الفصل الثاني – الرجسات (نسخة معدلة)
حين استرجعت تلك النظرة في رأسي، أدركت أنه لم يكن مجرد خوف.
كان هناك شيء آخر في تلك النظرة، شيء أكبر من الفزع... كان صدمة.
كانت الفتاة التي خرجت من بين الأشجار نظرت إليَّ وكأنها رأت شيئًا لا يمكن تفسيره. نظرة لم تكن مجرد فزع، بل كانت نظرة من رآى كائنًا غريبًا تمامًا.
للحظة، شعرت بأنني لا أعود جزءًا من هذا العالم.
في تلك اللحظة، تحسست يديَّ.
لا شيء فيهما يوحي بالبشرية.
جلد غريب، عظام بارزة، قرون تتدلى من جانبي رأسي... شعور غريب غمرني، كأنني لا أمت لهذا المكان بصلة.
عينيّ، التي لا أدري إن كانت تركز أم تبتعد عن الواقع، تحولت فجأة إلى فوضى من الأسئلة. أين أنا؟ ماذا يحدث لي؟ ماذا يريد هؤلاء مني؟ ولماذا كان ذلك الصوت يشبه الصدمة أكثر من الخوف؟
فيما كنت غارقًا في هذه الأفكار، سمعت خطوات.
أكثر من واحدة، قادمة نحوي.
إيقاعها ثابت، لا سريع ولا بطيء.
كأن أصحابها يمشون، بثقة غريبة في هذا المكان الذي يبدو لي مجهولًا ومظلمًا.
شعرت بشيء مختلف في الجو حولي، كأن حواسي قد تغيرت، وكأنني أصبحت أكثر تأثرًا بهذا المكان. لم أعد أستطيع تصديق ما أراه وما أشعر به، لكنني كنت بحاجة إلى إجابات.
خرجوا من بين الأشجار.
أولهم... ثم ثانيهم... ثم عشرات.
لا... مئات.
لا... آلاف.
تجمهروا أمامي، أجساد ملتوية، وجوه مغطاة بندوب عميقة، أطراف إضافية، أنصاف مخلوقات...
الصمت الذي سادهم كان أشد من أي صراخ.
كانوا... ينتظرون.
كأنهم كانوا هناك طوال الأبدية في انتظار قدومي.
تراجعت خطوة إلى الوراء، جاهزًا لأي هجوم.
لكن لم يكن هناك عداء.
شعرت بنوع من الريبة يتسلل إلى نفسي.
هل كانوا يستعدون لشيء؟ هل كانوا يخططون لشيء ضدي؟
أسئلة تملكتني، وكانت تستحق التفكير مليًا قبل الرد.
لكن فجأة... سمعت همسات خافتة، لا غضب فيها، بل فرح... فرح شرير، لذيذ في ظلامه.
هل يهذون؟ هل هذا نوع من الطقوس؟ هل عليّ أن أكون حذرًا أكثر؟
ثم... انحنى الجميع، رؤوسهم إلى الأرض، وقالوا بصوت واحد:
"يحيا ملك الرجسات!"
توقفتُ عن الحركة فجأة.
هل أسمعهم جيدًا؟
أنا؟ ملكهم؟ كيف؟ لم أكن حتى إنسانًا بينهم، كيف لي أن أكون ملكًا لهم؟
من بين الحشد، تقدّم رجل.
كان يختلف عنهم. أطول، مهيب، وكانت هالة مظلمة تحيط به، كعباءة دخان تهتز الأرض تحت قدميه.
عيناه... كان من الصعب النظر إليهما أكثر من ثانية دون أن تشعر وكأنك تغرق في الظلام الذي فيهما.
وقف أمامي وقال بصوتٍ عميق، كأن العالم يتوقف حين يتحدث:
"لا أصدق أنك أمامي... لا أصدق أن طقوس الاستدعاء نجحت.
أهلًا بملك كل ما هو مشوّه، وكل ما هو مظلم وشرير.
أهلًا بك... هل تشرفني باسمك؟"
نظرت إليه بعينين متشككتين، لم أستطع أن أخفي شكوكِي في الكلمات التي قالها.
"اسمي نور."
ماغور نظر إليّ للحظة، فاهًا قليلاً، وكأن اسمي لم يكن هو ما توقعه.
"نور؟" قال، وكأن الاسم فاجأه، ثم تابع بصوت منخفض:
"أمر غريب، لكن يبدو أن الطقوس لم تخطئ هذه المرة."
تجاهلت تعبيره، وأصررت على سؤالي.
"لماذا أنا هنا؟ وما معنى ملك الرجسات؟"
سألته بصوت هادئ، لكن داخلي كان يغلي بالأسئلة.
قال بابتسامة شريرة، كما لو أنه يجد متعة في كل كلمة:
"دعني أقدّم نفسي أولًا: اسمي ماغور، قائد هذه القبيلة.
نحن نعيش في الغابات الملعونة.
طقوسنا كانت تهدف لاستدعائك أنت... الملك الحقيقي.
العالم الآن يعيش في هدنة هشة بين الأجناس... ونحن نُخطط لإنهائها.
نريد التوحيد. السيطرة.
نريد الفوضى أن تعود."
سألت بحذر، وأنا أتأمل كلماته وأزنها في عقلي:
"إن كنتُ ملككم، فلماذا أبدو مختلفًا عنكم؟ أنتم أقرب للبشر، ولو بشكل غريب."
ابتسم ماغور ابتسامة نصفها حزن ونصفها جنون، ثم قال:
"لأنك في شكلك الحقيقي.
الشكل الذي لا يظهر إلا في اللحظات الكبرى.
أما نحن، فنملك شكلين:
شكل مُزيف نتعامل به، وشكل أصيل... مثلك."
تابعت بتشكك، وأنا أدرس كل كلمة بعناية:
"إذن... هل هذا يعني أنكم تحاولون استعمار عالمي؟ هل هذه هي خطتكم؟ هل كل هذا مجرد طقوس لأجل... ما؟"
ابتسم ببرود وقال:
"كل شيء هنا له غاية.
أنت ملك، لكنك لست ملكًا كما تعتقد.
هؤلاء الذين يحيونك... هم الذين سيجعلونك تدريجيًا تفهم ما هو الدور الذي يجب أن تلعبه."
هززت رأسي، ثم قلت بصوت حذر أكثر:
"وأنت؟ ما هو دورك في هذا؟ لماذا تقف أمامي وتخبرني بهذا كله؟"
قال وهو يقترب خطوة، عينيه تبرقان في الظلام:
"دوري؟ دوري هو أن أكون مرشدك. ولكن... عليك أن تقرر بنفسك كيف ستستخدم قوتك. إن كانت لديك الجرأة على استخدامه."
سألت، والشكوك تتسارع في عقلي:
"هل تعتقد أنني سأثق بك بهذا السهولة؟ ما الذي يضمن لي أن هذا كله ليس مجرد فخ؟"
ضحك ماغور بصوت غريب، مليء بالتحدي، وقال:
"لن تجد خيارًا أفضل. العالم الذي تنتمي إليه قد انتهى. أما هذا، فهو بداية عالمك الجديد."
لا تزال الأفكار تدور في عقلي.
ماذا أريد من كل هذا؟
هل هذا فخ؟ هل يمكنني الوثوق بهم؟
كان عليّ أن أتأكد من كل خطوة. لم أعد أخاف من كذبهم... بل كنت فقط أتساءل كيف سأتلاعب باللعبة.
الشكوك كانت تزداد، لكنني كنت بحاجة إلى إجابات.
أومأت برأسي ببطء، ثم قلت:
"حسنًا، دعونا نرى."