الفصل السابع والعشرون " مدينه هيراس "
بعد أربعة أيام.
"آه، أخيرًا! لقد وصلت. استغرق هذا الكثير من الوقت."
تذمر نيفاليس، فلم يكن متعودًا على السفر لمسافات طويلة بهذه الطريقة. لقد استأجر عربة تعمل بالسحر، ولذا استغرق الأمر وقتًا أطول من المعتاد.
بالطبع، كانت الرحلة ستستغرق ساعات فقط لو كان يستطيع استخدام مصفوفة النقل في المدينة الرئيسية.
لو كان في الماضي، لذهب واستخدمها بلا تردد، فبعد كل شيء كان ابن عائلة كونت معروفة. لكن الآن، أصبح بلا هوية. استخدام مصفوفات النقل يتطلب شيئين: المال وهو يملكه، وهوية، وهو يفتقدها.
ومع ذلك، لم يُقلّل نيفاليس يومًا من شأن العربة السحرية؛ فهي تمثل فخر وإبداع عائلة مالفريد، دوقية السحر الأعظم في المملكة. فلو لا هذا الابتكار الساحر، لكان التنقّل بين المدن يستغرق أيامًا طويلة، ومجهودًا لا يُستهان به. فبعد كل شيء، ليس باستطاعة أي أحد استخدام مصفوفات النقل المنتشرة في المدن الرئيسية الأربع والعاصمة الإمبراطورية.
بطبيعة الحال، يعود ذلك إلى التكلفة الباهظة لتلك المصفوفات، وهي عقبة لم تستطع حتى عائلة مالفريد العريقة تجاوزها. لهذا، فإن العائلات الوحيدة القادرة على تحمّل أعباء هذا النوع من النقل، هي العائلة الإمبراطورية والدوقات الأربعة... وعائلته، بطبيعة الحال، كانت استثناءً آخر.
علاوة على ذلك، فإن امتداد القارة الهائل يجعل من مشكلة التنقّل معضلة يعاني منها الجميع، فليس كل البشر فرسان هالة أو سحرة مجال قادرين على اختصار المسافات بقدراتهم الخارقة.
ومع كل ذلك، لم يُفاجأ نيفاليس بعجز عائلة مالفريد عن حل تلك المعضلة؛ فبعد كل شيء، من ذا الذي يستطيع التعديل على شيء صنع على يد القدماء؟
وأخيرًا، بعد سفر استمر أربعة أيام باستخدام العربة السحرية، وصل نيفاليس إلى مدينة هيراس. لم يزرها من قبل، ولكنها كانت مذهلة، تركت نيفاليس مدهوشًا أمامها.
لقد قرأ عن المدن الرئيسية الأربعة في المملكة وعظمة كل منها، ولكن بعد رؤية واحدة منها، أدرك أن الكتب لم تُوفِها حقها.
الآن، كان أمامه واحدة من تلك المدن الأربع، وقد تكون أهم مدينة في المملكة. والسبب ببساطة أنها تطل على خطي معركة رئيسيين، وهما الحدود مع دوله إيسفيلدا وأحد أخطر سلاسل الجبال في القارة: سلاسل جبال نايهارف.
كانت المدينة تُطل على الأفق كقلعة عملاقة تمتد على مساحة واسعة، تحيط بها أسوار شاهقة من الحجارة السوداء الصلدة، تبدو وكأنها بُنيت لتقاوم غضب الزمن وأعتى الحصارات. يبلغ ارتفاع الأسوار عشرات الأمتار، وتزينها أبراج حربية متقاربة تشبه الحراس الصامتين، مزودة برماح ضخمة وأفواه منجنيقات جاهزة للدفاع عن المدينة في أي لحظة.
ببساطة، لقد استحقت لقب "القلعة المنيعة".
من بعيد، تبدو المدينة أشبه بوحش عظيم نائم، تُلقي أسوارها ظلالًا طويلة على الأرض المحيطة، بينما تعانق أبراجها الغيوم. السُحب الداكنة غالبًا ما تتجمع فوقها، مما يُضيف إلى هيبتها، وكأنها تحذر الغرباء من الاقتراب.
أعجب نيفاليس بالمنظر أمامه، وتحمس أكثر لمشاهدة المدينة من الداخل.
اتجه مباشرة إلى البوابة الرئيسية.
تقع البوابة الرئيسية في الجهة الشرقية، وهي تحفة معمارية ضخمة مصنوعة من الحديد الأسود، مزينة بنقوش قديمة تحكي عن حروب وأساطير مضت. أمام البوابة، تقف تماثيل عملاقة لفرسان بأسلحة مرفوعة، تُظهر القوة والعظمة. تعبر الجيوش والتجار من تحتها عبر جسر متحرك يمتد فوق خندق عميق مليء بالمياه.
كان محيط المدينة مُحاطًا بخندق مزدوج، الأول مليء بالماء، والثاني مليء بالمسامير الحديدية.
كان هناك حراس أمام سور المدينة، وكان منظرهم مرعبًا. كانوا يقفون على استعداد كأنهم سيتعرضون للهجوم في أي لحظة.
تقدم نيفاليس بدون أي قلق نحو الحراس. طلب منه الحراس هويته، وكان يعرف أن هذا سيحدث، لذا حضر الإجابة مسبقًا.
"أنا هنا لتسجيل اسمي في المقر الرئيسي للمغامرين."
ألقى الحارس نظرة على نيفاليس، وقد بذل نيفاليس جهده ليبدو أكبر سنًا، لكن ما زال يراه الشاب جدًا في نظر الحارس. ومع ذلك، بعد أن فحصه الحارس ومرّ بعملية التفتيش، سلم له الحارس رمزًا وقال له:
"أمامك نصف يوم لإتمام التسجيل. إذا بقيت دقيقة أخرى، سيتم القبض عليك."
لم يستغرب نيفاليس من الأمن المشدد، فكان هذا طبيعيًا بسبب أهمية المدينة وأهمية قاطنيها. ناهيك عن كبار جنرالات الجيش هناك وأقوى عائلة عسكرية في المملكة: عائلة الدوق لانكروس.
بعد أن مر بالعديد من نقاط التفتيش، تنهد ببعض الغضب، ثم دخل. وببساطة، ذهل للمرة الثانية. مع أنه متعود على القصور والمدن الفخمة، إلا أن هذه المدينة كانت شيئًا آخر.
بمجرد أن دخل نيفاليس عبر البوابة العملاقة، استقبلته شوارع واسعة مرصوفة بأحجار داكنة، مصممة لتحمل أقدام الجنود والعربات الثقيلة. على جانبي الطريق، انتشرت مبانٍ ذات طابع عسكري، مزيج من الحجر الداكن والفولاذ، مما أضفى على المدينة جوًا من الصرامة والانضباط.
لم تكن المدينة مزينة بالتماثيل أو الحدائق الفاخرة كما هو الحال في العاصمة، بل كانت مليئة بالثكنات العسكرية، ساحات التدريب، ومتاجر الأسلحة. حتى الأسواق هنا لم تكن أسواقًا عادية، بل كانت مخصصة لبيع المعدات القتالية، الدروع، والأسلحة المصنعة من أفضل المواد. في كل مكان، كان الجنود والمغامرون يتنقلون بين المتاجر، يتفقدون بضائعهم أو يتدربون في الساحات المفتوحة.
لكن وسط كل هذا، كان هناك مبنيان يسيطران على الأفق، يفرضان هيبتهما على المدينة بأكملها.
في منتصف المدينة تمامًا، ارتفع قصر الدوق لانكروس كحصن عملاق أشبه بقلعة منفصلة داخل المدينة. كان مبنيًا من الحجر الأسود الصلد، تحيط به أسوار عالية مزودة بأبراج مراقبة وحراس مدججين بالسلاح. كانت بوابته الحديدية الضخمة تحمل شعار عائلة لانكروس—رمز سيفين متقاطعين خلف درع، يرمزان إلى القوة والسلطة.
كان القصر أكبر وأقوى مبنى في المدينة، ليس فقط لأنه مقر الدوق، بل لأنه أيضًا مركز القيادة العسكرية. لا أحد يستطيع الاقتراب منه دون تصريح، وكان الحراس المحيطون به من النخبة المدربة خصيصًا لحماية الدوق وعائلته.
أما ثاني أكبر مبنى في المدينة، فلم يكن سوى المقر الرئيسي لنقابة المغامرين، وهو المبنى الوحيد الذي يقترب حجمه من قصر الدوق.
كان المبنى عبارة عن حصن ضخم يتكون من عدة طوابق، جدرانه من الحجر الرمادي المدعم بالفولاذ، ليقاوم أي هجوم محتمل. نوافذه كانت واسعة، لكنها محمية بطبقات سحرية، تمنع أي اختراق غير مصرح به. وعلى الرغم من طابعه العسكري، إلا أن تصميمه الداخلي كان مجهزًا لاستقبال أعداد ضخمة من المغامرين.
مدينة الحرب..." تمتم نيفاليس، وهو يسير في شوارعها، يشعر بهيبة المكان. هنا، لا يوجد شيء للزينة أو الترف، بل كل شيء له هدف.
على الرغم من الفساد المستشري في الحكم والطبقات النبيلة، إلا أن القوة العسكرية للمملكة لم تتأثر بنفس القدر، أو على الأقل لم يكن هناك مجال لتدهورها. السبب في ذلك بسيط: المملكة لا تملك رفاهية إهمال جيشها.
هناك سببان رئيسيان يفرضان على المملكة الحفاظ على جيش قوي ومنظم علي الاقل هنا في الغرب.
الحدود مع مملكة إيسفيلدا و سلاسل جبال نايهارف
فالحدود مع مملكة إيسفيلدا لا تترك مجالًا للتهاون، وأما جبال نايهارف، فهذه قصة أخرى... الوحوش والمخلوقات المتوحشة هناك لا تمنح أحدًا فرصة للضعف. مهما بلغ فساد النبلاء، لا يمكنهم العبث بالجيش، وإلا ستسقط المملكة بين فكّي غزو خارجي وهجمات وحوش لا ترحم."
"على الأقل، هنا في الغرب، القوة العسكرية للمملكة في أوجها."