من السكاكين في الهواء… لكنها لم تكن مجرد سكاكين.

‎كل واحدة منها انشقت في الهواء، تحوّلت إلى عشرات، ثم مئات. بحرٌ من الشفرات السوداء انطلق باتجاه "هيت" كعاصفة قاتلة. كانت تلك التقنية أشبه بلوحة فنية من الموت، حيث تلاقت ظلال "بلاك" مع أمطار السكاكين، وخلقت مشهدًا لا يُنسى — كأن الهواء ذاته قد تحوّل إلى شفرات قاتلة.

‎لكن "هيت"… ابتسم.

‎رفع يده، ومدّها إلى الأمام بلا مبالاة.

‎تحطّم كل شيء.

‎كأن الزمن قد توقّف للحظة، ثم انفجرت موجة من الطاقة من راحة يده، دفعت كل السكاكين بعيدًا، كأنها لم تكن سوى أوراقٍ متطايرة.

‎لكن هذا كان مجرد بداية.

‎وفجأة، تغيّر كل شيء.

‎"لقد حان وقت النهاية"

‎كانت هذه مين. من مكان مجهول، ارتفع صوتها نقيًّا لكنه مخيف، وكأنها تنطق قانونًا مقدسًا لا يُكسر.

‎وفجأة... انفتحت الأرض تحتهم.

‎تشكلت متاهة من الجحيم.

‎الساحة نفسها انقلبت رأسًا على عقب، تمزقت إلى متاهة من العوالم الدوامية، الجدران تحولت إلى أشباح سوداء تتحرك بسرعة الضوء، والسقف الذي كان يومًا ما فوق رؤوسهم أصبح تحتهم، كما لو أن العالم نفسه قرر أن يعيد تشكيل حدوده.

‎كان هذا سجنًا من الفوضى المطلقة.

‎لكن هيئت... لم يكن بشرًا ليُخاف.

‎"لا يهم كم ستغيّرون العالم... في النهاية، سأكون أنا الجدار الأخير".

‎لم يكن العالم سوى ومضٍ من العنف المتجسد.

‎هيئت، بملامحه الخالية من المشاعر، تلاعب بسرعة الضوء كما لو أنها ليست سوى سراب مألوف. لم يكن يتفادى الهجمات فقط، بل كان يعيد توجيهها، يحطمها بلمسة، ويمزق الهواء نفسه مع كل حركة. راغنا وبلاك داون حاولا محاصرته، لكن كان الأمر أشبه بمحاولة احتواء إعصار داخل زجاجة.

‎وفجأة... توقف.

‎رفع يده إلى الأعلى، ببطء، كما لو أنه يستدعي شيئًا من عالمٍ آخر.

‎وفي تلك اللحظة، تغيّر كل شيء.

‎الهالة تضاعفت. الضغط ازداد. الزمن نفسه كاد ينهار.

‎ثم، بلمسة واحدة، هوت يده على الأرض.

‎الانفجار لم يكن مجرد دمار... كان كارثة.

‎تحطم المستشفى بالكامل، الأرض تشققت كما لو أن كائنًا عملاقًا استيقظ من تحتها، الجدران ذابت، والسقف اختفى كأنه لم يكن موجودًا. المختبرون الذين لم يفرّوا انهاروا وسط العاصفة، أجسادهم تتلاشى في الضوء الأزرق الهادر.

‎وبينما كان الدخان يملأ العالم... ظهر شيء آخر.

‎وسط الظلام الدامس، تشكلت دائرة شفافة سوداء. كانت كنافذة إلى الفراغ، باردة، صامتة، لكنها نابضة بشيء لا يمكن تفسيره.

‎وفي مركزها... بلاك داون.

‎لم تعد كما كانت.

‎وجهها اختفى تقريبًا. لا عينان لا ملامح بشرية فقط ثقب أسود في ملامح بشرية مفقودة, وفمها لم يكن فمّا بل شقّ أسود ينبض كأن روحًا

‎ما تختبئ داخله.

‎لم تكن تتحرك بل كانت الظلال هي التي تحركها.

‎ثم في لحظة لم يلحظها أحد، رفعت يدها إلى

‎السماء.

‎شيء ما تشكّل في يدها... سحابة سوداء قاتمة، متجمّدة في الفراغ، كما لو أنها تقاوم قوانين الطبيعة نفسها.

‎وصمت. حركة خاطفة. صمت قاتل.

‎وفجأة... كانت يدها داخل قلب "هيت".

‎الانفجار هذه المرة لم يكن من الخارج... بل من الداخل.

‎هيت تجمّد في مكانه.

‎جسده ارتعش للحظة.

‎ثم، وكأن شيئًا لا يمكن رؤيته قد تمزق داخله، أطلق ضغطًا هائلًا من جسده، مزّق الأرض تحته، وخلق دوّامة قاتلة من الظلام حوله.

‎لكن "بلاك داون" لم تتحرّك.

‎ظلّت واقفة هناك، وعيناها السوداوان تحدّقان فيه بدون أي أثر للرحمة.

‎بعد لحظات... تلاشى الدخان.

‎وقف "هيت" هناك، جسده مغطى بالدماء، فمه ينزف، لكنه لم يسقط بعد.

‎رفع رأسه ببطء، وعيناه تركّزتا على "بلاك داون".

‎صوته كان مشوّشًا، بالكاد مفهومًا، وكأن الكلمات لم تعد تخرج بشكل طبيعي:

‎"...اسمك...؟"

‎وقفت "بلاك داون" في مواجهته، نظرته الأخيرة، بلا تعبيرات، بلا انفعال.

‎ثم همست، بصوت لم يكن بشريًا تمامًا:

‎"بلاك داون".

‎في تلك اللحظة... سقط "هيت" إلى الأبد.

‎حين انقشع الدخان للمرة الأخيرة، لم يكن هناك شيء سوى سبعة أطفال ناجين، يرتجفون وسط الأنقاض، ينظرون إلى الجثث المتفحّمة حولهم. آلما ، جين ، غاندي ، سيبرو ، كيم ، ألكس و سون

‎"بلاك داون"، التي عادت إلى حالتها العادية، نظرت إليهم، ثم ابتسمت بهدوء.

‎— "ظننت أنكم جميعًا مِتُّم... لكن يبدو أنني كنت مخطئة".

2025/08/07 · 4 مشاهدة · 1271 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025