41-البقاء (3)
أنفاسي يأتي ثقيلًا، وكل شهيق يسحب بقوة إلى حلقي. وجهي يضغط بعمق على اللحم – بارد، حازم، لا ينضب. عيناي، التي كانت ذات يوم زرقاء صافية، تتلألأ الآن بشكل خافت، مجوفة بسبب ثقل اليأس. من حولي رائحة كريهة، لاذعة وخانقة، كثيفة من التعفن. إنه رائحة كريهة تحكي قصص أولئك الذين ربما كانوا أصدقاء أو زملاء أو غرباء في السابق، ولكنهم الآن يعملون كرفاق لا حياة لهم في هذه الكتلة المروعة.
الوجوه من حولي تتلاشى في نسيج من التنوع. البشرة الداكنة، والبشرة الشاحبة. شعر أسود، أو أشقر، أو بني. كانت الوجوه الشابة والأشخاص المتضررين، ذكورًا وإناثًا على حدٍ سواء، ملتصقين ببعضهم البعض في علاقة حميمة بشعة أقرب من أي عناق. إن ضغط الأجساد خانق، وأشد من أن تتمكن يدي من الإمساك به.
وبعد ذلك، وقعت نظري على طفل. شكل صغير غير متحرك في المسافة، مغطى بالسكون. تتلوى الديدان فوق جسده الهامد، وتتغذى، وحركاتها مثل رقصة طقسية - برية ومنومة، تدور مثل عبدة النار في محرقةهم. معدتي تتقلب. كدت أتقيأ، والصفراء تشق طريقها إلى حلقي.
عضضت لساني، بقوة كافية لتذوق الدم، وأجبرت نفسي على التراجع عن حافة الانهيار. تحترق عيناي وأنا أبتلع الغثيان، وتنتفخ الأوردة على بشرتي وكأنها على وشك الانفجار. للحظة، أتساءل: إذا ضغطت بقوة أكبر، هل كان بإمكاني أن أختنق بلساني وأهرب من هذا الجحيم؟ لكنني أرفض هذا الفكر. لا، الموت هنا لن يجعلني مختلفًا عنهم.
لقد ماتوا. مختلفة في الحياة، ربما. ولكن الآن هم جميعا نفس الشيء. أجبر نفسي على مواجهتها: وجوههم متجمدة من الألم؛ أجسادهم، كل منها يحمل قصة فريدة من المعاناة. جلدوا، وضربوا، وانتهكتوا، وأحرقوا، وأطلقوا النار – فظائع لا نهاية لها مكتوبة على أجسادهم الباردة. العذاب الذي تعرضوا له يرفض مغادرة ذهني.
لكن لا أستطيع التفكير في الأمر. لا يجب علي ذلك. أسناني تطحن بينما أحاول حجبها، لمنع نفسي من التصاعد في ذكرياتهم.
تترنح العربة تحتي، وتصدر عجلاتها صريرًا على أرض وعرة. إن ثقل زملائي الأسرى - لا، أقراني السابقون - يضغط بي أكثر في هذه الكومة المروعة. من خلال شق ضيق في الجدران الخشبية، ألمح وهج القمر القرمزي معلقًا عاليًا في سماء ملطخة بالدماء. يعدو الخيول يملأ الهواء، وضرباتها الإيقاعية نبضات قلب قاسية لهذا الكابوس.
ثم هناك الضحك. الضحكة الخشنة الساخرة للرجلين اللذين يقودان العربة. يتردد صداه مثل مطرقة على جمجمتي، ويحرق في ذهني. يضحكون بينما أنا أعاني. يضحكون وأنا أغرق في الموت.
أغمض عيني وأحاول أن أتذكر الدفء – سرير ناعم، حمام بخار، وجبة دسمة. الخبز والعدس والبيض والبيتزا. أي شيء سوى هذا. لكن الذكريات تفلت مني، وتنسل من بين أصابعي كالرمل.
تضغط الأجساد علي بقوة، باردة ولا تنضب. ثقلهم يعلقني، ورائحتهم الكريهة تغزو حواسي. لا أستطيع التنفس. لا أستطيع التحرك. أشعر بأن أضلعي ستتكسر تحت الضغط. تضعف رؤيتي، ويهدد اليأس بأن يتجذر.
ولكن بعد ذلك، شيء ما يثير. وميض من التحدي، شرارة من الغضب.
لا أستطيع أن أموت هنا. ليس مثل هذا. ليس من أجل لا شيء.
الفكر يشعل النار في أعماقي. ارتعشت أصابعي، وانتشر وخز مؤلم عبر أطرافي المخدرة. صرتُ على أسناني، وأعض بقوة أكبر لخنق الصراخ بينما كانت عضلاتي تضغط على الوزن الخانق. أظافري تحفر في لحم الأجساد فوقي.
سأنجوا.
يرتفع صوت هدير في حلقي، خامًا وحلقيًا. أصبحت رؤيتي أكثر حدة، مع التركيز على القمر القرمزي خلف صدع العربة. يغمرني التوهج، ويرسم عالمي بالدم. يرتجف جسدي، وتنتفخ الأوردة تحت بشرتي الشاحبة.
وبعد ذلك، أعض.
أغرس أسناني في لحم الجثة الأقرب لي. طعمها العفن والانحلال، واليرقات تتلوى بين شفتي. أنا الكمامة ولكن لا تتوقف. تطحن أسناني على الأوتار والعظام، ويؤلمني فكي عندما أمزق اللحم البارد الذي لا حياة فيه.
أنا لا أعتذر. لا أستطيع. ليس الآن. أقول لنفسي إنني سأكفر عن أي شيء ينتظرني في الحياة الآخرة، لكن في الوقت الحالي، البقاء على قيد الحياة هو عقيدتي الوحيدة.
طعم الموت يكسو لساني، لكن شيئًا بدائيًا يستيقظ بداخلي. تدفقت القوة في جسدي، وتقلصت عضلاتي، وتصلبت. أستطيع أن أشعر بقلبي ينبض في أذني، بصوت عالٍ وبلا هوادة. دمائي يحترق مثل النار، ويسري في داخلي بحيوية جديدة.
يدي تضغطان على الوزن فوقي، وترتجفان من الجهد. ببطء، بوصة بوصة، تبدأ الأشكال الميتة في التحول. تميل كومة الأجساد وتنزلق، وبعضها يتدحرج بعيدًا، مما يحرر مساحة ثمينة من حولي.
تهتز العربة وتتوقف فجأة، وتصهل الخيول احتجاجًا. أسمع فرقعة السوط، يليها ارتطام الأحذية الثقيلة بالأرض. يتوقف الضحك.
أواصل الضغط، وذراعاي ترتجفان وأنا أرفع آخر الجثث من ظهري. ساقاي ترتجفان من تحتي، بالكاد أستطيع تحمل وزني. يتقطر العرق من جبيني، ويمتزج بالدم والأوساخ التي تغطي بشرتي.
أقوم، غير مستقر ولكن غير منكسر. أنفاسي ضبابية في هواء الليل البارد، كل زفير هو شهادة على تحديي.
يقف الرجال مظللين أمام ضوء القمر القرمزي، وتجمدت تعابيرهم في حالة من عدم التصديق. لم يتكلموا وأفواههم مفتوحة في حالة صدمة صامتة.
أضحك، صوت خشخشة مرير يرسل قشعريرة في عمودي الفقري. يتدلى شعري في خصلات متشابكة أمام وجهي، ولكن من خلاله تحترق عيناي بنور غير مقدس.
"أنا الإله،" همست، وصوتي يرتجف ولكنه حازم. "إله الخليقة. أبو الجميع."
الكلمات معلقة في الهواء، ثقيلة ومطلقة.
عيني القرمزية تلتصق بهما، وتتوهج مثل الجمر في الظلام القارس. تحولت شفتاي إلى ابتسامة متجهمة عندما خطوت خطوة إلى الأمام، ولا يزال جسدي يرتجف من المجهود.
"وفي هذه الليلة ستُقتل بيدي".