الفصل الثلاثون "القطط المشاغبون"
في مكانٍ ناءٍ من العالم، حيث الغيوم تتكدس فوق القمم الصخرية الشاهقة، والغابات الكثيفة تمتد بلا نهاية كبحرٍ أخضرٍ عتيق، كانت الرياح تعوي عبر الأخاديد العميقة، حاملة معها رائحة الأرض الرطبة والبرد القارس.
بين تلك التضاريس الوعرة، كان هناك معسكرٌ صغير، مجرد حفنة من الخيام المبعثرة حول شعلة نارٍ متراقصة، تحيط بها ظلال أربعة أشخاص جلسوا في صمتٍ مريح، يتبادلون النظرات دون أن يتحدثوا كثيرًا.
لكن هذا الصمت لم يدم طويلًا.
"آه... تبًا، جسدي كله يؤلمني!"
تردد صوت أنين مكتوم وسط أصوات الحطب المشتعل والرياح الصاخبة. كان نيفاليس مستلقيًا على الأرض، ووجهه منحنيًا للأعلى بينما يحدق في السماء الملبدة بالغيوم. عضلاته كانت تصرخ، كل عظمة في جسده بدت وكأنها قد تعرضت للدهس تحت أقدام فيلٍ ضخم.
ضحكة خفيفة تصاعدت من مكانٍ قريب، قبل أن يسمع نيفاليس صوتًا مألوفًا يجيبه بسخرية واضحة:
"ههههه، على الأقل يمكنك التحرك الآن، ليس مثل اليوم الأول، حينما كنت مجرد كيس لحمٍ ملقى على الأرض."
حرك نيفاليس رأسه قليلًا لينظر إلى فليكس، الشاب ذو الشعر الأحمر المشتعل، الذي كان جالسًا بالقرب منه، يتكئ على جذع شجرة، وعلى وجهه ابتسامة مفعمة بالمشاكسة.
رفع نيفاليس يده ببطء، مشيرًا نحوه بإصبعٍ مرتعش، ثم قال بلهجة متعبة:
"اخرس... فقط اخرس."
رفع فليكس يديه وكأنه يعترف بالهزيمة، لكنه لم يتوقف عن الابتسام.
"لا بأس، لا بأس، لكن عليك أن تعترف... غرايف فعل معجزة بجعلك قادرًا على الوقوف بعد أسبوعين فقط."
لم يستطع نيفاليس إلا أن يتنهد وهو يتذكر الأسابيع القليلة الماضية.
لقد مرّ أسبوعان منذ أن ضمّته لينا إلى فرقتها، وكانا أسبوعين من الجحيم بالنسبة لنيفاليس—أو بالأحرى، بالنسبة لجسده.
التفت نيفاليس إلى الرجل المسؤول عن هذا الألم الجحيمي الذي ينهش كل عضلة في جسده.
كان رجلاً ضخماً، يكاد يبدو كجدار متحرك. طوله يتجاوز المترين، وعضلاته منحوتة كأنها صخر صلب.
أكتافه عريضة، وذراعاه ضخمتان لدرجة تجعلان تحطيم الصخور يبدو وكأنه مجرد تسلية بالنسبة له. وجهه مليء بالندوب التي تحكي عن معارك لا تُحصى، لكنه رغم مظهره المخيف، كان يحمل في عينيه هدوءًا غريبًا، وكأنهما تنتميان لرجل مختلف تمامًا عن الجسد الذي يملكه.
شعره قصير خشن، ولحيته غير مرتبة، مما منحه مظهر محارب عاش في ساحة المعركة أكثر مما عاش بين البشر. كان يرتدي درعًا ثقيلًا، بدا وكأنه جزء مقتلع من قلعة محطمة، وبجواره درع عملاق، يمكنه استخدامه كسلاح قاتل بنفس سهولة استخدامه للدفاع.
لقد كان هذا الرجل هو غرايف، المحارب الرئيسي والمدافع عن الفريق، والشخص المسؤول عن تعذيب عضلات نيفاليس ومفاصله كل يوم حتى يشعر وكأن جسده سينهار.
بالنسبة لأي شخص يراه لأول مرة، كان غرايف أشبه بكابوس حيّ، رجُل يلتهم الأطفال على الإفطار ويقضي على الوحوش بقبضة يده. ونيفاليس نفسه، حين رآه لأول مرة وعلم أنه سيكون مدربه، شعر بقشعريرة لم يعرفها من قبل.
لكن بعد يومين فقط، أدرك أن المظاهر قد تخدع.
رغم قسوته في التدريب، كان غرايف طيب القلب، يدفعه فقط رغبة حقيقية في أن يصبح نيفاليس أقوى.
تنهد نيفاليس، وهو يشعر ببعض الاحترام لهذا العملاق المخيف.
ثم تحركت عيناه نحو شخص آخر، كان يتحدث بصوت مرتفع وحماسة لا تهدأ.
"فليكس"، ساحر النار، وأكثر شخص إزعاجًا ونشاطًا في الفريق.
شاب في أوائل العشرينيات، طويل القامة ونحيف البنية، لكن حركاته سريعة ومليئة بالطاقة. شعره الأحمر الفوضوي يشتعل كالنيران، وعيناه المتقدتان بالحماس جعلت نيفاليس يشعر وكأنه دائمًا على وشك الدخول في معركة... أو مزحة جديدة.
كان يرتدي ملابس باللونين الأحمر والأسود، بتصاميم تشبه ألسنة اللهب على أطرافها، وكانت هالة خفيفة من الحرارة تحيط به دائمًا، مما جعله يبدو وكأنه يمشي وسط أتون مشتعلة.
بالنسبة لنيفاليس، كان فليكس واحدًا من أكثر الأشخاص المزعجين الذين قابلهم في حياته، خاصة بعد تعليقه الساخر في أول لقاء بينهما:
"أوه، صغير آخر ينضم إلى الفريق؟ هل تأكدتم أنه ليس ضائعًا؟"
في تلك اللحظة، كاد نيفاليس أن يلكمه في وجهه، لولا أن لينا أمسكته بإحكام.
لكن بمرور الوقت، أدرك أن فليكس لا يقصد الإهانة، بل كان ذلك جزءًا من شخصيته المرحة والمندفعة.
أدار نيفاليس رأسه لينظر إلى شخصية أخرى في الفريق.
"سيليست"، رامية السهام وساحرة الرياح العبقرية.
شابة في منتصف العشرينيات، تمتلك جسدًا رشيقًا يعكس مهارتها في الرماية وخفة حركتها كمستخدمة لسحر الرياح. شعرها الفضّي الطويل ينساب مع نسمات الهواء، وعيناها الخضراوان الحادتان كعيني صقر متيقظ، تلمعان بثقة وذكاء.
كانت تتحرك كأنها جزء من الريح نفسها، خطواتها بالكاد تُسمع، وابتسامتها غالبًا ما تحمل مزيجًا من التحدي والمرح.
كانت ترتدي درعًا خفيفًا يغطي مناطق محددة من جسدها، مما يسمح لها بالحركة السريعة، فوقه رداء أخضر داكن يتماوج مع الرياح. بين يديها، كانت تحمل قوسًا أنيقًا مصنوعًا من خشب قوي، مزخرف بنقوش تعكس ارتباطها بالرياح، بينما جعبتها ممتلئة بالسهام ذات الريش الفضي.
كانت معلمة نيفاليس في سحر الرياح، وأثبتت بسرعة أنها عبقرية في استخدامه. كانت شديدة الحماس عندما بدأ تدريبه، حتى أنها أصرت على تعليمه الرماية، رغم أنه سياف.
حرك نيفاليس بصره إلى الشخص التالي—ثاني أصغر فرد في الفريق.
"ميرا ساحرة العلاج الفرعية لسحر الماء"
كانت فتاة تتمتع بشعر أزرق متموج يتدلى بسلاسة حول كتفيها، وعينين بلون المحيط تعكسان هدوءًا وسرًا دفينًا. ملابسها كانت أنيقة وعملية، بألوان الأزرق والفضي، مما منحها مظهرًا أشبه بكاهنة ماء أكثر من ساحرة مرتزقة.
كانت أكثر أفراد الفريق هدوءًا، بشخصية طفولية قليلاً رغم سنها. تصرفاتها اللطيفة وهدوؤها جعلا نيفاليس يشعر بالراحة حولها.
وأخيرًا، التفت إلى آخر شخص في الغرفة، قائدة الفريق ومعلمته الجحيمية الأخرى.
"القائدة لينا".
كانت هذه الفرقة صغيرة جدًا مقارنة بفرق المرتزقة الأخرى، لكنهم عوضوا ذلك بالقوة الفردية الهائلة لكل فرد منهم. لم يكن الأمر مفاجئًا، فبعد كل شيء، كانوا ثاني أقوى فريق مرتزقة في القارة.
ما فاجأ نيفاليس لم يكن قوتهم، بل اسم الفريق نفسه.
لقد توقع اسمًا مهيبًا يليق بمكانتهم، شيئًا يبعث الرعب في قلوب الأعداء.
لكن بدلاً من ذلك...
وضع يده على وجهه وهو يتذكر الاسم مجددًا:
"القطط المشاغبون".
...
"بحق الجحيم، لماذا؟!"
لكن الإجابة كانت واضحة جدًا—لأن قائدة الفريق تعشق القطط.
أطلق نيفاليس تنهيدة عميقة، مستسلمًا لواقعه الجديد.
بينما كان المخيم مغمورًا في السكون، شعر نيفاليس بشخص يقترب منه. رفع رأسه قليلًا، ليجد لينا
القائدة تحدق به بعينيها الثاقبتين.
"استمتع بالراحة الليلة، نيفاليس."
رفع حاجبه بتساؤل، ثم سأل:
"لماذا أشعر أن هناك مشكلة قادمة؟"
ابتسمت لينا وقالت ببرود:
"لأننا سنخرج في مهمة حقيقية غدًا عند الفجر."
شعر نيفاليس بقشعريرة تسري في جسده.
"حسنًا... يبدو أن الراحة انتهت."
نظر إلى السماء المظلمة، وأخذ نفسًا عميقًا.
لقد انتهت مرحلة التدريب، وحان الوقت الآن لمواجهة العالم الحقيقي.