الفصل الواحد و العشرين: مثيرة لشفقة [2]

“أريد فقط إلقاء نظرة.”

همهمتُ، أشعر بفضول متزايد. كانت ترتدي تنورة رمادية تصل إلى الركبة، وقميصًا أبيض فضفاضًا مع سترة سوداء مفتوحة. حذاؤها الأسود كان أنيقًا، يضيف لمسة من الرقي إلى إطلالتها. ملابسها كانت خفيفة وجميلة، لكنها بدت باهظة الثمن. هل هي غنية؟ إذا كان الأمر كذلك، فإن الحصول على خاتم أسداموس سيكون أسهل بالنسبة لها.

أشرتُ إلى الكرسي أمامي. “يمكنك الجلوس.”

“ح-حسنا.”

جلست على الكرسي، مستوية الظهر كما لو كانت تحاول إخفاء توترها. كنتُ أراقب تعابير وجهها بعناية، لأدرك أن هناك شيئًا غير مريح في أجواء المكان.

“إذاً، ما نوع الكتاب الذي تودين الحصول عليه؟”

هزت رأسها، وكأن الأفكار تتصارع في ذهنها. “م-ماذا تنصحني؟”

إذاً، لم تأتِ لغرض محدد. تأملتُ في ملامحها، حيث كان الارتباك واضحًا، وتلك الهمسات المتلعثمة كانت تشير إلى توتر عميق. “هيلين، هل المكتبة تخيفها ولو قليلاً؟”

[لا سيدي.]

<إذًا، لماذا هي خائفة؟>

[يبدو أنها إما جبانة أو لديها مشاكل ثقة بنفسها.]

تغير تعبير وجهي إلى شفقة. [أو ربما، كانت ملاحقة من قبل أشخاص آخرين، وتعتبر المكتبة ملاذًا للاختباء.]

تصلب تعبيري بعد هذه الفكرة، وبدأت أسأل نفسي: هل أرسل آرون؟ لا أريد أي إزعاج في مكتبي.

[أنا فقط أمزح.]

<أوه.>

<مزاحك مضحك للغاية لدرجة أنني أود أن أشتكي عليك عند مكتبة الغموض.>

[!]

[سيدي، أنا حقًا أمزح. لا تفعلها، أرجوك!! >_<]

<أنا أمزح أيضًا.>

في تلك اللحظة، خرج آرون من المطبخ بكوبين من القهوة، يحمل طبقًا يبدو أنه لاحظ دخول شخص. “تفضل سيدي.”

وضع الكوب أمامي ثم أمام إيفا، بينما أمسك الطبق بيده ووقف خلفي. نظرت إيفا بدهشة إلى آرون، ثم عادت لتنظر إلي، وكأنها تبحث عن الراحة في عيني.

تحدثت بهدوء، محاولًا كسر الحاجز: “إيفا، هل تعانين من مشاكل في الثقة بالنفس؟”

نظرت إلي بنظرة متفاجئة، وكأن سؤالي جاء من مكان بعيد. “ماذا تعني؟”

كانت تلك النظرة تُظهر لي عمق مشاعرها المتخبطة. أدركت أن كلماتي قد أثارت شيئًا في داخلها. “منذ دخولك المكتبة، لاحظت أنك تبدين مرتبكة. تتلعثمين بالكلام، وتبدو عليك علامات التوتر.”

تجمدت في مكانها، وعيناها تعكسان صراعًا داخليًا، كما لو كانت تواجه عاصفة من الأفكار. في تلك اللحظة، كان هناك شيء مؤلم يجعلني أشعر بالأسف لما قد أكون قد ألحقته بها، لكنني كنت بحاجة إلى أن أكون صريحًا. “هل تريدين التحدث عن ما يجعلك تشعرين بهذه الطريقة؟”

أحسست بأنني على وشك الدخول في عمق تفكيرها، محاولًا أن أكون مساعدًا دون أن أفرض نفسي. آمل أن تكون مستعدة لمشاركة ما في قلبها.

“إنه شعور غريب،” همست، وعادت إليّ عينيها، تترقرق فيها دمعة خفية. “لا أعلم كيف أصفه.”

“لا بأس، خذي وقتك. أنا هنا للاستماع.” كنتُ أود أن أظهر لها أن المكتبة ليست مجرد مكان للكتب، بل مكان يمكنها فيه أن تجد الأمان.

ترددت، لكنني واصلت الحديث. “منذ دخولك المكتبة، لاحظت أن تعبير وجهك كان مرتبكًا، وأنك تتلعثمين بالكلام وتبدين مترددة.”

كانت علامات الحزن تتشكل على وجهها، وكأن كلماتي قد أثيرت جراحًا قديمة. “هل تشعرين أن أحدًا قد أخبرك بذلك من قبل؟”

بدت وكأنها تفكر في الأمر، ربما تحاول تذكر كل تلك اللحظات التي جعلتها تشعر بعدم الأمان. “هناك تأثير كبير للتعليقات السلبية مع مرور الوقت. بعض الأشخاص يصبحون غير مبالين، بينما يصبح آخرون حساسون للغاية.”

قررت أن أكون أكثر دقة، مع الحرص على عدم الضغط عليها. “أنتِ تشدين قبضتك في كل مرة تشعرين بالتوتر، وهذا دليل على ما تمرين به. هل ترغبين في التحدث عن ما يجعلك تشعرين بهذه الطريقة؟”

أرغب في أن يكون هذا الحوار بوابة لها، لعلها تجد في الحديث وسيلة للتخلص من الأعباء التي تحملها. آمل أن تتمكن من فتح قلبها، وأن تجد في المكتبة الملاذ الذي تبحث عنه.

نظرت إلى يدها المشدودة. كانت القبضة القوية تعبر عن صراعها الداخلي.

"تقطر-!

"تقطر-!

شددت قبضتها حتى بدأ الدم ينزف من بين أصابعها. أوه، يبدو أنني جرحتها أكثر مما كنت أعتقد.

طحنت أسنانها بقوة، وعينيها تتألقان بالغضب والصراع. “ك—كل هذا م—من!”

“من تقصدين بالتحديد؟” سألت بلطف، مع على انني بدأت استمتع

“من ذلك العجوز البغيض!!” تغير تعبيرها من الصدمة إلى الغضب، وكأنها شعلة نار مشتعلة.

“وتلك العاهرة العجوز.”

"طحن-!

تك… تك…أصوات أسنانها المتصادمة كانت كفيلة بزيادة حدة التوتر في الغرفة. شعرت أنني على وشك أن أسمع كل ما لديها لتقوله.

“أعرف أنك تحملين الكثير في قلبك، إيفا. يبدو أنني أثير جراحًا قديمة، وهذا ليس سهلًا.” كان صوتي هادئًا، محاولًا أن أكون رفيقًا في هذه اللحظة.

“وماذا عن إخواني الموهوبين، الذين يستفزونني طوال اليوم؟!” تدفقت كلماتها كالسيل الجارف، تحمل في طياتها كل الألم والمرارة.

“وتلك العجوز تضربني دون سبب، تحت ذريعة التأديب. وذلك العجوز يواصل إهانتي في كل مرة يقابلني!” كانت كلماتها كالأشواك التي تغرس في قلبي.

“أشعر أن هذه العائلة تستنزف منك كل شيء، أليس كذلك؟” سألتها بصوت مليء بالشفقة، بينما كانت عيناها تلمعان بدموع لم تُسقط بعد.

“نعم، ولكن هل يهم؟ لا أحد يستمع.” كان صوتها مرتجفًا، مليئًا بالإحباط.

“يهمني. يهمني حقًا. نحن هنا الآن، يمكنك التحدث.” دفعتني كلماتها للتقرب أكثر، كنت أحاول أن أكون داعمًا، لكن أيضًا مهتمًا.

صمتت للحظة، وكأنها استوعبت كل ما قالته لتوها. أغلقت فمها، وتوجهت بنظرتها إلي بدهشة، كأنها تدرك مدى كشفها عن مشاعرها.

وضعت يدها على وجهها بإحراج، وكأنها تود لو تختفي. وضعت يدي على ذقني، أحاول أن أستوعب الوضع.

هممم. يبدو أنني فهمت السبب. إنها ضحية لعائلة خبيثة. الثروة الفاحشة لا تعني بالضرورة السعادة.

“أن تكوني محاطة بأشخاص لا يقدرونك يمكن أن يكون مرهقًا. هل تعتقدين أن هناك طريقة للتخلص من هذا الشعور؟”

“لا أعرف. كل ما أشعر به هو الفشل.” كانت كلماتها تقطعني.

“الفشل هو مجرد فصل من فصول الحياة، إيفا، وليس الكتاب بأسره. ماذا لو كنتِ أكثر مما يعتقده الآخرون؟” كانت نظرتي مليئة بالأمل.

ابتسمت برقة، وكأنني وجدت المفتاح لفهمها.

نظر إليها آرون بشفقة، ووضعت يدي على كوب القهوة وبدأت أشرب.

"رشفة-

"رشفة-

“هيلين، أي كتاب أريده يظهر على الرف، صحيح؟”

[أجل، سيدي.]

وقفت من الكرسي وذهبت إلى الرف بجانبي.

مددت يدي إلى كتاب عشوائي، واختفى الكتاب أمامي لجزء من الثانية واستُبدل بكتاب آخر مألوف.

"سحب-

سحبت الكتاب ونظرت إليه بتركيز. قرأت العنوان المكتوب على الغلاف.

“قوة الثقة بالنفس” من تأليف أرنولد كارول.

“ربما يمكنني مساعدتك في العثور على الثقة التي فقدتها.” كان صوتي مليئًا بالثقة.

“الثقة؟” سألت، وبدت متشككة.

“عبر البدء بخطوات صغيرة. القراءة عن الثقة بالنفس قد تكون بداية جيدة. لنعمل معًا على ذلك.”

بدا في عينيها وميض من الأمل. “هل تعتقد حقًا أن ذلك يمكن أن يساعدني؟”

“أؤمن بذلك. وعلى الأقل، أنتِ تستحقين الفرصة لتكوني أفضل نسخة من نفسك.”

~~~

اعتقد انني سوف استمر على السرد الجديد، فهو افضل لغالبية القراء لهذا الموقع .

أيضًا أعذروني على الفصل القصير، غالبًا لأن السرد الجديد لا يزال قيد التجربة في نظري.

أعذروني على الأخطاء…

2024/09/23 · 25 مشاهدة · 1039 كلمة
TroX
نادي الروايات - 2024