الفصل الحادي عشر: "سقوط"

كان إدوارد يسير ببطء في ممر طويل مظلل بضوء خافت ينبعث من المشاعل المثبتة على الجدران. الجدران بدت كأنها شاهدة على أسرار لا تُقال، بينما كانت الأرضية الرخامية اللامعة تعكس بوضوح خطواته التي تردد صداها في المكان. الجو كان مشحونًا بشيء غير مرئي، شيء يتسلل إلى الأجواء ويثير توترًا غير معلن.

قطع الصمت صوت قوي قادم من الخلف، قال بنبرة هادئة لكنها تحمل حدة خفية:

"هل انتهيت منه؟"

لم يتوقف إدوارد عن المشي للحظة، لكن نبرته كانت جافة وواضحة وهو يرد:

"نعم."

توقف فجأة وأدار جسده ببطء نحو مصدر الصوت. كان يقف خلفه رجل طويل القامة يرتدي عباءة سوداء مزينة بشارة عائلة الدوق فيرنستون. وجهه كان جامدًا، يحمل ملامح صارمة لا تعرف الرحمة، وعيناه الداكنتان تعكسان هدوءًا يخفي الكثير من الحذر والخطر.

قال إدوارد وهو ينظر مباشرة في عيني الرجل:

"لم أتوقع أن يأتي نائب عائلة الدوق فيرنستون بنفسه ليتأكد من القضاء على فتى صغير في الثانية عشرة من عمره."

ابتسم الرجل الذي عرف باسم هالفرد ابتسامة جانبية، وكأن حديث إدوارد أضاف له نوعًا من التسلية. رد بصوت منخفض لكنه واضح:

"لورد الدوق لا يريد أي تهديد مستقبلي. نحن لا نترك أي احتمال يُمكن أن يتحول إلى خطر لاحقًا."

ظل إدوارد صامتًا للحظات، ملامح وجهه لا تزال جامدة، لكنه في داخله كان يضحك بسخرية مريرة.

تهديد؟

ما أنتم سوى عائلة دوق في مملكة من الدرجة الثانية الادني. كل ما تملكونه هو بعض الأراضي والجنود وعدد من الحلفاء المؤقتين. أنتم مجرد حلقة صغيرة في لعبة أكبر بكثير. هل تظنون أنكم في قمة العالم؟ ما أنتم في رحلته والأحداث التي تنتظره؟ ببساطة... لا شيء.

تقدم إدوارد خطوة صغيرة، واضعًا يديه خلف ظهره، ثم قال بهدوء، ولكن بنبرة تحمل تساؤلًا واضحًا:

"أكان لابد من القضاء على العائلة بأكملها؟ كان بإمكانكم تخفيض رتبة الكونت إلى بارون. أنا واثق أنكم أكثر من قادرين على فعل ذلك دون الحاجة إلى اللجوء للمحو."

هز هالفرد رأسه ببطء وكأنه يُقدر كلام إدوارد، ثم قال بسخرية لاذعة:

"كان بإمكاننا فعل ذلك، ولكن الكونت ألفريد كان طماعًا. أراد أن يصبح دوقًا." توقف قليلاً وكأنه يستمتع بكلماته قبل أن يتابع: "وأيضًا، لن تكون هناك أي فوائد من إسقاطه إلى بارون. الدوق لا يحب أن يأخذ جزءًا من الكعكة فقط، بل يحب أن يتناولها كاملة."

كانت ضحكته تحمل سخرية مبطنة، وكأن كلامه لم يكن موجّهًا لإدوارد بقدر ما كان إعلانًا عن فلسفة الدوق.

المملكة كانت مقسمة بشكل هرمي دقيق. في القمة، كان الملك والعائلة الملكية، يليهم الدوقات الذين يسيطرون على المقاطعات الكبرى. وكان الدوق فيرنستون واحدًا من هؤلاء الدوقات الذين يحكمون أراضٍ شاسعة، وقد تميزوا عن غيرهم بقوتهم السياسية والاقتصادية.

بعدهم تأتي عائلات الكونتات الذين يديرون المناطق الأقل أهمية، لكنهم لا يزالون يمتلكون تأثيرًا ملحوظًا في النظام. عائلة الكونت ألفريد كانت واحدة من هذه العائلات، والتي كانت دائمًا تحت ضغط البارونات الأربعة المحيطين بها، الذين يبدون في ظاهرهم ولاءً، لكنهم في الواقع يتحينون الفرص لزيادة نفوذهم على حسابها.

وفي أسفل هذا النظام يأتي البارونات، الذين يديرون المدن الصغيرة والقرى ويعيشون حياة أقل رفاهية لكنهم لا يقلون أهمية في هذا التسلسل الهرمي المعقد. كل طبقة تعمل جاهدة لضمان مكانتها وتوسيع نفوذها، لكن هذا يأتي على حساب استقرار الطبقات الأخرى.

بينما كان إدوارد يواصل طريقه بعد اللقاء، عادت ذكرياته إلى نيفاليس. صورته كانت واضحة في ذهنه؛ فتى ذو شعر أبيض نقي كالثلج، وعينان تحملان شيئًا من البراءة المختلطة بذكاء حاد. رغم كل شيء، كان إدوارد يعلم أن نيفاليس ليس مجرد طفل عادي.

"نيفاليس، الطريق سيكون صعبًا. سيكون مليئًا بالمآسي، الفقدان، والآلام. لكنني أعلم أن تلك الأشياء لن توقفك."

"قد يبدو عليه الكسل والملل في أغلب الأوقات، ولكنه في اللحظات الحاسمة، يتحول إلى شخص آخر تمامًا. عقله مثل شفرة حادة، يعرف كيف يتعامل مع أي موقف يُلقى عليه."

توقف إدوارد عند نافذة تطل على ساحة القصر المهجورة. حدق للحظات في الفراغ وكأنما يرى مستقبلاً بعيدًا. همس بصوت منخفض:

"حتى لو وجدت نفسك وسط الخراب، أنا واثق أنك ستعيد بناء كل شيء. أنت أقوى مما يظن الجميع، وأعلم أن هذا العالم، رغم قسوته، لن يقدر على كسر إرادتك."

بينما كان إدوارد يخطو خطواته نحو الخارج، نظر هالفرد إليه بتمعن، ثم قال بعرض مغرٍ:

"إدوارد، أظنك تدرك جيدًا أن عائلة الدوق فيرنستون قادرة على منحك ما تحتاجه. نحن نملك النفوذ والموارد. يمكنك أن تكون جزءًا من هذا النظام، إذا كنت ترغب في ذلك."

لكن إدوارد رد بنبرة حادة وهادئة في الوقت ذاته:

"لقد أوضحت للدوق بالفعل أني أرفض."

لم تدهشه فكرة الانضمام إلى عائلة فيرنستون،

في تلك اللحظة، عبرت نظرة خوف غير معلنة على وجه هالفرد. كان هذا الرجل يعرف جيدًا ما هو على المحك. ولكن ما كان يثير قلقه أكثر، هو عدم قدرته على إدراك رتبة إدوارد الحقيقية، خاصة عندما يتعلق الأمر بساحر متمرس مثل هالفرد.

هالفرد، الذي كان يظن نفسه خبيرًا في التعامل مع القادة والنبلاء، لم يستطع فهم تمامًا الأبعاد التي يتعامل معها إدوارد. هذه الشخصية التي تبدو هادئة، مليئة بالكثير من الأسرار. في داخل إدوارد، كان هناك شيء لا يستطيع فيكتور الوصول إليه، شيء لا يمكن تفسيره، ولا حتى السيطرة عليه.

ضحك إدوارد في قلبه. لن تفهم أبدًا.

---

على بعد أميال من القصر، وفي أحد أحياء الفقراء، كان المشهد مختلفًا تمامًا. زقاق ضيق مظلم، مليء بأكوام القمامة وروائح العفن. كان هذا المكان رمزًا للبؤس، حيث يعيش من لا مأوى لهم ولا أمل.

وسط هذا الخراب، كان هناك شيء لافت للنظر. فتى صغير ذو شعر أبيض كالثلج، مستلقٍ على الأرض الباردة. ملامحه تحمل جمالًا هادئًا، لكنه كان يبدو وكأنه خرج لتوه من كابوس.

فتح نيفاليس عينيه ببطء، الألم كان واضحًا في كل حركة يقوم بها. امتدت يده بارتجاف نحو رقبته، وكأنما يتحسس مكانًا ما يؤلمه. جلس ببطء، شعره يتدلى على وجهه كستار يحجب جزءًا من معاناته.

همس بصوت مبحوح:

"أين... أنا؟"

2025/04/19 · 5 مشاهدة · 902 كلمة
Xx_Adam_xx
نادي الروايات - 2025