الفصل الثاني عشر:"فهم الوضع"
استفاق نيفاليس تدريجيًا، والألم يعصف بجسده بشكل مؤلم. كانت إصابته أسفل رقبته أكثر ما يزعجه، وكأنها تذكّره بما حدث للتو. تحسس تلك المنطقة بأصابعه المرتجفة وكأنها تعيد له صورة المأساة التي مر بها، فكل حركة كانت تثير في جسده آلامًا جديدة. وعندما فتح عينيه، ضربت أنفه رائحة كريهة لاذعة، جعلته يسرع بتغطية أنفه بيده. كانت الرائحة منتنة لدرجة أن معدته تلتوي. تمتم متذمرًا بصوت خافت لكنه كان محملاً بالنفور:
"أين أنا بحق الجحيم؟ ما هذه الرائحة النتنة؟"
كل حركة قام بها كانت تترافق مع آهة متألمة، حتى أبسط الأفعال كانت تسبب له الألم. استغرق بضع لحظات ليتفحص محيطه
نهض نيفاليس بسرعة، وبدلاً من أن يظهر عليه الذعر أو الهلع كما هو متوقع، كان هناك مزيج غريب من الارتباك والاستفهام على وجهه.
تمتم بصوت خافت يحمل تساؤلاً وحيرة: "لماذا فعل إدوارد ذلك؟"
رغم صدمته، كان يعلم جيدًا أنه لن يحصل على أي إجابة إلا من إدوارد نفسه. لذلك، تنفس ببطء محاولًا استجماع أفكاره، ثم بدأ يتفحص نفسه ومحيطه، وهو أمر تعلّمه جيدًا من كتب القتال ومن دروس إدوارد عن السحر. لطالما كان إدوارد يخبره أن حال الساحر وبيئته المحيطة تؤثر بشكل كبير على قوته واستقراره.
كان المكان الذي وجد نفسه فيه زقاقًا معتمًا بعض الشيء، بالكاد يصل إليه الضوء، مليئًا بالقمامة المنتشرة في كل مكان. الرائحة الكريهة التي أزعجته منذ لحظة استيقاظه كانت لا تزال تحيط به، ولم يرفع يده عن أنفه للحظة. كان وجهه يحمل تعبيرًا دائمًا من الاشمئزاز، وكأن البقاء في هذا المكان القذر كان أكثر مما يستطيع احتماله.
تذمر مرة أخرى، بصوت يحمل استياءً عميقًا: "أي نوع من الأماكن هو هذا؟ مثير للقرف!"
بعد أن شتم وجوده في هذا المكان، عاد إلى تفحص نفسه. كان يرتدي زيًا مكونًا من قطعة واحدة، بلون باهت قليلاً، بأكمام كبيرة تغطي يديه بالكامل. تفاجأ عندما رأى عينيه الزرقاوين تنزلقان نحو شيء ما داخل ملابسه. كان هناك ورقة مطوية بإتقان، مخبأة بعناية.
أخرجها بسرعة وفتحها، وكأنه يتشبث بأي إجابة لما حدث. بمجرد أن رأى الخط المكتوب على الورقة، عرف فورًا أنه خط إدوارد. ازداد فضوله وبدأ يقرأ الرسالة على الفور.
مع كل كلمة يقرأها، بدا وكأن العالم كله ينهار من حوله. وجهه المتجمد أصبح شاحبًا، ويداه ارتعشتا قليلاً وهو يمسك بالورقة. الجزء الأول من الرسالة كان كافيًا لتدمير كل ما عرفه. خفض نيفاليس الرسالة قليلاً، وجهه مشدود بصمت ثقيل. عيناه كانتا تحملان صدمة، لكن مع ذلك، كان هناك أثر خفيف من الخوف بدأ يتسلل إلى ملامحه.
"أُبيدت عائلة أوليفر..."
كرّر العبارة في داخله، وكأنها كانت تحتاج إلى وقت لتترسخ في عقله. عائلته... العائلة التي كانت تحمل لقب الكونت، القوة السياسية والعسكرية المؤثرة في المملكة، عائلة عظيمة لا تتأثر إلا بعائلات الدقيات الأربعة أو العائلة الملكية نفسها، أُبيدت بالكامل؟
عائلة أوليفر لم تكن عائلة عادية. كانت واحدة من أقوى العائلات النبيلة في المملكة، تحمل لقب الكونت الذي وضعها في مكانة فريدة بين طبقات النبلاء. عائلة أوليفر كانت تمثل رمزًا للقوة والاستقرار، وكان تأثيرها يمتد إلى معظم أركان المملكة تقريبًا.
ومع ذلك، كانت هناك حدود لتأثيرهم. فوقهم، كانت هناك عائلات الدوقات الأربع، التي سيطرت على أقاليم المملكة الكبرى، كل منها تمثل قطبًا سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا. تلك العائلات الأربع: عائلة فيرنستون في الجنوب، عائلة برانديل في الشمال، عائلة كلاين في الشرق، وعائلة مالفيرد في الغرب، كانت تشكل طبقة فوق الكونتات، تقف فقط أسفل العائلة الإمبراطورية الحاكمة.
رغم ذلك، كانت عائلة أوليفر دائمًا محترمة، بل ومخيفة أحيانًا، بسبب قوتها وتأثيرها الذي تجاوز بكثير أي عائلة كونت أخرى. نادرًا ما كان يُتخذ أي قرار سياسي كبير دون استشارة الكونت ألفريد.
ضغط نيفاليس على الرسالة بقوة بين يديه، عقله يعمل بأقصى طاقته. "بحق الجحيم، ما الذي حدث؟ كيف يمكن لعائلة كونت أن تُباد بهذه الطريقة؟"
عندما انتهى من قراءة الرسالة بالكامل، كان التعبير على وجهه قد تغير. لم يكن الغضب أو الحزن هو ما يسيطر عليه، بل خليط من الارتباك، الغموض، والدهشة العميقة.
"أُبيدت.. تبا خمس سنوات من العمل والتكيف مع تلك البيئة النتنة ذهبوا سدًى." وضع يده أسفل ذقنه، متسائلًا، "ماذا أفعل الآن؟ هل أذهب للأم..؟"
لكن سرعان ما تراجع عن الفكرة، "لا هذا سيكون خطرا. وأيضًا لا أرغب في العودة وأنا فشلت، بالطبع لم يكن فشلًا من صنعي، ولكن يظل مجرد فشل."
"عليّ تحقيق المسار الأساسي بطريقة أخرى..."
خفض الورقة ببطء، وعيناه تائهتان، وكأنهما تبحثان عن تفسير في الفراغ أمامه.
في داخله، كان يحاول فهم الوضع. " هل كانت أحد الدوقيات الأربع؟
بدأت الشكوك تراوده، والأسئلة تتصارع في عقله. لكنه كان يعرف شيئًا واحدًا: مهما كان السبب، فإن حياته الآن تغيرت للأبد.
....
وقف نيفاليس في الزقاق المظلم، قلبه غارق في بحر من الأفكار المربكة. كان يحدق في الورقة الممزقة التي ألقاها في يده، وكان صوت تمزقها في الصمت المحيط به يبدو وكأنه آخر ما تبقى من أي علاقة بينه وبين الماضي. تنهد بعمق، متأملًا الكلمات التي قرأها للتو. لم يكن يمتلك أي علاقة حقيقية مع عائلته في المقام الأول. كان يشك في أن شيئًا قد يربطه بهم، رغم أنه كان من المفترض أن يكون الوريث. لم يكن له أي شخص يهتم لأمره هناك. حتى والديه، إذا جمع الوقت الذي قضاه معهما طوال حياته، فلن يتجاوز الشهرين. وكأنهما كانا مجرد أسماء في دفتر عائلة، يتداولان المسؤولية تجاهه كمجرد واجب لا أكثر.
تذكر كلمات ألفريد التي قالها له ذات مرة: "إبادة العائلات بين النبلاء ليست أمرًا غير عادي. إنها الطريقة التي تُسوى بها الأمور في عالم النبلاء في المملكه."
تلك الكلمات التي كانت تملأه بالغضب والخوف في لحظات تعليمة، أصبحت الآن جزءًا من الواقع الذي لا مفر منه. لقد أراد ألفريد منه أن يتبنى تلك الأفكار، ليصبح قادرًا على إباده أي عائلة دون تردد أو رحمة.
كانت تلك هي طبيعة النبلاء، في نظره، دماءهم لا تساوي أكثر من رغباتهم وطموحاتهم. بشاعة العالم الذي تربى فيه كانت تتجلى بوضوح في هذه اللحظة. كان النبلاء، في نظره، كالحيوانات المفترسة التي لا تتوانى عن قتل بعضها البعض للحصول على القوة والنفوذ. كان هذا هو العالم الذي أُجبر على التعايش فيه، عالم بلا رحمة أو شفقة، حيث لا مكان للضعفاء أو العاطفيين. انتقل نظره من الورقة الممزقة إلى يده، حيث كان هناك شيء آخر أثار انتباهه في رسالة إدوارد.
كان الخاتم المصنوع من معدن أسود عميق، يلمع بخفوت. على حواف الخاتم كانت هناك تعاويذ قديمة مكتوبة بلغة منسية، لغة لا يعرفها سوى قلائل. كان هذا خاتم فراغ، وهي قطع نادرة لا يستطيع سحر هذا العصر أن يخلق مثلها. لقد كان أحد الأغراض النادرة في العالم، وقد تمنى الكثيرون امتلاكه، حتى من العائلات الدوقية.
في عالم النبلاء، الخاتم من هذا النوع كان نادر لن يستغرب نيفاليس العالم تمتلك احدي او جميع عائلات الدوقيات خواتم فراغ. فوجئ نيفاليس عند رؤيته الخاتم. كان يعلم أنه شيء نادر، لكنه لم يتوقع أبدًا أن ينتهي به المطاف بامتلاكه. بعيدًا عن أفكاره المشوشة، أطبق نيفاليس قبضته على الخاتم وطبق تعليمات إدوارد بدقة. قام بحقن المانا النقية فيه، كما علمه سابقًا. كان إدخال المانا في عنصر ما ليس بالأمر السهل، فما بالك بخاتم فراغ؟
سحب المانا من داخله، وأدخلها في الخاتم بكل حذر وتركيز. على الرغم من تعبه الشديد، استطاع أن ينجح في إتمام المهمة. لكنه عندما سحب شيئًا ما من الخاتم، سقط على الأرض يلهث من الإرهاق. كانت العملية مرهقة للغاية، وكان يشعر كأن طاقته قد نفدت بالكامل. لم يكن يتوقع أبدًا أن يكون إدخال المانا في هذا العنصر بهذه الصعوبة.
بعد أن استراح قليلاً، رفع نيفاليس رأسه وألقى نظرة على العنصر الذي أخرجه من الخاتم.
كان سوارًا رقيقًا مصنوعًا من معدن داكن، يشبه خليطًا من الفضة والعقيق الأسود. كان يتوهج بخطوط ناعمة كأنها عروق من ضوء حي. كانت تلك الخطوط تضيء كأنها تلمس قلبه مباشرة. في وسط السوار، كان هناك حجر صغير لامع، ذو لون غريب، وكأن لونه يتغير بتأثير الضوء المحيط به.
كما أخبره إدوارد في الرساله لقد كان غرض يستعمل لتغيير الشكل، لقد وصفه إدوارد بأنه سوار يستطيع أن يغير شكله قليلا مثل لون شعره وعينيه ولاكن هناك مشكله فالسوار يحتاج الي المانا للعمل ولحسن الحظ إدوارد حقن مانا في السوار وختمها فيه خمن نيفاليس انه لن يحتاج للقلق بشأن حاجه السوار للمانا لعده اشهر.
أخذ نفسًا عميقًا وحقن خيط بسيط من المانا النقيه في السوار لم يشعر نيفاليس بشئ يتغير فيه فبعد كل شئ التغير لم يكن معنويا بل كان ماديا فلو كان هناك مرآه لتفاجئ نيفاليس فلقد تحول شعره وعيناه الي اللون الاسود.
أخذ نفسًا آخر، ثم بدأ يتحرك ببطء خارج الزقاق، كانت خطواته هادئة وثقيلة، وعيناه تلتمعان باللون الأسود عندما خرج أخيرًا من الزقاق المظلم، شعر بشيء غريب في الهواء، كما لو أن كل شيء في محيطه قد تغير أيضًا. انتظر لحظة ليجعل الأمور واضحة في ذهنه، ثم نظر حوله ببطء. وتفاجأ بما رآه.