43-وزارة فيينا (1)
تخونني جفني وأنا ألهث من أجل الهواء. مثل سمكة تم سحبها من الأعماق، فمي مفتوح، وعيني واسعة ومسعورة. المكان مظلم، قاسٍ للغاية، وأشعر كما لو أن الأرض نفسها تسحبني إلى الأسفل. أنا أغرق، مثل حيوان في مستنقع. ومع ذلك فأنا منتصب، جالسًا بطريقة ما، على الرغم من أن جسدي يبدو أثقل مما ينبغي، حيث أن وزنًا ساحقًا يثقل كاهلي.
إنه ثقل أكبر مما كنت عليه عندما دُفنت تحت الأعداد التي لا تعد ولا تحصى، ومختنقًا باللون الأحمر. أعظم مما يمكن أن يتحمله أي إنسان. أشعر وكأن عظامي يجب أن تتحطم، لكنها لا تفعل ذلك. ساقاي، المرتجفتان والمتوترتان، تهددان بالانهيار مع كل نفس، لكنهما صامدتان. أكتافي تحمل عبئًا أثقل من الجبال، وما زلت واقفًا.
أمامي يوجد فراغ لا نهاية له، مظلم ولكنه ينبض بشكل ضعيف مع لون قرمزي عميق - ظل يومض ويتلاشى بينما أشاهد. تحاول قدماي أن تتحركا، أن تتقدما إلى الأمام، لكن سلاسل غير مرئية تقيدني. سلاسل أثقل من القارات، غير مرئية ولكن لا يمكن إنكارها، تسحبني في كل حركاتي.
في محيط رؤيتي، ألتقط وميضًا أحمر. النبيذ الأحمر، مثل الدم القديم، لكنه أيضًا عابر، ينحسر كلما اقتربت من الفراغ. قدمي تصطدم بشيء ما. أتعثر، ويصطدم وجهي بشيء صلب، لا ينضب. أنفاسي متقطعة. لا يوجد ألم، لكن القوة أذهلتني. أمد يدي بشكل أعمى، ويداي تتخبطان في عملية الشراء، باحثًا عن فهم لما يقف أمامي.
لا أستطيع إلا أن ألعن نفسي في صمت أفكاري. كان يجب أن أذهب إلى إريكسون. تدور الكلمات في ذهني مثل الامتناع المؤلم. ما الخطأ الذي يمكن أن يحدث؟ لماذا كنت عنيدة جدا؟ أحمق جدا؟ ولكن حتى عندما أوبخ نفسي، يرتفع صوت آخر بداخلي - صوت أكثر هدوءًا وبرودًا. هل كان سيثق بي بعد كل هذه الأسابيع؟ بالنسبة له، أنا لا شيء سوى الأحمر. إنسان. عبد.
تتحرك يداي على سطح الجسم الذي أمامي، متتبعة معالمه. إنها ضخمة، أكبر مني، وأوسع أيضًا. سطحه غير مستوٍ، وبعض أجزائه مصقولة، والبعض الآخر مسنن. أتقدم للأمام، أتلمس طريقه في الظلام، وكان توازني غير مستقر وأنا أتنقل في شكله غير المستوي. تتعثر ساقاي تحت وطأة حملي غير المرئي. أنا أتأرجح، وأكاد أنهار على الجانب، وتمد يدي بشكل غريزي.
تلتقي كفّي بشيء خشن وزاوي، خشن، مثل حجر غير مقطوع. ملمسه خشن، لا دافئ ولا بارد. للحظة، لا أشعر بأي شيء. لا ألم ولا وزن. فقط الحواف الحادة تحت أصابعي. يتغير الفراغ من حولي، وفجأة، يتغلب اللون الأحمر على رؤيتي - لون أحمر ساطع وحيوي يجتاح كل شيء.
عندما ينقشع الضباب القرمزي، أراهم: بلورات. الأحمر أولاً، ثم الأزرق، الأخضر، الأصفر، والأسود. كل منها خام وغير مصقول، وأسطحها غير مستوية وبرية. يقع نظري على البلورة السوداء أمامي، حيث تلتقط زواياها الحادة الضوء الخافت. أدركت أن يدي ملتصقة به، وأثبت نفسي. إنها لا تتحرك، كما لو كانت متجذرة في أساس الوجود نفسه.
أحدق، في حيرة، بينما يتلاشى الاحمرار في رؤيتي، ويحل محله اللون الأسود الصارخ والمستهلك للبلورة. أرى في أعماقه فراغًا جديدًا، فراغًا أكثر قتامة وعمقًا من ذلك الذي تركته خلفي. تهب رياح مفاجئة، قاسية وشاملة، مثل ولادة الإعصار. يبدو الأمر كما لو أنني يمكن أن أقذف مئات الأمتار في نفس واحد، ومع ذلك فأنا ثابت.
العالم يتحول مرة أخرى. تختفي البلورة السوداء، وأجد نفسي أحدق في منظر طبيعي لا أعرفه. لا أعرف من خلال عيون من أرى، لكن الصورة حية ومؤرقة.
تمتد أمامي أرض قاحلة، مهجورة وبلا حياة. تقف الأشجار كبقايا هيكل عظمي، مجردة من أوراقها وحياتها. السماء مطلية بالدم، وألوانها الحمراء غارقة في ظلمة أعمق من أي ليلة عرفتها في حياتي. القمر معلق، ضوءه يتلاشى كما لو أن الفراغ قد استهلكه.
نظرت إلى جسدي، وأحسست بشعور غريب بالانفصال. أنا أركض، رغم أنني لا آمر ساقي بالتحرك. تبدو الأرض تحتي غريبة، حيث تضرب قدمي الأرض بقوة غير طبيعية. يتطاير شعري خلفي، عالقًا في الريح وأنا أحلق فوق الأشجار الميتة.
تندفع الريح، وتنقسم من حولي مثل النهر حول الحجر. أنا مرتفع عن الأرض، عشرات الأمتار، وأحلق فوق مساحة قاحلة. الحقول في الأسفل هامدة، والأشجار هي ظل اضمحلال الخريف – سوداء وجرداء، دون حتى ذكرى الأوراق المتساقطة.
أرى من بعيد شخصيات، صغيرة، غير واضحة على خلفية المشهد الطبيعي. أشكالهم ضبابية، مغطاة بالظلام الذي يمتزج بالأرض المحملة بالرماد. الجلد الأسود والجلباب الداكن يجعلان من الصعب تمييزهما عن بعضهما البعض. يتحركون مثل النمل في ظل العمالقة.
يدور رأسي، ولكن ليس بمحض إرادتي. آخرون يطيرون بجانبي، أشكالهم حادة وزاوية. تنبت الأجنحة من ظهورهم، مسننة وخطيرة، مثل الحواف الخشنة لشفرات حجر السج.
أصواتهم تخترق الريح، عميقة ورنّانة.
"الليلة نعلن النصر! الليلة، سنهزم كلاب الآلهة المتنافرة - الذهبيون! الليلة، نحن نسحق جيش الملائكة الأول! "
صوت المتحدث يرسل قشعريرة إلى عمودي الفقري، ووزنه ثقيل بما يكفي لجعل الهواء نفسه يرتجف. يقف شعري على نهايته، ويتوتر جسدي بشكل غريزي.
نظرت خلفي، مجبرًا على قوة غير مرئية، فرأيت جيشًا. إنهم مثل أولئك الذين يطيرون بجانبي، متشحين بالسواد، وأشكالهم مغطاة بالظل. أجنحتها حادة وشرسة، وتمتد على نطاق واسع، وتحجب السماء ذات اللون القرمزي. وبعد ذلك، هناك أجنحتي، الناعمة والمكسوة بالريش، لكنها سوداء تمامًا مثل أجنحتهم.
يعود نظري إلى الأفق، حيث تظهر الصور الظلية في مواجهة القمر البعيد ذي اللون الأحمر الدموي. تزداد حدة أشكالهم مع اقترابهم، ويطرد ضوء وجودهم الشاحب الظلام جانبًا.
الملائكة.
جيش الملائكة الأول. الخدم المباشرون للآلهة.
أجنحتها مشعة وناعمة وبيضاء، تتوهج بنور يبدو وكأنه يخترق الروح. بشرتهم مضيئة، وثيابهم نقية. إنهم يشبهون الآلهة المتجسدة، وكل خطوة يخطوها تشهد على ألوهيتهم. ومع ذلك، فهي قليلة جدًا، مجرد حفنة مقارنة بكتلة الظلال التي ورائي.
ولكنهم هم الذين يضربون أولا.
تنطلق أشعة الضوء من أيديهم، وتقطع الليل بسرعة مذهلة. يتبخر الظلام من حولنا في لحظة، ويحل محله إشعاع أبيض حارق. يبدو أن العالم نفسه يرتعش تحت هجومهم.
أنا أسقط.
يتفجر الألم في صدري. نظرت إلى الأسفل لأرى فجوة كبيرة بما يكفي لابتلاع رأسي. ينزف الدم الأسود من الجرح، وبينما تتلاشى رؤيتي، تغمر ذهني ذكريات ليست خاصة بي.
وزارة فيينا.
هذا هو اسم من أرى الآن عيناه، وحملني جناحيه، والذي انحسرت حياته الآن.